رئيس إيراني جديد: هل من نهج اقتصادي مختلف؟

رئيس إيراني جديد: هل من نهج اقتصادي مختلف؟

21 يونيو 2021
الملف النووي أكبر تحديات الرئيس إيراهيم رئيسي (Getty)
+ الخط -

توجَّه الإيرانيون يوم الجمعة 18 يونيو/ حزيران 2021 إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد لهم، خلفاً للرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، الذي لا يحقّ له، بموجب القانون، الترشُّح لولاية ثالثة على التوالي، وتمخَّضت تلك الانتخابات عن فوز المحافظ المتشدِّد إبراهيم رئيسي الذي تولَّى رئاسة السلطة القضائية منذ آذار/ مارس 2019. في انتظار الرئيس الجديد تركة ثقيلة ومفخَّخة بالمخاطر، منها خوض غمار اللعب مع الكبار، كالولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما، إدارة ملف الاتفاق النووي، تسيير برنامج إيران النووي، التصدِّي للعقوبات الأميركية، مواجهة تداعيات جائحة كورونا، محاولة إيجاد مخرج من الأزمة الاقتصادية الخانقة، معالجة انهيار القيمة الفعلية للعملة والتضخُّم الجامح، وضع حدّ للشرخ الطبقي الذي يزداد اتِّساعاً في البلاد، وإعادة وصل الاقتصاد الإيراني بالأسواق العالمية.

لا ينبغي رفع سقف التوقُّعات والآمال استناداً إلى المعطيات التي تفيد بأنّ الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي له علاقة جدّ وثيقة بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والحرس الثوري الإسلامي، ويسعى إلى توسيع البرنامج النووي لبلاده وقوّتها في العالم، كذلك فإنّه يعارض علناً فكرة تعميق العلاقات وتوطيدها مع الحكومات الغربية. سجِل الرئيس الإيراني الجديد ليس نظيفاً في أرشيف الولايات المتحدة.

فقد فرضت عليه وزارة الخزانة الأميركية عدّة عقوبات في سنة 2019 بسبب انخراطه في سلسلة الإعدامات والاعتقالات وتورِّطه في حملة قمع احتجاجات الحركة الخضراء الإيرانية التي أعقبت انتخابات سنة 2009، إضافة إلى مشاركته في "لجنة الموت" التي أمرت بإعدام آلاف السجناء السياسيين خارج نطاق القضاء في عام 1988.
لم يصمد "اقتصاد المقاومة" طويلاً أمام العقوبات الأميركية التي ضربت بعمق قطاعي النفط والمال الرئيسيين في البلاد، وأدخلت الاقتصاد الإيراني المتعثِّر في حالة من السقوط الحر،ّ وفاقمت المشاكل القديمة التي عانى منها الناس، وخلَّفت لهم مشاكل جديدة، وجعلت الحصول على الغذاء والدواء أكثر صعوبة، وساعدت الكثيرين على الانزلاق من الطبقة الوسطى نحو براثن الفقر والحرمان.
فقد أدَّت عقوبات "الضغط الأقصى"، التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عندما مزَّق الاتِّفاق النووي المُوقَّع مع إيران عام 2015، إلى رفع معدل الفقر بنسبة 11 بالمائة خلال الفترة الممتدة ما بين آذار/ مارس 2018 وآذار/ مارس 2020، وانضمام 3.7 ملايين إيراني إلى قائمة الفقراء والمعوزين، وانخفاض متوسِّط مستوى المعيشة بنسبة 13 بالمائة على الصعيد الوطني، وانخفاض قيمة الحدّ الأدنى للأجور من 260 دولاراً إلى ما يقارب 70 دولاراً فقط في الشهر، وفقاً لمسح دخل وإنفاق الأسر الإيرانية الذي أجراه المركز الإحصائي الإيراني.

فالضرر الجسيم الذي ألحقته تلك العقوبات بالحياة اليومية للإيرانيين دفعهم إلى التركيز على ما ستُنتجه المفاوضات بشأن العودة إلى الاتفاق، دون إعارة اهتمام كبير لنتيجة الانتخابات المحسومة سلفاً.

لقد كان الإيرانيون يشترون الدولار الأميركي الواحد بنحو 32 ألف ريال بعد وقت قصير من تعهُّد إيران بالحدّ من برنامجها النووي بموجب الاتِّفاق النووي الذي أبرمته مع أميركا في عام 2015، لكنهم يدفعون الآن نحو 238 ألف ريال مقابل الحصول على دولار واحد في السوق السوداء، حيث سبَّب اعتلال العملة الإيرانية تدهور قيمة الأموال التي يكتنزها الإيرانيون في البنوك، وأجبرهم على مواجهة جنون أسعار السلع الأساسية والمستوردة.

