أوجاع السوريين الاقتصادية تتراكم.. ارتفاع الأسعار وتراجع المساعدات

أوجاع السوريين الاقتصادية تتراكم.. ارتفاع الأسعار وتراجع المساعدات

08 مايو 2022
ارتفعت أسعار الغذاء وتقلصت المساعدات فاضطرت الأسر لتخفيض وجباتها (الأناضول)
+ الخط -

بالكاد تغادر أم خالد الخيمة التي تعيش فيها شمال غربي سورية، وتقول إنها لا تهتم بالأخبار، لكنها تعلم أن أحد الأسباب التي تجعل الأمور صعبة أكثر فأكثر لإطعام نفسها وأطفالها يتمثل في حرب أوكرانيا.

قالت المرأة البالغة من العمر 40 عاماً، التي تقيم في مخيم للنازحين في آخر جيب تسيطر عليه المعارضة في سورية على مدى السنوات الست الماضية، منذ فرارها من هجوم للنظام، إن "الأسعار آخذة في الارتفاع، وهذا ما يحدث لنا منذ بدء الحرب في أوكرانيا".

يكتظ جيب المعارضة في محافظة إدلب بشمال غربي سورية بنحو 4 ملايين شخص، معظمهم فروا إلى هناك من أماكن أخرى بالبلاد. ويعتمد معظمهم على المساعدات الدولية للبقاء على قيد الحياة، في كل شيء، من الغذاء والمأوى إلى الرعاية الطبية والتعليم.

وبسبب ارتفاع الأسعار، تقوم بعض منظمات الإغاثة بتقليص مساعداتها الغذائية، إذ بدأ أكبر مزود، وهو برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، هذا الأسبوع، خفض حجم الحصص الشهرية التي يقدمها إلى 1.35 مليون شخص في المنطقة.

خلقت أزمة أوكرانيا أيضاً مجموعة جديدة كاملة من اللاجئين، وسارعت الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى مساعدة أكثر من 5.5 ملايين أوكراني فروا إلى البلدان المجاورة، بالإضافة إلى أكثر من 7 ملايين نازح داخل حدود أوكرانيا.

مؤتمر المانحين في بروكسل

وتأمل منظمات الإغاثة في لفت انتباه العالم من جديد إلى سورية في مؤتمر للمانحين يستمر يومين للمساعدات الإنسانية للسوريين ويبدأ الإثنين، في بروكسل وتستضيفه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

بدأ برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، هذا الأسبوع خفض حجم الحصص الشهرية التي يقدمها إلى 1.35 مليون شخص في المنطقة

ويوجه التمويل أيضاً لمساعدة 5.7 ملايين لاجئ سوري يعيشون في البلدان المجاورة، خاصة تركيا ولبنان والأردن.

العام الماضي، تعهد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى بتقديم 6.4 مليارات دولار لمساعدة السوريين والدول المجاورة التي تستضيف اللاجئين، لكن ذلك كان أقل بكثير من 10 مليارات دولار سعت إليها الأمم المتحدة، وكان التأثير ملموساً على الأرض.

في إدلب، فقدت 10 من مراكزها الطبية الخمسين التمويل في عام 2022، ما أجبرها على خفض الخدمات بشكل كبير، حسبما قالت منظمة العفو الدولية في تقرير صدر الخميس.

في جميع أنحاء سورية، اضطر المواطنون إلى تناول كميات أقل من الطعام، بحسب المجلس النرويجي للاجئين، والذي أجرى مسحاً على عدة مئات من الأسر في جميع أنحاء البلاد، ووجد أن 87 بالمائة يستغنون عن وجبات طعام لتغطية تكاليف المعيشة الأخرى.

في هذا الصدد، قال كارستن هانسن، المدير الإقليمي للشرق الأوسط في المجلس النرويجي للاجئين، في تقرير صدر الخميس: "بينما تتطلب الأزمة الإنسانية في أوكرانيا اهتمام العالم، يجب على المانحين والحكومات الذين يجتمعون في بروكسل ألا ينسوا التزامهم تجاه سورية".

أم خالد من الذين يعتمدون على المعونات الغذائية. ومع تخفيض حصص المساعدة التي حصلت عليها انغمست في الديون لإطعام أسرتها، التي تعيش على وجبتين في اليوم، وجبة إفطار صغيرة ووجبة رئيسية في وقت متأخر من بعد الظهر تقدم كغداء وعشاء. ودخلها الوحيد هو قطف الزيتون لبضعة أسابيع في السنة، ما يكسبها 20 ليرة تركية (1.35 دولار) في اليوم.

87 بالمائة من السوريين يستغنون عن وجبات طعام لتغطية تكاليف المعيشة الأخرى

وقالت أم خالد، عبر الهاتف من المخيم: "كنا نحصل على ما يكفي من الأرز والبرغل والعدس وغيرها.. الآن يواصلون تقليصها".

تعيش أم خالد، التي طلبت عدم ذكر اسمها، مع ابنتيها اللتين تبلغان من العمر ستة أعوام و16 عاماً، وابنها البالغ من العمر 12 عاماً، الذي أصيب بجروح في الرأس والذراع في الضربة التي قتلت شقيقه ووالده.

