تأرجح مؤثر لاحتياطي إسرائيل النقدي: التطبيع الاقتصادي مرشح للتباطؤ

تأرجح مؤثر لاحتياطي إسرائيل النقدي: التطبيع الاقتصادي مرشح للتباطؤ

27 ديسمبر 2023
الشعوب العربية ترفض التطبيع مع دولة الاحتلال (Getty)
+ الخط -

أثار تأرجح احتياطي إسرائيل من النقد الأجنبي بين تراجع حاد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بمقدار 7.3 مليارات دولار، وارتفاع حاد في نوفمبر/تشرين الثاني، بمقدار 7 مليارات دولار، تساؤلات في الأوساط الاقتصادية حول تأثير ذلك على مشروعات التطبيع الاقتصادي المشتركة مع الإمارات والبحرين، خاصة في ظل مؤشرات استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وعدم ظهور أفق لحل سياسي يضع حدا للحرب.

والاحتياطي النقدي الأجنبي، بوصفه مجموعة من العملات الأجنبية والذهب والأصول الأخرى التي يحتفظ بها البنك المركزي للدولة لدعم العملة المحلية وسداد الديون الخارجية، له تأثير على قدرة إسرائيل على تمويل المشروعات الضخمة، ومن شأن تأرجحه أن يتسبب في عدم ثقة الدائنين والمستثمرين في الاقتصاد الإسرائيلي، وفي قدرته على سداد القروض، وهو ما بدا مؤثراً في قدرة إسرائيل على الحصول على التمويلات، لكن دون المساس بقطار التطبيع الاقتصادي مع الدول العربية، وخاصة الإمارات.

وبحسب بيانات بنك إسرائيل المركزي، فإن احتياطيات دولة الاحتلال الأجنبية سجلت 191.2 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول، نزولا من 198.55 مليار دولار في سبتمبر/أيلول، ثم عادت لتسجيل 198.2 مليار دولار في نوفمبر/تشرين الثاني.

والرقم المسجل للاحتياطي النقدي الأجنبي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هو الأدنى في إسرائيل منذ الشهر المماثل من عام 2022، بحسب مسح أجرته وكالة "الأناضول".

ووفق المسح ذاته، فقد استفادت الاحتياطيات الإسرائيلية من عاملين رئيسيين، هما دعم سعر صرف الشيكل، وارتفاع أسعار الأسهم، بحسب بيان البنك، ما قدم مؤشرا إلى تمكن الإدارة المالية الإسرائيلية من مواجهة التحديات المالية "حتى الآن".

وبتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن بنك إسرائيل المركزي ضخ ما يصل إلى 45 مليار دولار بشكل تدريجي، في محاولة لتحقيق استقرار في سعر صرف الشيكل وفي أسواق السندات.

فيما أوردت وكالة "بلومبيرغ" تقريرا، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قدرت فيه كلفة العدوان الذي تشنّه إسرائيل على قطاع غزة بنحو 260 مليون دولار يوميا، وهي الكلفة التي وصفها رئيس البنك المركزي الإسرائيلي أمير يارون بأنها "أكثر من المتوقع، وتمثل صدمة كبيرة للاقتصاد".

غير أن هذا التأرجح والاضطراب في مؤشرات المالية الإسرائيلية لم يسفر عن أي رد فعل بشأن مشروعات التطبيع الاقتصادي المشتركة مع كل من الإمارات والبحرين، بل برزت "تداعيات معاكسة" للحرب في موقف أبوظبي من إعادة إعمار غزة، إذ ربطت سفيرة الإمارات لدى الأمم المتحدة لانا نسيبة مشاركة بلادها في جهود الإعمار بوجود خريطة طريق تدعمها الولايات المتحدة الأميركية، وذلك في تصريحات أوردتها صحيفة "وول ستريت جورنال".

التطبيع الاقتصادي وخيارات صعبة

ويشير الخبير في الاقتصاد السياسي نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن حرب غزة تضع شركاء الاتفاق الإبراهيمي أمام خيارات صعبة، إذ لا تستطيع الدول المطبعة أن تتجاهل الغضب العربي الجماهيري من جرائم العدوان الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه فإنها تسعى للمحافظة على العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية مع الدولة العبرية.

