إيران و"بريكس": رهان رسمي ومشككون في حجم الفائدة

إيران و"بريكس": رهان رسمي ومشككون في حجم الفائدة

30 اغسطس 2023
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مع نظيره الجنوب أفريقي رامافوزا بقمة "بريكس" (Getty)
+ الخط -

إيران كانت واحدة من ست دول (السعودية ومصر والإمارات والأرجنتين وإثيوبيا) وافقت القمة الـ15 لتحالف بريكس، التي استضافتها جنوب أفريقيا في الفترة بين 22 و24 أغسطس/آب الجاري على انخراطها في المجموعة. إيران كانت أكثر من الدول الخمس الأخرى ترحابا بقبول عضويتها، استقبلتها بحفاوة بالغة وتبادل التهاني بين المسؤولين الحكوميين على تحقيق "هذا الإنجاز"، معولة على بريكس وأعضائها كاقتصادات ناشئة في التصدي للسياسات الأميركية الأحادية والتأسيس لنظام عالمي بديل ينهي هيمنة الدولار على الاقتصاد الدولي.

يأتي هذا التركيز والتعويل الإيرانيان انطلاقا من صراع طهران الطويل مع الغرب والولايات المتحدة، وكذلك لأن إيران تعيش اليوم نتيجة لهذا الصراع حالة اقتصادية خاصة تميزها عن الأعضاء الخمسة الجدد الآخرين، لكونها تتعرض لعقوبات أميركية مشددة وقاسية منذ عام 2018 إثر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي. بالتالي تنظر طهران إلى انضمامها إلى المجموعات الدولية كمتنفس ومخرج لمواجهة الضغوط الاقتصادية والعقوبات الأميركية في إطار استراتيجية إفشال مفاعيل هذه العقوبات على وقع تعثر المفاوضات النووية الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات منذ سبتمبر/أيلول 2022.

بعد انخراطها الكامل في منظمة "شنغهاي للتعاون" في وقت سابق من العام الجاري، تتطلع إيران اليوم إلى العضوية في مجموعة بريكس من مطلع 2024 فصاعدا على أمل الحصول على امتيازاتها ومنافعها لدعم اقتصادها المتأزم وكطريق للالتفاف على العقوبات الأميركية.
غير أن هناك من له رأي آخر داخل إيران يختلف عن وجهة نظر الحكومة وأنصارها.

حيث يقلل أصحاب هذا الرأي من أهمية عضوية إيران في بريكس لتعارض المصالح بين بعض أعضائها وخاصة الصين والهند وافتقارها إلى هيكلية رصينة وارتباط مصالح بعض أعضائها مع الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة، ولذا يستبعد هؤلاء أن تشكل المجموعة منصة تدعم إيران في مواجهة تلك العقوبات الغربية.

لكن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أكد في مؤتمر صحافي الثلاثاء الماضي أن بريكس وشنغهاي تعملان على التصدي للأحادية الأميركية في العالم، مضيفا أن انضمام بلاده إلى هاتين المجموعتين يساعدها في مواجهة الضغوط والعقوبات الأميركية وتطوير اقتصادها.

مزايا جمة

في السياق، يرى الخبير الاقتصادي الإيراني، أحمد صالحي في حديث مع "العربي الجديد" أن أول مزايا انضمام إيران إلى بريكس هو فرصة "تشكل تعامل جاد بين إيران والقوى الاقتصادية الناشئة في مجالات تطوير التجارة والبنى التحتية البنكية والنقلية والخدماتية".

ويقول صالحي، وهو عضو مجمع رواد الأعمال الإيراني، إن إطلاق هذا التعامل بين إيران والقوى الاقتصادية الناشئة كان بحاجة إلى "اتفاق سياسي قد حصل" بعد الموافقة على انضمامها إلى بريكس و"في المرحلة القادمة يحتاج الأمر في المستويات المتوسطة لإنشاء البنى التحتية للتعاون".

كما أن انخراط إيران وروسيا والسعودية في وقت واحد في بريكس باعتبار هذه الدول كبار منتجي ومصدري الطاقة في العالم سيعزز "تنسيق السياسات الطاقوية بين هذه الدول بشكل أدق من قبل"، حسب الخبير صالحي، الذي لا ينكر وجود تنافس بين هذه الدول المنتجة للطاقة، لكنه يؤكد أن هذا التنافس على عكس ما كان يعتقده البعض لم يتحول إلى "عداء" فتحول إلى مجال للتعاون، عكسه إنشاء منظمة أوبك وذلك بغية تحقيق الحد الأقصى للمنافع والمصالح للدول المنتجة للنفط.

في السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي الإيراني لـ"العربي الجديد" أن وجود الدول الثلاث الكبار المنتجة للنفط في مجموعة بريكس إلى جانب المستهلكين الكبار فيها مثل الصين والهند والبرازيل، يشكل فرصا لتحقيق المزيد من التعاون بين المنتجين والمستهلكين للطاقة في العالم وتنسيق السياسات بين الطرفين.