وفي خضمّ الجائحة المتغوِّلة، لم تتمكَّن إيران حتى من استخدام أموالها المجمَّدة في الخارج، بسبب العقوبات، التي تراوح قيمتها ما بين 32 و120 مليار دولار، لاستيراد الغذاء والدواء والمعدات الطبية.

أدَّت العقوبات إلى رفع معدل الفقر بنسبة 11%، وانضمام 3.7 ملايين إيراني إلى قائمة الفقراء، وانخفاض مستوى المعيشة 13% وانخفاض قيمة الحدّ الأدنى للأجور من 260 دولاراً إلى ما يقارب 70 دولاراً فقط في الشهر.

إن بقيت الأمور على حالها وأصرَّت إيران على تخصيب اليورانيوم بمستويات تُمكِّن من صنع الأسلحة النووية، سيضطرّ المواطن الإيراني إلى مواجهة ارتفاع آخر في معدل التضخّم من 36.5 بالمائة في 2020 إلى 39 بالمائة في 2021، وسيتغلغل الإحباط في نفوس الشباب المتحمِّسين للحصول على فرصة عمل بسبب ضيق سوق العمل وارتفاع معدل البطالة من 10.82 بالمائة في 2020 إلى 11.24 بالمائة في 2021، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
يترقَّب الإيرانيون، الآن أكثر من أي وقت مضى، نهج المحادثات الذي سيتَّبعه رئيسهم الجديد المتشدِّد مع الولايات المتحدة، والذي سيرسم بدوره معالم النهج الاقتصادي الجديد، الذي سينعطف بإيران ومواطنيها، إمّا نحو الاستقرار أو نحو المزيد من الانحدار والانحسار.

ويتطلَّع هؤلاء المواطنون أيضاً إلى حدوث انفراجة في أوضاعهم الاقتصادية مع بدء الجولة السادسة من المحادثات النووية في فيينا. لكن الأدهى والأمرّ، أن يُكرِّر الرئيس الجديد أخطاء الرئيس المنتهية ولايته، حسن روحاني، الذي لم يُعِر أهمية لتوزيع فوائد الاتِّفاق النووي بالتساوي بين مختلف شرائح المجتمع.  

 فعلى سبيل المثال، ظلَّت نسب البطالة على حالها في المدن والقرى الصغيرة، ولم تتحسَّن بعد الاتِّفاق النووي لعام 2015، فلم ينعم الشباب في تلك المناطق بفرص عمل بعد رفع العقوبات الأميركية خلال الفترة الممتدة ما بين 2015 و2018 وفقاً للمسح الذي أجراه المركز الإحصائي الإيراني.

  ما زاد الطين بلة، أنّ التوزيع غير العادل لفوائد الاتِّفاق النووي لعام 2015 أسهم كثيراً في وصول معدلات الفقر في المدن الصغيرة والمناطق المهمَّشة إلى ما هي عليه الآن، وهذا ما أدَّى إلى عزوف الكثير من المواطنين عن المشاركة في انتخابات 2021، نظراً لإدراكهم أنّ أوضاعهم لن تتحسَّن بمجرَّد مساهمتهم في اختيار الرئيس الذي قد يسير على الدرب نفسه الذي سار عليه سلفه.
خلاصة القول، بغضّ النظر عن طموحات الرئيس الإيراني الجديد وقراراته، ستعمل إدارة جو بايدن الحالية ما بوسعها للحفاظ على التقدُّم الذي أحرزته إدارة ترامب السابقة من ناحية شلّ اقتصاد إيران وتفقير شعبها، فمهما اختلف الرؤساء الذين يدخلون البيت الأبيض، تبقى استراتيجية الولايات المتحدة إزاء إيران واحدة، وستظلّ العقوبات الاقتصادية جزءاً لا يتجزَّأ من سياساتها الهادفة إلى تحجيم هذا البلد سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وجغرافياً.
يمكن الرئيس الإيراني الجديد استغلال الفرصة لطيّ صفحة الماضي والبدء بصفحة جديدة مع الدول الخليجية تقوم على أساس العلاقات السلمية، ليتسنَّى له بعد ذلك إعطاء دفعة للانتقال بهذه العلاقات من مرحلة التعايش السلمي إلى مرحلة الاعتماد المتبادل الذي يصبّ في مصلحة بلاده.

المساهمون