ارتفاع الأسعار وتقليص الحصص

ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية في شمال غربي سورية بالفعل بنسبة تتراوح بين 22 بالمائة و67 بالمائة منذ بدء الصراع في أوكرانيا، وفقاً للمنظمة الخيرية ميرسي كوربس (فيلق الرحمة). وهناك نقص في زيت دوار الشمس والسكر والدقيق.

تقدم ميرسي كوربس مساعدة نقدية للسوريين النازحين لشراء الطعام والاحتياجات الأخرى، وتقول إنه ليس لديها خطط لتقليل المبلغ.

وقالت المديرة القُطرية للمنظمة في سورية، كيرين بارنز: "حتى قبل الحرب في أوكرانيا، كان لا يمكن تحمل تكلفة الخبز بالفعل".

الغالبية العظمى من القمح الذي يتم إدخاله إلى شمال غربي سورية من أصل أوكراني، ولا تنتج المنطقة ما يكفي من القمح لاحتياجاتها الخاصة.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

من جانبها، قالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي عبير عطيفة إن "العالم يشهد عاماً من الجوع الكارثي مع وجود فجوة هائلة بين الموارد واحتياجات ملايين الأشخاص حول العالم".

وأضافت عبير أن برنامج الأغذية العالمي يعمل في كثير من عملياته حول العالم على تقليص حجم الحصص الغذائية التي يقدمها، وابتداء من هذا الشهر في شمال غربي سورية، ستنخفض المساعدات الغذائية إلى 1177 سعرة حرارية في اليوم مقارنة بما قيمته 1340 سعرة حرارية في السابق.

في السياق ذاته، قالت عبير إن ارتفاع الأسعار أدى إلى زيادة تكلفة المساعدة الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي بنسبة 51 بالمائة منذ عام 2019، ومن المرجح أن ترتفع هذه التكلفة أكثر مع تأثير الأزمة الأوكرانية.

وفي وقت سابق من العام الجاري، قبل اندلاع الصراع في أوكرانيا، دفعت قفزة بنسبة 29 بالمائة في التكاليف وكالة المساعدات التشيكية بيبولز إن نييد (أشخاص معوزون) إلى التحول من تقديم الطرود الغذائية إلى تقديم قسائم الطعام التي تبلغ قيمت الواحدة منها 60 دولاراً، لشراء طعام أقل من المستوى المستهدف للوكالة، لكن كان عليها اتخاذ الخطوة "لتعظيم تغطيتها للمساعدات الغذائية للفئات الأكثر ضعفاً"، كما قال متحدث باسم الوكالة لـ"أسوشييتدبرس".

وفي حين يتحوّل العالم إلى صراعات أخرى، حذرت جويس مسويا، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أواخر إبريل/ نيسان الماضي، من أن "سورية على وشك أن تصبح أزمة منسية أخرى".

ارتفاع الأسعار أدى إلى زيادة تكلفة المساعدة الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي بنسبة 51 بالمائة منذ عام 2019 ، ومن المرجح أن ترتفع هذه التكلفة أكثر مع تأثير الأزمة الأوكرانية

وقالت مسويا إنه في شمال غربي سورية "يوجد عدد مذهل من الأشخاص البالغ عددهم 4.1 ملايين شخص" يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، ليس فقط الغذاء، ولكن أيضاً الأدوية والأغطية واللوازم المدرسية والمأوى.

وأضافت أن ما يقرب من مليون شخص في المنطقة، معظمهم من النساء والأطفال، يعيشون في خيام.

ويخشى كثيرون أن يزداد الوضع سوءاً في يوليو/ تموز المقبل، لأن روسيا قد تفرض إيصال المساعدات الدولية إلى شمال غربي سورية عبر مناطق سورية خاضعة لسيطرة حليفها الرئيس بشار الأسد.

وحالياً، تدخل المساعدات إلى جيب إدلب مباشرة من تركيا عبر معبر حدودي واحد هو باب الهوى. وينتهي تفويض الأمم المتحدة الذي يسمح بتسليم البضائع عبر باب الهوى في 9 يوليو/ تموز. وكانت روسيا قد لمّحت إلى أنها ستستخدم حق النقض (فيتو) ضد قرار مجلس الأمن الدولي بتجديد التفويض.

ومن شأن أي فيتو روسي أن يمنح الأسد سيطرة فعالة على تدفق المساعدات إلى جيب المعارضة. وقد حذرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في وقت سابق من أنهما سيوقفان التمويل في هذه الحالة.

وفي السياق، حذر المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في تقرير من أن النتيجة ستكون أزمة إنسانية حادة، من المحتمل أن تؤدي إلى تدفق جديد من المهاجرين السوريين إلى تركيا وأوروبا.

وإلى هذا، قالت أم خالد إنها ليس لديها خيار سوى تحمل ظروف معيشتها المتدهورة، وأضافت "يواصلون تقليل سلة طعامنا.. أدعو الله أن يحمينا إذا قطعوها بالكامل".

(أسوشييتدبرس)

المساهمون