الوجه القبيح لشروط صندوق النقد الدولي التقشفية

الوجه القبيح لشروط صندوق النقد الدولي التقشفية

05 ابريل 2024
مديرة الصندوق كريستالينا جورجييفا، 24 مارس 2024 (بيردو باردو/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تقارير "هيومن رايتس ووتش" و"أوكسفام" تنتقد السياسات التقشفية لصندوق النقد الدولي، مشيرةً إلى تأثيرها السلبي على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وزيادة الفجوة في المساواة بعد جائحة كوفيد-19.
- تحليل القروض يكشف عن تأثيرات سلبية مثل تجميد التوظيف وتحديد سقف الرواتب، مما يعمق مشكلات الفقر ويقوض الخدمات الحيوية كالصحة والتعليم.
- النقد يتجاوز الجوانب الاقتصادية ليشمل الأبعاد الجيوسياسية، معتبرًا الصندوق أداة لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها، ويدعو إلى تطوير نهج أكثر عدالة يعزز التنمية المستدامة.

تُعدّ منظّمتا "هيومن رايتس ووتش" الأميركية و"أوكسفام" العالمية من أكثر المنظّمات الدولية غير الحكومية التي تنشر غسيل صندوق النقد الدولي الوسخ على تقاريرها، من أجل تنوير الرأي العام والتأثير فيه وإثارته في الأوقات التي تسبق وقوع الحكومات في مصيدة قروض الصندوق المجحفة.

في تقرير جريء لها أصدرته في 25 سبتمبر/ أيلول 2023 تحت عنوان "ضمادة على جرح رصاصة: حدود الإنفاق الاجتماعي لصندوق النقد الدولي وجائحة كوفيد-19" Bandage on a Bullet Wound: IMF Social Spending Floors and the Covid-19 Pandemic، قامت منظّمة "هيومن رايتس ووتش" بتحليل الإجراءات التقشُّفية المصاحبة لـ 38 قرضاً وافق عليها صندوق النقد الدولي خلال الفترة الممتدّة ما بين مارس/ آذار 2020 ومارس/ آذار 2023.

وخلص التحليل إلى أنّ وصفات التقشُّف التي التصقت إجبارياً بقروض الصندوق، التي قُدِّمت في أعقاب تفشِّي جائحة كوفيد-19، أثَّرت بشكل مباشر في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لواحد من كل ثمانية أشخاص، وساهمت بشكل لا لبس فيه في تفاقم عدم المساواة.

اقترن 22 برنامج قرض وافق عليها الصندوق بفرض تدابير لاحتواء وخفض فواتير الأجور في القطاع العام، كتجميد التوظيف، وتحديد سقف للرواتب، أو خفضها

وانتقدت "هيومن رايتس ووتش" التناقض الصارخ لقروض صندوق النقد الدولي التي تدَّعي وتروِّج لمساعدة البلدان على الاستثمار في الخدمات الحيوية، مثل الصحة والتعليم، لكنها تحمل في جعبتها شروطاً تقشُّفية تخنق الإنفاق العام، وتجعل كل ذلك مستحيلاً في الممارسة العملية.

بحسب تقرير هذه المنظّمة، غير الحكومية، اقترن 22 برنامج قرض وافق عليها الصندوق بفرض تدابير لاحتواء وخفض فواتير الأجور في القطاع العام، كتجميد التوظيف، وتحديد سقف للرواتب، أو خفضها، الأمر الذي يشكِّل تعدياً سافراً على حقوق شريحة واسعة من المواطنين.

موقف
التحديثات الحية

من بين 38 قرضاً قدَّمها صندوق النقد الدولي للدول التي استنجدت به، بعدما عصفت بها جائحة كورونا، تضمَّن 23 قرضاً شروطاً صريحة ومباشرة لزيادة الإيرادات من ضرائب القيمة المضافة، الأمر الذي ساهم بشكل مباشر وفوري في تأجيج اللامساواة داخل الدول المدينة، بينما انطوى 20 قرضاً على إنهاء وخفض دعم المحروقات والكهرباء دون الاكتراث باتِّخاذ تدابير تعويضية تنفِّس عن كربة المواطنين البسطاء ومحدودي الدخل الذين يضطرّون لإنفاق حصّة أكبر من دخلهم، هم في أمسّ الحاجة إليها، على الأسعار الجديدة للنقل والسلع والخدمات التي فرضتها إزالة ذلك الدعم الضروري.

واستشهد تقرير "هيومن رايتس ووتش" بمثال الأردن الذي تورَّط بشكل خطير مع قروض الصندوق منذ عام 2012 ولم يجن مقابل ذلك سوى ارتفاع نسبة الدّين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وتفاقم معدلات الفقر من 15 إلى 24 في المائة بين عامي 2018 و2022.