ويضيف أن موقف الإمارات تحديدا يتلخص في أن الحرب والسياسة يجب فصلهما عن مسار التطبيع الاقتصادي، بينما يبدو موقف البحرين منطويا على قدر من التمايز، إذ قامت بتعليق الروابط الاقتصادية مع إسرائيل. وفي كل الأحوال فإن المستقبل طويل المدى لتطبيع الدولتين اقتصاديا مع إسرائيل يعتمد على نتائج وتبعات الحرب، وليس على كلفتها وخسائر البنك المركزي والاقتصاد الإسرائيلي.

وبلغ حجم التجارة البينية بين الإمارات وإسرائيل 2.5 مليار دولار عام 2022، وتتوقع الإمارات رفع حجم هذا التبادل ليصل إلى 10 مليارات دولار بحدود عام 2030. وفي مارس/آذار 2023، تم الإعلان عن توقيع أول اتفاق للتجارة الحرة بينهما، والذي نص على إعفاء 96 من البضائع والسلع من الضرائب أو تخفيضها، وسمح للشركات الإسرائيلية بالمشاركة في المناقصات الحكومية بدولة الإمارات، وهو ما يراه إسماعيل مؤشرا إلى أن أبوظبي اتخذت قرارا استراتيجيا باستمرار التطبيع مع إسرائيل، بصرف النظر عن أي تطور سياسي يتعلق بالقضية الفلسطينية.

وفي الوقت ذاته، يلفت إسماعيل إلى أن وتيرة التطبيع والتعاون الاقتصادي الإسرائيلي مع البحرين لا تزال بطيئة ومحدودة مقارنة بالإمارات، وهي الوتيرة المرشحة للاستمرار في ظل ارتفاع كلفة الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي، والتي قد تبطئ بعض اتفاقات التعاون في مجال الطاقة ومشروعات السكك الحديدية، ومشروع "الممر الاقتصادي" الذي يبدأ من الهند، مرورا بدول الخليج العربي وإسرائيل، وصولا إلى أوروبا.

ويتوقع إسماعيل تأجيل مشروع الممر في ضوء تداعيات حرب غزة، مؤكدا أن إسرائيل هي الخاسر الأكبر حال تدهورت الأوضاع وتم تجميد حالة التطبيع، "فهي بحاجة ماسة لأن تكون جزءا من الاقتصاد الإقليمي، لكن السياسة العدوانية المتهورة أثبتت أن إسرائيل حليف غير موثوق به، ولا يمكن الاعتماد عليه، ما وضع حلفاءها في موقف حرج للغاية"، حسب تقديره.

ويخلص إسماعيل إلى أنه لا توجد أدلة على احتمال قطع الإمارات والبحرين كامل العلاقات مع إسرائيل، ومع ذلك فكل منهما أعلنت، كبقية الدول العربية، أنها تريد إنهاء حالة الحرب، أو فتح ممرات آمنة لدخول المساعدات الإنسانية لغزة على الأقل.

التطبيع الاقتصادي وحالة اللايقين

وبينما يبدي البروفيسور مانويل تراختنبرغ، رئيس معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، توقعات متشائمة بخصوص اقتصاد الدولة العبرية، فقد اعتبر المشروعات ذات الطبيعة الاستراتيجية خارج التأثر بالمؤشرات السلبية، حسبما أورد تقرير نشره موقع "ذا ماركر" الإسرائيلي في 20 ديسمبر/كانون الأول.

ويوضح تراختنبرغ قائلا: "نحن في وضع لم نشهده من قبل، حيث تم تحييد نسبة كبيرة من القوى العاملة بسبب الحرب، وهذا يؤثر على دوائر واسعة من الاقتصاد الإسرائيلي. الحروب السابقة انتهت بسرعة أكبر وكانت النهاية أكيدة، لكننا الآن لا نعرف شيئاً. لا نعرف متى ستنتهي خدمة الاحتياط، ومتى سيعود الأشخاص الذين تم إجلاؤهم إلى منازلهم، ومتى يمكننا إعادة العمال الأجانب، وقد لا يحدث ذلك إلا بعد وقت طويل"، في إشارة إلى تصاعد عدم اليقين الاقتصادي بالدولة العبرية.

وخلص الخبير الإسرائيلي إلى أنه "من الصعب استعادة ثقة المستثمرين في مواجهة عدم اليقين، وهذا يضع علامات استفهام على النمو المستقبلي للاقتصاد".

المساهمون