جيوب اليمنيين فارغة: أزمة السيولة تدمّر قدرتهم الشرائية

أسواق اليمن (محمد عويس/فرانس برس)
16 ديسمبر 2020
+ الخط -

رافقت الأزمة المصرفية وانهيار العملة التي يشهدها اليمن مؤخراً تراجعاً كبيراً يصل إلى حد الانعدام في السيولة المالية عند اليمنيين، إلى جانب مجموعة من الأزمات الغذائية والمعيشية مع تلاشٍ كبير لفرص تحقيق دخل، إذ أصبحت جيوب الكثير منهم شبه فارغة من الأوراق النقدية التي تمكنهم من شراء احتياجاتهم.

وأجبرت أزمة السيولة الأسر الضعيفة إلى تبني أكثر من خيار للتأقلم مع تداعيات الأزمة الاقتصادية التي عمقت مستوى الفقر والحرمان الغذائي، إذ انعكس ذلك على تراجع القوة الشرائية وسط ارتفاعات متواصلة في أسعار السلع بنسب قياسية.

وأدى شح السيولة أيضاً إلى تنامي العوائق وزيادة التكاليف أمام القطاع الخاص وتقييد قدرته على استيراد السلع والخدمات، بما فيها القمح والأرز والسكر والأدوية والوقود.
في السياق، يؤكّد المواطن عبد الباسط البيضاني، من سكان العاصمة اليمنية صنعاء، الذي يعمل على فترات متقطعة في البناء، عدم استقبال "جيبه" أي أوراق نقدية منذ نحو شهرين، ولم يجد وفق حديثه لـ"العربي الجديد" أي عمل آخر حتى الآن.
أما الموظف غيث الغريب، وهو من سكان منطقة "الشيخ عثمان" شمال عدن، فيوضح لـ"العربي الجديد" أنه لم يعد هناك أي قيمة للعملة المحلية التي في حال توفرها، يلتهمها التضخم والغلاء بصورة قياسية بالنظر إلى ما تعيشه العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية من أزمات لا حصر لها، ما بين اقتصادية ونقدية والأهم ارتفاعات قياسية بصورة شبه يومية في أسعار السلع ومختلف الخدمات والمواد الاستهلاكية.

هذا الأمر يجعل المواطنين حتى المستمرة رواتبهم في هذه المناطق من اليمن أو من لا يزالون في سوق العمل في حالة أزمة دائمة في السيولة، كما يقول الغريب، رغم تقليص النفقات والتخلي عن عديد من الاحتياجات المعيشية الذي عمد إلى اتباعه كثير من السكان. 

وبحسب دراسات حديثة فإن كثيراً من الأسر اليمنية اضطرت لزيادة نسب اعتمادها على الاستراتيجيات السلبية للتأقلم مع تداعيات الأزمة الاقتصادية ولمواجهة نقص السيولة، أهمها العمل على استهلاك الأغذية الأقل تفضيلاً بنسبة تزيد على 50%، يليها تقليص حجم الوجبة الغذائية، في حين تركزت توجهات كثير من الأسر، خصوصاً في مناطق شمال اليمن، إلى اتباع استراتيجية تقليص عدد الوجبات.
وفي ما يتعلق باستراتيجيات التأقلم ذات العلاقة بسبل المعيشة، فإن تقديرات ترجح أن 26.5% من الأسر خفضت الإنفاق على التعليم والصحة وقامت بسحب أولادها من المدارس، فيما وجد أن كثيراً من الأسر، بنسبة 50%، تشتري الغذاء بالائتمان، في حين اضطر 16.5% إلى البيع من أثاث المنزل لتوفير السيولة وشراء متطلباتهم المعيشية الضرورية.

وتسجل محافظة مأرب مستويات عالية في التضخم وارتفاع أسعار السلع نظراً لتحولها مؤخراً إلى ساحة مواجهات عسكرية مفتوحة على أكثر من جبهة، وهو ما أدى إلى تضييق المنافذ التجارية المحيطة بهذه المحافظة وحصول ارتفاعات قياسية في الأسعار بنسبة زيادة تفوق 150% خلال الفترة الأخيرة، مقارنة بالمناطق والمحافظات اليمنية الأخرى.

يقول عبد الحميد شائف، مسؤول مستودع تجاري للمواد الغذائية في محافظة البيضاء وسط اليمن، لـ"العربي الجديد"، إن المستهلك الذي كان يشتري كيس أرز من قبل، يشتري الآن عبوة صغيرة لا تزيد على 5 كيلوغرامات، وهذا دليل، بحسب تفسيره، على انخفاض الاستهلاك وتراجع القوة الشرائية.

ويواجه القطاع المصرفي أزمة سيولة خانقة، إذ إن حوالي 65% من إجمالي أصول البنوك غير متاحة للاستخدام وهي في شكل أوراق مالية حكومية، وأرصدة ودائع واحتياطي قانوني لدى البنك المركزي، وقروض للقطاع الخاص معرضة لخطر عدم السداد.

لذلك، أصبحت البنوك غير قادرة على الوفاء بطلبات عملائها من أصحاب الأعمال في الوقت المناسب، مما أضر بأنشطتهم وزعزع ثقتهم بالقطاع المصرفي، مفضلين الاحتفاظ بالسيولة خارج البنوك. فضلاً عن بروز تحديات مستجدة لأزمة السيولة، مثل وجود فرق كبير بين الدفع نقداً وشيكاً أو عدم قبول الشيكات.
ويربط خبراء اقتصاد جزءاً من أزمة السيولة والتي تكاد تكون منعدمة لدى نسبة كبيرة من السكان في اليمن، بتوقف رواتب القطاع العام وتقليص شركات ومؤسسات القطاع الخاص أعمالها والذي أدى إلى تسريح عمال وفقدان كثير من الوظائف وفرص العمل.

وبحسب بيانات رسمية، تصل فاتورة الأجور والمرتبات في اليمن إلى حوالي 75 مليار ريال شهرياً (الدولار يساوي نحو 920 ريالاً في السوق السوداء)، منها 50 مليار ريال لموظفي الخدمة المدنية يستفيد منها 1.25 مليون موظف وأسرهم، بينما تبلغ معاشات المتقاعدين 5.4 مليارات ريال شهرياً يستفيد منها 124 ألف متقاعد.
وفي هذا السياق، يؤكد الباحث الاقتصادي جميل الحوشبي أن الأولوية القصوى في اليمن ليست وقف الحرب بل استئناف دفع مرتبات موظفي الدولة بطريقة مستدامة ومتسقة وشفافة، لافتاً في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن قطع رواتب مئات الآلاف من الموظفين المدنيين في ظل أزمة إنسانية متفاقمة لا يعدو أكثر من كونه عقاباً جماعياً يستهدف جميع المواطنين.

المساهمون