وحتى التقرير الصادر عن الحكومة الأردنية تحت عنوان "الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية: 2019-2025" اعترف بانخفاض الاستثمار في المساعدات الاجتماعية بين عامي 2011 و2017 بعدما انصاعت الحكومة لشروط الصندوق وأنهت الدعم، الأمر الذي يشكِّل لقاءً مفضوحاً بين شعارات الصندوق الرنّانة ومخلَّفاته الشائنة.

تضمَّن 23 قرضاً شروطاً صريحة ومباشرة لزيادة الإيرادات من ضرائب القيمة المضافة، الأمر الذي ساهم بشكل مباشر وفوري في تأجيج اللامساواة

بدورها، لم تدخِّر منظّمة "أوكسفام" الدولية جهداً لتعرية حقيقة تدابير التقشُّف التي يفرضها صندوق النقد الدولي على كل من يطرق بابه ويستغيث به، وأكَّدت في تقرير لها نشرته في 13 إبريل/ نيسان 2023 تحت عنوان "حدود الإنفاق الاجتماعي لصندوق النقد الدولي: هل هي ورقة توت لإخفاء التقشُّف؟" IMF Social Spending Floors: A fig leaf for austerity? أنّ حدود الإنفاق الاجتماعي التي وضعها الصندوق لمساعدة الحكومات المقترضة على حماية الحدّ الأدنى من الإنفاق الاجتماعي أثبتت بجدارة عجزها عن تخفيف حدّة آثار تدابير التقشُّف الصارمة، وأنّها لا تعدو كونها مجرّد ورقة توت غير مجدية لإخفاء عورة سياسات التقشُّف التي تطالب الحكومات بخفض ميزانياتها واقتطاع مليارات الدولارات من الإنفاق الحكومي.

ووضع هذا التقرير صندوق النقد الدولي أمام تناقضه المخيِّب للآمال، والمتمثِّل في حثّ البلدان على إعادة البناء بشكل أفضل بعد الوباء، من خلال الاستثمار في الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم، وفرض التدابير التقشُّفية التي تلتهم الإنفاق الاجتماعي.

كما أفاد تقرير منظمة "أوكسفام" الدولية، الذي سلَّط الضوء تحديداً على برامج قروض صندوق النقد الدولي المتَّفق عليها مع 17 دولة منخفضة ومتوسّطة الدخل في عامي 2020 و2021، بأنّ أغلب هذه البلدان عجزت عن تلبية الحدّ الأدنى من الإنفاق الاجتماعي الذي أوصى به الصندوق، بينما نفَّذت 85 بالمائة من أهداف التقشُّف التي سطَّرها ذلك الصندوق خوفاً من تأخير شرائح قروضها.

صندوق النقد الدولي نفسه بات يعلم أنّ الكل يعرف عدم فعالية سياساته التقشُّفية في خفض الديون وتجاوز الأزمة التي تمثِّل أهدافاً معلنة لا مبطنة لمنح القروض، ونتيجة لذلك أصبح ينشر من حين لآخر أبحاثاً داخلية تنمّ عن فشل إحدى سياساته في تحقيق الهدف المعلن وتبرِّر، بشكل غير مباشر، البؤس العمدي الذي أحدثته سياساته في الدول المتعثِّرة مالياً التي لجأت إليه.

فعلى سبيل المثال أكَّد تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي: تعافٍ متأرجح" الصادر عن الصندوق في إبريل/ نيسان 2023 وتحديداً فصله الثالث المعنون بـ "النزول إلى أرض الواقع: كيف نعالج تصاعد الدين العام" بوضوح أنّ ضبط أوضاع المالية العامة من خلال التقشُّف والزيادات الضريبية وخفض الإنفاق العام لم تُمكِّن من خفض نسبة الدين العام من إجمالي الناتج المحلي في عيِّنة مؤلَّفة من 14 اقتصاداً ناشئاً خلال الفترة الممتدّة من 1989 إلى 2020.

غالبية البلدان المقترضة من الصندوق عجزت عن تلبية الحدّ الأدنى من الإنفاق الاجتماعي الذي أوصى به، بينما نفَذت 85% من الأهداف التقشُّفية

في هذا التقرير تحديداً نجد الصندوق يؤكِّد بشكل صريح أنّ جهود إعادة هيكلة الديون تكون أكثر نجاحاً عند اتِّباع مسار استعادة النمو، وتجنُّب كل ما يؤدِّي إلى التدهور الاقتصادي، لكنّه يقول ما لا يفعل، ويعلن ما لا يبطن، وانتعاش مفاوضاته مع مصر في ظلّ العدوان الإسرائيلي الجائر على غزة خير دليل على ذلك.

خلاصة القول، لم يعد خافياً خلط صندوق النقد الدولي أوراق القروض مع أوراق المصالح الجيوسياسية للولايات المتّحدة وحليفتها إسرائيل، والتدابير التقشُّفية التي تفرضها هذه المنظمة الدولية ذات المآرب الجهنمية ما هي إلا أداة لتركيع الدول التي لجأت إليه، بعد أن أنهكتها الديون، وباتت ملاحقة من قبل شبح الإفلاس.

المساهمون