عن رفع الفائدة في مصر مرة أخرى

عن رفع الفائدة في مصر مرة أخرى

18 مايو 2022
محطة وقود في القاهرة (getty)
+ الخط -

ارتفع التضخم في مصر لأعلى مستوياته في ثلاث سنوات تزامناً مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالمياً، قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا وبعدها، وأيضاً مع سماح البنك المركزي المصري في شهر مارس/ آذار الماضي بتراجع سعر الجنيه أمام الدولار بنسبة تجاوزت 17%، ليرفع البنك معدل الفائدة الأساسية بنسبة 1%، وتزداد التوقعات برفع جديد في الاجتماع المنتظر عقده غداً، التاسع عشر من شهر مايو/ أيار المقبل.

وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في مصر في شهر إبريل/ نيسان بنسبة 13.1% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي بعد أن كان 10.5% في الشهر السابق، بينما سجل الارتفاع الشهري نسبة 3.3%.

المتابع للشأن المصري يدرك جيداً أن المؤثر الأكبر في ارتفاع معدل التضخم خلال شهر إبريل/ نيسان كان ارتفاع سعر الدولار

وأرجعت الحكومة المصرية ارتفاع معدل التضخم إلى ارتفاع الأسعار العالمية للقمح، التي تعد مصر أكبر مستورد له في العالم، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة التي تسببت في ارتفاع فاتورة الواردات، أياً كان نوعها.

وأظهرت البيانات الحكومية ارتفاع أسعار الغذاء والمشروبات بنسبة 26% مقارنة بالعام الماضي، وبنسبة 7.6% مقارنة بالشهر الماضي.
لكن المتابع للشأن المصري يدرك جيداً أن المؤثر الأكبر في ارتفاع معدل التضخم خلال شهر إبريل/ نيسان كان ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في الحادي والعشرين من شهر مارس/ آذار الماضي، الذي ترتب عليه ارتفاع أسعار كل ما هو مستورد بصورة كبيرة، لم تظهر كاملة خلال الشهر الذي ضعف فيه الجنيه مقابل الدولار، ليكتمل تأثيره خلال الشهر التالي، وليظهر لنا معدل التضخم الذي تم الإعلان عنه أخيراً.

وعلى الرغم من وضوح تسبب رفع سعر الدولار في زيادة إحساس المصريين بالتضخم الذي ضرب أغلب بلدان العالم، وكان تأثيره الأكبر في مصر، التي ما زالت عملتها تحتل المركز الأول في قائمة أضعف أداء للعملات مقابل الدولار خلال العام الحالي، 2022، بادر البنك المركزي برفع معدلات الفائدة الأساسية بنسبة 1%، وطلب من بنكي الأهلي المصري ومصر، اللذين يعدان ذراعيه في السوق المصرفية، تقديم شهادات ادخار جديدة لعملائهما، تدفع عائدا سنويا قدره 18%، بعد أن كان أعلى عائد على أي شهادة استثمار يمكن شراؤها في مصر قبل القرارات الأخيرة لا يتجاوز 11%.

مع محاولات إقناعنا بتسبب حرب أوكرانيا (فقط) في ارتفاع التضخم، نسي البنك المركزي أنه رفع الدولار، وتسبب في الجزء الأكبر من التضخم

يتعامل البنك المركزي المصري (ظاهرياً) على اعتبار أن المتسبب الأول في التضخم في مصر هو جانب الطلب، ومن ثم فإنه يعمل على مواجهته برفع معدلات الفائدة، وهو ما يدعم احتمال رفع الفائدة مرة أخرى خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك، غدا الخميس.

