آفاق غامضة لاقتصاد روسيا وعملتها في ذكرى حرب أوكرانيا

آفاق غامضة لاقتصاد روسيا وعملتها في ذكرى حرب أوكرانيا

24 فبراير 2023
محل صرافة في موسكو (Getty)
+ الخط -

منذ بدء الحرب الروسية المباشرة على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، يعيش الاقتصاد الروسي تحت وطأة عقوبات غربية غير مسبوقة فرضتها عليه نحو 40 دولة وصلت إلى حد تجميد احتياطات المصرف المركزي بقيمة تفوق 300 مليار دولار، ووقف حركة الطيران مع روسيا، وقطع عدد من المصارف الكبرى عن منظومة "سويفت" للتحويلات المالية العالمية، وصولا إلى الاستغناء التدريجي عن موارد الطاقة.

ومع ذلك، يبدو الوضع الاقتصادي في روسيافي روسيا مستقرا، وسط صمود العملة الروسية عند مستوى الـ75 روبلا للدولار، وهو نفس مستواها تقريبا عند بدء أعمال القتال، وحتى تعافيها إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2015 في بعض الفترات من العام الماضي، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعا بنسبة 2% فقط في 2022، وهو أداء فاق كافة التوقعات الغربية وحتى الروسية.

ومن العوامل التي ساعدت الاقتصاد الروسي على الصمود في وجه العقوبات، على عكس حالتي إيران وكوريا الشمالية، عدم خضوع موسكو لأي عقوبات دولية في ظل استحالة تمريرها عبر مجلس الأمن على ضوء حق النقض (الفيتو) الروسي والصيني، مما ترك المجال مفتوحا على مصراعيه لتعزيز التعاون بين روسيا من جانب، والدول الآسيوية والعربية والأفريقية وتركيا من جانب آخر.

وتركز الشق الاقتصادي من الرسالة السنوية إلى البرلمان الروسي التي وجهها الرئيس، فلاديمير بوتين، عشية حلول الذكرى الأولى للحرب، على طمأنة المواطنين الروس على وضع اقتصاد بلادهم، كاشفا أن روسيا خصصت أكثر من تريليون روبل (13 مليار دولار تقريبا) لدعم الاقتصاد على خلفية العقوبات الغربية.

من جانب آخر، ثمة توقعات أن تزيد العقوبات من متاعب الاقتصاد الروسي على المدى الطويل، لا سيما بعد خسارتها حصتها بسوق الطاقة الأوروبية على إثر فرض الاتحاد الأوروبي حظرا على النفط الروسي المنقول بحرا في نهاية العام الماضي، ليتوسع ويشمل منتجات النفط الروسية في فبراير/شباط الجاري.

ويتوقع مدير مركز بحوث مجتمع ما بعد الصناعية، فلاديسلاف إنوزيمتسيف، أن يزداد مفعول العقوبات على الاقتصاد الروسي شهرا بعد شهر، دون أن يثني ذلك موسكو عن مواصلة حربها على أوكرانيا.

ويقول إنوزيمتسيف لـ"العربي الجديد": "لا تلحق العقوبات ضربة وقت الإعلان عنها، وإنما بعد فترة لا تقل عن نصف عام على دخولها حيز التنفيذ، وسيأتي مفعولها الحقيقي بحلول نهاية عام 2023".

ومع ذلك، يستبعد أن تؤدي العقوبات إلى وقف الحرب في أوكرانيا، مضيفا: "لن تغير العقوبات سياسات بوتين، لأنه حتى في حال نفاد الأموال، فإن نفقات الحرب ضمن الميزانية الروسية محصنة".

وفي سوق الصرف ومنذ نهاية 2022، عاد الروبل إلى التراجع ووصل سعر الدولار إلى أعلى مستويات منذ أبريل/نيسان الماضي، وسط قناعة الخبراء الماليين بأن ذلك ليس ظاهرة مؤقتة، بل توجه طويل الأجل.

ويعتبر كبير المحللين في مجموعة "تيلي تريد" للتداول، مارك غويخمان، أن العملة الروسية أصبحت رهينة لمجموعة من العوامل السلبية المتراكمة، متوقعا استقرار الدولار عند مستوى يفوق الـ75 روبلا في الفترة المقبلة.

ويقول غويخمان لـ"العربي الجديد": "يواجه الروبل مجموعة من العوامل السلبية تراكمت على مدى عدة أشهر، ومن بينها البيانات حول الزيادة القياسية لعجز الموازنة في يناير/كانون الثاني الماضي، على ضوء انخفاض إيرادات الخزانة بنسبة 35% نتيجة لتراجع عوائد النفط والغاز بنسبة 46% مقابل ارتفاع النفقات بنسبة 59% مقارنة مع يناير/كانون الثاني 2022".

ويلفت إلى أن الحظر الأوروبي على منتجات النفط الروسية زاد من متاعب الاقتصاد الروسي، مضيفا: "على عكس النفط الذي يمكنه إعادة توجيهه شرقا إلى الصين والهند وغيرهما من الدول الآسيوية بدلا من الاتحاد الأوروبي، من الصعب القيام بالفعل ذاته مع الوقود والديزل، نظرا لامتلاك تلك الدول مصافيَ تغنيها عن ضرورة استيراد مثل هذه المنتجات".

ويشير إلى مجموعة من العوامل الخارجية تزيد من الضغوط على الروبل، قائلا: "من المنتظر أن يتم فرض مزيد من العقوبات على روسيا، كما أن الدولار في حد ذاته يعزز مواقعه في السوق العالمية، وسط ترقب استمرار الاحتياطي الفيدرالي رفع سعر الفائدة، مما يساهم في صعود الدولار أمام الأصول عالية المخاطر، بما فيها الروبل".

ويتوقع غويخمان أن يستقر سعر الدولار عند مستوى يفوق 75 روبلا، مقرا في الوقت نفسه بأن هذا التوجه إيجابي للاقتصاد أكثر من كونه سلبيا، حيث إنه يؤدي إلى زيادة عوائد التصدير بما تعادله بالروبل، مما قد يقلص عجز الموازنة.

من جهتها، نقلت صحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الموالية للكرملين عن المستثمر الخاص، مؤسس "مدرسة الاستثمار العملي"، فيودور سيدوروف، قوله: "يتواصل التوجه نحو تراجع العملة الوطنية. لا أسباب لصعود العملة الوطنية في الوقت الحالي، إذ أن الاستيراد يزداد، وعلى عكس النصف الأول من العام الماضي، حين تراجع بصورة حادة، هناك برنامج للاستيراد الموازي يعمل الآن. تصبح مشكلات الميزانية بسبب تراجع التصدير هي المحددة لسعر الصرف".

وكان نائب رئيس الوزراء الروسي، أندريه بيلؤوسوف، قد رأى في نهاية 2022، أن سعر الصرف المناسب للمصدرين الروس يبلغ ما بين 70 و80 روبلا للدولار، ما يعني أن تعزيز الروبل مواقعه الذي يتمناه السكان، لا يناسب بالضرورة المصدرين والحكومة.