تعزيز الممرات الدولية

كما أن انخراط إيران في بريكس، حسب صالحي، يعزز موقع ممري الشرق ـ الغرب والشمال ـ الجنوب في السياسة الدولية، لكون انخراط الدول الرئيسة في الممرين في مجموعة بريكس، حيث إن إيران والهند وروسيا كثلاث دول أساسية في ممر الشمال الجنوب، وكذلك الصين وإيران باعتبارهما البلدين الأساسيين في ممر الشرق الغرب هي أعضاء في بريكس. وعليه، يؤكد صالحي أن انخراط تلك الدول في بريكس يزيد من أهمية دور تلك الممرات الدولية وفرص تقويتها والمضي قدما في تطويرها.

إلى ذلك أيضا، فانخراط إيران في بريكس يزيد من فرص وإمكانية التعامل الثنائي بينها وبين الدول الأعضاء في المجموعة على حد سواء، بين إيران والصين، إيران وروسيا، إيران والسعودية، كما يقول الخبير صالحي، الذي يقول إن أهم هذا التعامل سيكون في مجال بناء البنى التحتية لنظام المدفوعات والنظام المالي واللوجيستي.

ويشير في السياق إلى أن هذه الأنظمة المالية ستؤسس لنظام مدفوعات مشترك بديل في العالم باتجاه إنهاء هيمنة الدولار، قائلا إنه على سبيل المثال فإن إيران في علاقاتها التجارية مع الصين لديها فائض في الصين، لا تحتاج إلى أن تشتري به سلعا صينية، لكنها بحاجة مثلا إلى استيراد القمح من روسيا، فمن خلال إنشاء نظام مدفوعات مشترك في بريكس، ستتمكن إيران من شراء القمح الروسي بفائضها المالي الموجود في الصين.

توقعات منخفضة

في المقابل، يرى الخبير المالي الإيراني، إيرج يوسفي في حديث مع "العربي الجديد" أن اجتماع الاقتصادات الناشئة في بريكس التي معظمها أعضاء أيضا في منظمة شانغهاي للتعاون وانخراط إيران في المجموعة، "موضوع اقتصادي مهم"، لكنه يخفض سقف التوقعات بشأن إمكانية إنشاء نظام مالي بديل عن الدولار في التعاملات التجارية.

وفي السياق، يقول يوسفي إن العالم لم يسبق أن يخوض من قبل تجربة تجارة غير دولارية مشتركة من خلال تأسيس مجموعة تعرف اليوم باسم بريكس، مضيفا أن ما حصل حتى اليوم هو استخدام العملات في التجارة الثنائية بين بعض الدول مثلا بين تركيا والهند أو الصين والهند.

ويرى يوسفي أن تجربة بريكس "ستكون جيدة خلال السنوات المقبلة، لكنها اليوم لا تبدو أنها ستنفع كثيرا في ظل وجود قوانين دولية على أساس الدولار في التجارة ومقايضة العملات بالدولار، وهذا ما سيشكل تحديا أمام بريكس".

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

يضيف الخبير الإيراني أن "بريكس ستبدأ نشاطها وستكون هناك تبادلات تجارية بين أعضائها، لكن على المدى البعيد لن تكون لها مكانة مهمة في التجارة الدولية"، مشيرا إلى أن إيران اليوم تستخدم في تجارتها الخارجية العملات الرقمية التي قال إنها "أكثر أمانا وقوة من التجارة عبر بريكس" التي قال إنها تواجه تحدي العقوبات الأميركية حيث عدد من أعضائها (إيران وروسيا) يواجه هذه العقوبات.

كما أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة المسيطر على الاقتصاد الدولي ويعود له الدولار واليورو باعتبارهما قاعدة نقدية عالمية، لن يبقى مكتوفت الأيدي وسيبدي ردود فعل تجاه مساعي بريكس للالتفاف على هذا المسار المالي الدولي.

وفي السياق، يلفت الخبير الإيراني إيرج يوسفي في حديث مع "العربي الجديد" إلى تجارب اقتصادية مثل أوبك أو منظمة التجارة الحرة أس آن، ليقول إن تلك التجارب "لم تحقق نجاحات دولية"، معتبرا أنه إن كان هناك ثمة نجاح فهو على مستوى إقليمي وليس دولي.

أما الانتفاع من الاقتصاد الدولي فيستدعي وفق يوسفي وجود العلاقة الاقتصادية مع جميع دول العالم الذي تأتي في مقدمته أميركا، "لكن اذا ما اردنا العلاقة مع دولة مثل أميركا فعلى الأقل ينبغي أن تكون هناك رؤية سياسية للانطباق والتناغم مع الواقع الدولي".

كذلك يعتقد الخبير الاقتصادي الإيراني أنه مع دول مثل روسيا التي تواجه تذبذبات اقتصادية ومشاكل خاصة "ليس هناك متسع من المجال لتحقيق الأهداف"، مضيفا أنه "ليس معقولا ترك الاقتصادات الكبرى المؤسسة على أساس الدولار واليورو واللجوء إلى اقتصاديات بقواعد نقدية ضعيفة".

إلا أن إيران لها وضع مختلف، حسب يوسفي، الذي يقول إنه ناتج عن المشاكل والمعضلات الاقتصادية التي تواجهها والتي تفرض عليها البحث عن أي متنفس عسى أن تساعدها في الالتفاف على العقوبات الأميركية.

المساهمون