ومع محاولات إقناعنا بتسبب الحرب في أوكرانيا (فقط) في ارتفاع معدل التضخم في مصر، نسي البنك المركزي أنه رفع سعر الدولار مقابل الجنيه، وتسبب في الجزء الأكبر من التضخم الذي يواجهه المصريون.
لا اعتراض عندي على السماح للجنيه بالضعف أمام الدولار، وأرى أن القرار جاء متأخراً إلى حد كبير، لكنّ اعتراضي على محاولة الإيهام بأن المتسبب في التضخم في مصر هو العوامل الخارجية، من حرب أو وباء أو محاولات المستثمرين تجنب المخاطر وهروب الأموال الساخنة، الأمر الذي يعني أنه لم يكن من الممكن تجنبه، وكل هذا ليس صحيحاً للأسف.

تسببت سياسات الحكومة والبنك المركزي المصري في استمرار معاناة البلاد من عجز في الحساب الجاري يتزايد عاماً بعد عام، بسبب فتح الباب على مصراعيه، خلال السنوات الخمس الأخيرة على أقل تقدير، أمام استيراد كل شيء.

طلب البنك المركزي من البنوك الوفاء بطلبات كل من يريد شراء الدولار للاستيراد أو غيره، بينما عمل طوال الفترة الماضية على توفير تقوية وهمية لسعر الجنيه على عكس قوانين العرض والطلب، مستفيداً من القروض التي هرول للحصول عليها من كل حدبٍ وصوب، ومتجاهلاً التأثير السلبي لسياساته على كافة المؤشرات الاقتصادية، باستثناء سعر العملة الوطنية، قبل أن تبدأ الألغام التي زرعها تحت قدميه في الانفجار الواحد تلو الآخر.
قدر الله، وما شاء فعل، لكن التوجه الحالي لرفع معدلات الفائدة لا يقنع الكثير من المحللين المتابعين للشأن المصري في الداخل والخارج. ومع الأخذ في الاعتبار أن التضخم الحالي في مصر هو في أغلبه مستوردٌ، لا يبدو رفع أسعار الفائدة مفيداً في محاربته حالياً، بينما يلقي بالمزيد من الأعباء على الاقتصاد المصري، الذي يمر هذه الأيام بواحدة من أسوأ فتراته على الإطلاق.
يتسبب رفع معدلات الفائدة أولاً في ارتفاع حصة بند خدمة الدين العام، شديدة الارتفاع قبل رفع الفائدة الأخير، من جانب الاستخدامات في الموازنة المصرية، وهو ما ينعكس على تراجع الموارد الموجهة للإنفاق على التعليم والصحة والإنفاق الاجتماعي، وتجاهل النسب المنصوص عليها في الدستور.

واقتربت خدمة الدين من الاستحواذ على كامل الإيرادات الضريبية في العام المالي الأخير.
ويتسبب رفع معدلات الفائدة في تراجع الاستثمارات، وارتفاع كلفة اقتراض الشركات من البنوك، وهو ما يتسبب بدوره في تردد الشركات قبل اتخاذ قرار الإنفاق الاستثماري.

موقف
التحديثات الحية

وتحدثنا في مقال سابق عن المستثمر الذي فوجئ بارتفاع تكاليف استيراد المواد الخام التي يقوم باستخدامها في صناعته مع تعويم العام 2016 وما صاحبه من فقدان الجنيه المصري 60% من قيمته، فقرر بيع مصنعه وقام بشراء شهادات العشرين بالمائة التي طرحتها البنوك المصرية وقتها، مؤكداً رفضه العودة لممارسة نشاطه الصناعي مرة أخرى.

ويتسبب رفع معدلات الفائدة أخيراً في ارتفاع كلفة اقتراض المستهلكين، لشراء عقارات أو سيارات أو حتى قروض نقدية، وهو ما يتسبب في كثير من الأحيان في تباطؤ الاقتصاد، وربما الوقوع في مصيدة الركود.
يكاد رفع الفائدة يخلو من أي ميزة، اللهم إلا اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية، مرة أخرى في صورة أموال ساخنة، وهو ما يصيبني بالفزع من إمكانية وقوعنا مرة أخرى في الفخ نفسه. فهل نتعلم من أخطائنا أم نبقي على سياسات تزيين النوافذ، بينما ينهار البيت من الداخل؟

المساهمون