الأزمات تطيح الاتساق في أداء كبرى العملات في العالم

الأزمات تطيح الاتساق في أداء كبرى العملات في العالم

28 يونيو 2023
تحركات متباينة للعملات الكبرى أمام الدولار في عصر تشديد السياسات النقدية (Getty)
+ الخط -

نادراً ما كانت كبرى العملات العالمية تتبع مسارات مختلفة عمّا قبل، لكن الين الياباني واليوان الصيني تراجعا مقابل الدولار، بينما ارتفع اليورو والجنيه الإسترليني خلال الفترة الأخيرة.

ومع تباين توقعات تتعلق بالسياسات الاقتصادية والنقدية، زاد غياب الاتساق في تحرك العملات، ما جعل سوق تداول العملات العالمية، التي تبلغ قيمتها 7.5 تريليونات دولار يومياً، أكثر تقلباً وأصعب في التنبؤ بها، في وقت تعمل فيه بعد جائحة كوفيد-19 وفي أثناء الحرب في أوكرانيا وفي ظل أزمة طاقة.

وقال جوردان روتشستر، المحلل الاستراتيجي لسوق الصرف في "نومورا": "كان المعتاد أنه إذا علمت اتجاه اليورو والدولار بشكل صحيح، فلديك فرصة جيدة لتوقع كل شيء آخر بشكل صحيح، لكن الأمر الآن أصبح أصعب قليلاً... عليك أن تقوم بأداء واجبك، والفروق بين العملات تتسع".

وانخفض اليورو في العام الماضي وحده إلى أدنى مستوى في 20 عاماً مقابل الدولار، وهوى الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى على الإطلاق، وتراجع الين إلى أدنى مستوى في 32 عاماً، غير أن الدولار شهد زيادة حادة بسبب رفع كبير لأسعار الفائدة الأميركية للسيطرة على التضخم، وهو ما لم تبدأ بنوك مركزية كبرى أخرى بتنفيذه بذات السرعة.

وخالف بنك اليابان (المركزي) التوقعات بأنه سيغير سياسته النقدية بالغة التيسير في مطلع 2023، ما أدى إلى انخفاض الين الياباني 9% حتى الآن هذا العام، بما أضاف إلى تراجعه 12% في 2022. وأدى ذلك إلى زيادة احتمال التدخل لدعم العملة.

ومن المتوقع أيضاً زيادة انخفاض اليوان، الذي يُتداوَل قرب أدنى مستوى في سبعة أشهر، وكذلك الحال بالنسبة إلى عملات آسيوية أخرى أصغر.

وفي تلك الأثناء ارتفع اليورو 2.5% هذا الشهر مقابل الدولار، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر في ظل اتباع المركزي الأوروبي لسياسة تشديد نقدي. كذلك صعد الجنيه الإسترليني بأكثر من 5% حتى الآن هذا العام، ما يجعله يتجه لتحقيق أكبر صعود في عام منذ 2017.

مسارات مختلفة في 2023

وقال روتشستر إن "نومورا" تتوقع تحرك اليورو إلى 1.12 مقابل الدولار خلال الأشهر المقبلة، ما يعني زيادته بنسبة 2% أخرى من 1.095 مقابل الدولار الآن، وتتوقع أن ينخفض اليوان إلى 7.30 مقابل 7.2 أمام الدولار الآن.

وانخفض اليوان 5% تقريباً هذا العام، متأثراً بضعف الاقتصاد والفجوة الواسعة في أسعار الفائدة مع الولايات المتحدة.

وحددت السلطات الصينية هذا الأسبوع نطاق تداول أقوى من المتوقع للعملة، في إشارة إلى أن بكين لا تشعر بارتياح تجاه انخفاض اليوان السريع.

وقال لي هاردمان، محلل سوق الصرف لدى شركة "ميتسوبيشي يو.إف.جي" للخدمات المالية، إن انتعاش الدولار مقابل العملات الآسيوية يعكس تحولاً في مسار تداول كان قائماً في أواخر العام الماضي مع إعادة فتح الاقتصاد الصيني، وذلك بعدما تزايد التشاؤم إزاء توقعات النمو هناك.

وقال: "لكن أداء الدولار ليس بذات القوة أمام عملات أخرى، فهو مستمر في التراجع أمام بعض العملات الأوروبية، وكذلك عملات أميركا اللاتينية".

لكنه أشار إلى أن اتجاه تقلبات السوق نحو التباطؤ مقارنة بالسنوات الماضية سيؤدي إلى زيادة تركيز المستثمرين على تداولات الترجيح، سعياً لربح باستغلال الفروق في أسعار الفائدة وتباين السياسات النقدية بين البنوك المركزية.

أزمة متعددة المستويات

ويرى كيت جوكس، رئيس استراتيجية العملات في سوسيتيه جنرال، أن التركيز على اختلافات السياسة النقدية جاء أيضاً نتيجة الضبابية في مجالات أخرى.

وقال: "ما يدهشني في أسواق العملات حالياً أنها أكثر حساسية لأسعار الفائدة على المدى القصير مما يمكنني أن أتذكره".

وأضاف جوكس: "لأننا متحيرون للغاية بشأن الكثير من الأمور في ظل تلك الدورات الاقتصادية غير المعتادة على الإطلاق، فنحن سنركز فقط على طبيعة الخطوة المقبلة لسياسة بنك مركزي".

وهذه ليست بالأنباء الجيدة للين القريب من أدنى مستوى في سبعة أشهر مقابل الدولار وأدنى مستوى في 15 عاماً مقابل اليورو، مع تمسك بنك اليابان بقوة بسياسته النقدية بالغة التيسير.

وفي دول الشمال الأوروبي، تتعرض الكرونة النرويجية للضغط، وتضر مشاكل العقارات وضعف الاقتصاد بالكرونة السويدية، التي سجلت الأسبوع الماضي مستوى قياسياً منخفضاً مقابل اليورو، وسط شعور بأن أسعار الفائدة في البلاد لا يمكن أن تزيد كثيراً على مستواها الحالي.

ويعتقد مورجان ستانلي أن هناك احتمال أن يعلن المركزي السويدي زيادة كبيرة لسعر الفائدة في اجتماع غد الخميس، أو أن يلمح إلى المزيد من الزيادات لأسعار الفائدة في المستقبل للمساعدة في دعم العملة.

لكن بالنظر إلى ما شهده العالم في السنوات القليلة الماضية، فقد لا يكون مفاجئاً أن نرى أسواق العملات تتحرك بشكل غير معتاد بعض الشيء.

وقال جوكس من سوسيتيه جنرال: "شهدنا مزيجاً من جائحة لا تحدث إلا مرة كل مئة عام، وحرب لا تنشب مثلها إلا مرة كل 75 عاماً، وأزمة طاقة لا تقع إلا مرة كل 25 عاماً... يجب أن يكون عمرك 120 عاماً مثلاً ليتسنى لك استيعاب أمر كهذا".

(رويترز)

المساهمون