رأس المال غبي وهاكم الأدلة

رأس المال غبي وهاكم الأدلة

04 اغسطس 2021
شهدت سورية تراجعاً بالقدرة الشرائية للمواطنين (فرانس برس)
+ الخط -

أسقطت أبجديات نظام بشار الأسد الاقتصادية الحكمة عن رأس المال، بعدما بدّلت جبنه الموسوم به تاريخياً، بسبب التريث ودراسة الأسواق والجدوى قبل أي مجازفة برأس المال، إلى غباء.
فلم يكتف النظام، ضمن حملته التضليلية القائلة إن سورية بخير وباتت بعد الانتصار على المؤامرة الكونية بيئة جاذبة ومناخا تتهافت عليه الرساميل، بالادعاء بعودة الأموال السورية المهاجرة، بل تمادى للقول: إن مستثمرين عرباً وأوروبيين بدأوا بالعودة إلى سورية، وزاد تأسيس الشركات خلال الأشهر الستة الفائتة من العام الجاري.
وليحظى الكذب ببعض الإقناع والتصديق، يحتاج عادة لأرقام أو لمن يقسم اليمين، لذا انبرت وزارة الصناعة السورية للادعاء أن 604 منشآت ومشروع وحرفة صناعية جديدة في المحافظات السورية دخلت حيز الإنتاج والعمل الفعلي خلال النصف الأول من العام الحالي برأسمال يصل إلى 233.750 مليار ليرة سورية وتوفر فرص عمل تقدر بأكثر من 3200 فرصة.

وهنا، لن ندخل بدوامة المحاججة بالأرقام و"من فمك أدينك" لنقسّم تلك المليارات على 3300 ليرة لنعرف حجم الاستثمارات الكلية بالدولار، ومن ثم نقسّم الناتج على 604 شركات لنعرف حجم الاستثمار بكل شركة وكيف لتلك "الملاليم" أن تقيم منشأة وخطوط إنتاج وتشتغل، قبل أن تشغّل آلاف العمال.
بل سنسأل وبفجاجة: من هو "الغبي" صاحب رأس المال الذي استثمر بسورية خلال النصف الأول من هذا العام؟!
إن علمنا أن الأشهر الماضية شهدت تراجعاً بسعر العملة المحلية وتراجعاً بالقدرة الشرائية بعد زيادة نسبة الضرائب والتفقير وغلاء الأسعار وزيادة أسعار مدخلات الإنتاج وبمقدمتها المشتقات النفطية.
 طبعاً إلى جانب أمراض مستفحلة من قبيل هجرة الأيدي الماهرة أو قتلها وتوقف دعم الإنتاج ومستوردي المواد الأولية من الخارج بالدولار، وملاحقة الحائزين على العملات الأجنبية، بل وانقطاع التيار الكهربائي لعشرين ساعة يومياً، حتى عن المدن والمناطق الصناعية، ما أخرج الشركات القائمة عن الإنتاج.
وكل ذلك، مضاف إلى ضبابية المستقبل السوري واستمرار الحرب التي تجعل أي مستثمر، مهما بلغت غيرته الوطنية وعلو حسه القومي، يعد للعشرة، حتى قبل أن يفكر بالسؤال عن الاقتصاد السوري وليس المخاطرة بحياته لزيارة سورية أو بأمواله والاستثمار فيها.
وكما أسلفنا بأن الكذب يحتاج أدلةً وحُلّافَ يمين ومروجين، تابع رئيس الوزراء بحكومة الأسد حسين عرنوس مشوار التضليل، بعد أول اجتماع أعقب تكليفه بتشكيل حكومة جديدة، لينثر التسهيلات ويقدم الإغراءات ويتغزل بالقوانين العصرية لكل من تسوّل له نفسه إحداث شركات "بمختلف أنواعها" واستكمال كل متطلباته.

وفي سياق إتمام "الكذبة"، أكد عرنوس تسريع الإجراءات وتذليل العقبات التي تعترض العمل، واختصار المراحل عبر مراكز الخدمة الإلكترونية وأتمتة طلبات تأسيس الشركات في سورية الأسد، واعداً بأن الحد الأقصى لمنح أي ترخيص لن يتجاوز الأسبوع.. طبعاً إلى جانب ما يلزم من "توابل للكذب" بأن السوق السورية واعدة، خاصة بعد صدور قانون الاستثمار الجديد.
نهاية القول: لم يُعرّف رأس المال يوماً بأنه من الغباء بحيث يدفعه، أياً كانت الأسباب والدوافع، ليستثمر ببلد يشهد حرباً مستمرة منذ عشر سنوات، ومرشحة للمزيد من التأزّم قد يكون الاحتلال أو التقسيم أبسطها. 
كما لم تشهد خرائط الاستثمار من قبل أن بيئة تفتقر لجميع مقومات الحياة وليس الجذب استقطبت مليارات وتأسست فيها خلال ستة أشهر مئات المنشآت، فهذه الأحلام لم تدغدغ، بزمن كورونا والخسائر، الولايات المتحدة ولا الصين أو سنغافورة، التي صنفها تقرير "أونكتاد"، العام الماضي، كأكثر الدول جذباً للاستثمار بالعالم.

المساهمون