عالم ما بعد رفع الفائدة الأميركية

عالم ما بعد رفع الفائدة الأميركية

16 يونيو 2022
الإدارة الأميركية قلقة من صعود التضخم / Getty
+ الخط -

بداية عصر الدولار القوي، حركة سريعة للأموال، توديع زمن الأموال الرخيصة، تفشي حالات الإفلاس والتعثر والبطالة، الاقتصاد الأميركي نحو الركود، قفزة في أسعار الأغذية والسلع والمواد الأولية، حالة غلاء أخرى تجتاح الأسواق... هذه أبرز ملامح عالم ما بعد قرار رفع الفائدة الأميركية بهذا المعدل القياسي.

مساء أمس الأربعاء، رفع الاحتياطي الفيدرالي " البنك المركزي الأميركي" سعر الفائدة على الدولار بنسبة صدمت اقتصادات العالم وبشكل فاق توقعات الكثيرين.

ساعتها، عطس البنك بشدة في مؤشر على إصابة الاقتصاد الأميركي بمرض شديد هو التضخم الجامح، وبعدها أصيبت البنوك المركزية بإنفلونزا حادة، وسارعت إلى رفع سعر الفائدة لحماية عملاتها وأسواقها من مخاطر "الدولرة" وتضخم الأسعار ونزوح الأموال.

قرار الاحتياطي سيعيد رسم خريطة حركة الأموال في العالم، كما قد يتبعه حدوث تقلبات حادة في البورصات وهروب للأموال الساخنة من الدول النامية

كما أصيبت الأسواق المالية بالسكتة، والاقتصاد العالمي بالرجفة الشديدة، ذلك لأن قرار الاحتياطي الصادم سيعيد رسم خريطة حركة الأموال في العالم في الفترة المقبلة، كما قد يتبعه حدوث تقلبات حادة في البورصات وهروب للأموال الساخنة من الدول النامية.

وربما يضع القرار الأميركي حدا لجموح العملات الرقمية التي تهاوت بالفعل في الفترة الأخيرة لتفقد عملة البيتكوين، الأشهر بين تلك العملات، أكثر من 25% من قيمتها خلال أسبوع واحد فقط.

رفع الفائدة الأميركية بنسبة 0.75% مرة واحدة، وربما مثلها الشهر المقبل، يكتب عصرا جديدا للدولار القوي الذي بات يستأسد على كل العملات، وتخشى غضبته وسطوته بعض الدول الضعيفة التي تعاني ندرة في موارد النقد الأجنبي.

فقد ساعد ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وتوقعات بلوغها 3.4% بنهاية العام في تعزيز الطلب على الورقة الخضراء، وهو ما أدى إلى ارتفاع قيمتها بنسبة 10% منذ بداية العام.

ووضع ذلك الارتفاع القوي للعملة الأميركية دول العالم، خصوصا الأسواق الناشئة التي لديها ديون والتزامات ضخمة بالدولار، تحت ضغوط هائلة ومخاوف مستقبلية ضخمة.

فالدولار القوي بات يعيد رسم خريطة الديون، وتركيبة احتياطيات البنوك المركزية الأجنبية، ويزيد كلفة القروض والواردات

فالدولار القوي بات يعيد رسم خريطة الديون الخارجية، وتركيبة احتياطيات البنوك المركزية الأجنبية، ويزيد كلفة القروض والواردات، ويحدد مسارات واتجاهات العملات المحلية في الأسواق الناشئة، بل وقد يطيح ببعضها ليجعل قيمتها تتراجع بشكل مستمر.

وبعد أن أكد البنك الفيدرالي أن هناك زيادات أخرى لأسعار الفائدة في الطريق خلال عامي 2022 و2023، فإن العالم هنا يودع عصر الأموال الرخيصة، وهي الظاهرة التي سادت الأسواق عقب تفشي وباء كورونا، واستفاد منها كبار المستثمرين والمضاربين وقناصي الصفقات حول العالم، حيث كانوا يحصلون على قروض رخيصة من البنوك الأميركية ويستثمرونها في الأسواق الناشئة بسعر فائدة عال، وهي الظاهرة التي بات يطلق عليها الأموال الساخنة.

ببساطة، ستدخل البنوك المركزية في العالم في دوامة، ترفع سعر الفائدة على عملاتها بوتيرة أسرع من معدلات الفائدة الأميركية، وإلا ستفقد السيولة النقدية المتاحة، وبالتالي تشهد اضطرابات شديدة في أسواق الصرف، وخفض في قيمة العملات، وربما حالات إفلاس وتعثر.

العالم سيتغير بخطى متسارعة في الفترة المقبلة، الدول هي أكثر المتضررين من موجات رفع الفائدة، حيث قفزات متوقعة في أعباء الدين العام خاصة الخارجي، وقلاقل في أسواق الصرف الأجنبي، وزيادة في فواتير الأغذية والوقود.

والمستثمرون ورجال الأعمال وأصحاب المصانع وبطاقات الائتمان والرهن العقاري من بين المتضررين، حيث الارتفاع في تكاليف الاقتراض، وربما ندرة في السيولة المتاحة، وقيود على عملية منح الائتمان.

أما المودعون فهم مستفيدون مؤقتا من زيادة سعر الفائدة بشرط عدم الحصول على فائدة سلبية على مدخراتهم، ونجاح الدول والبنوك المركزية في كبح جماح التضخم، وإلا فسيصبح الجميع خاسر.

المساهمون