"حكايات المدينة": الحنين بوصفه دفاعاً عن الذات

"حكايات المدينة": الحنين بوصفه دفاعاً عن الذات

25 يناير 2017
بيروت القديمة، تصوير: يحيى سنقر
+ الخط -

تتعدّد السجالات حول مفهوم النوستالجيا في الفنون والآداب، التي تبدو من زاوية معينة نوعاً من الحنين إلى الماضي والتعلّق به، إذ تحضر الكتابة والتخييل بوصفهما أداة لاسترجاع الوعي لأمكنة وأزمنة ماضية، كمحاولة للدفاع عن الذات في اللحظة الراهنة.

من هنا، حاولت ندوة "حكايات المدينة من خلال السينما والأدب" التي أقامتها مؤسسة "مجاورة" السبت الماضي في "مستوصف الخليفة" بالقاهرة، تسليط الضوء على فكرة المكان، من خلال عرض فيلم "شاي باللبن" للمخرجة اللبنانية مي عبد الساتر، وتجربة مجلة "أمكنة" التى يحرّرها الكاتب المصري علاء خالد.

يقدّم فيلم "شاي باللبن" رؤية حول بيروت في ثلاث مراحل مختلفة ومتعاقبة، من خلال سيرة والد المخرجة، ورؤيته لمدينته في مراحل طفولته ثم هجرته إلى البرازيل لعشر سنوات، ثم مع اندلاع الحرب الأهلية االلبنانية تهاجر عائلته إلى مدينة الإسكندرية، التي تشبه بيروت في طابعها المتنوّع، ومن ثم العودة إلى بيروت بعد الحرب حيث تغيّرت ملامح المدينة تماماً. العمل يوثّق رحلة البحث وراء تلك المدينة التي علقت صورتها بالذاكرة كما كانت قبل الحرب.

عقب عرض الفيلم، تحدثت المخرجة حول البحث عن الماضي من خلال الأمكنة، واعتبرت أنه ليس حنيناً صرفاً وحسب وليس مستنداً بالمطلق أيضاً إلى رفض الحاضر المشوّه بقدر ما هو بحث وراء هذه الذاكرة الفردية التي عاشت في تلك الأماكن، وهي بالتالي جزء من الذاكرة الجمعية؛ بحث أشبه بالدراسة التاريخية والاجتماعية والثقافية.

وأوضحت عبد الساتر أن "الفيلم استغرق ثلاث سنوات في إعداده نظراً إلى الجهد البحثي الكبير الذي وقف خلفه، ومنه مثلاً استكشاف الإجابة على سؤال: أين ذهبت مكتبات بيروت قبل الحرب؟ وأين اختفى طابعها المزدحم ومؤلّفاتها العتيقة، إذ لم نجد سوى شبه مكتبة بها بعض ملامح تلك الفترة".

وأضافت "جزء كبير من تاريخنا وذاكرة آبائنا وأجدادنا اليوم موجود تحت البحر في بيروت، هناك من يعتبر ذلك أمراً عادياً، لكنه ليس كذلك بالنسبة إليّ، فهناك بيوت سكن فيها أجدادنا وكانت مليئة بالحكايات، نحن نحاول أن ننقذ هذه الذاكرة المليئة بالحكايات من تحت الماء".

تظهر عبد الساتر في الفيلم من خلال صوتها في محاولة استنطاق الأب ليحكي حكاياته مع مدينتي بيروت والإسكندرية، وتعلّق على ذلك: "كنت طرفاً يسأل فقط ولم أُرد زج نفسي في الحكاية لأنها ذاكرة جيل أبي ولا بدّ أن يحكيها هو لأنه من عايش تفاصيلها كلياً".

في المقابل، أتت تجربة مجلة "أمكنة" التي أسسها الكاتب علاء خالد عام 1999، لتجعل الفوتوغرافيا خطّاً موازياً للحكاية بمشاركة الفنانة التشكيلية والمصوّرة الفوتوغرافية سلوى رشاد، حيث حاول الاثنان من خلالها استنطاق الحكايات الخاصة بالأمكنة ليس فقط في مدينة واحدة بل في أغلب مدن مصر.

ورأى خالد أن "الحكايات الخاصة بالأمكنة هي جزء من اكتشاف المجتمع داخلها، نعتمد على هذه الحكايات من خلال الأصوات الفردية، وصوت الهامش القادر على خلق تصوّر لشكل الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية".

وأضاف أن "غياب البحث الاجتماعي بعد رحيل جمال حمدان خلق نوعاً من المسؤولية تجاه تقدير قيمة هذه الحكايات التي تخرج من قلب المجتمع والتاريخ، فالحكاية الشخصية عن المكان ذات جمالية خاصة، إلى جانب أنها تكشف اللاشعور الجمعي".

واعتبر خالد أن الحكايات في العادة تنقسم إلى قسمين: "الحكايات الكبيرة المتعلّقة بالثورات والتحولّات الكبرى، والحكايات الصغيرة التي يملكها الناس ولا تتوقف عن السريان حتى في لحظات الموت السياسي، فهي حكايات مرنة ذات زمن مفتوح من الممكن تكملتها بواسطة أجيال جديدة".

ركّزت بعض المداخلات خلال الندوة على استنطاق الراهن وتفاصيله، خصوصاً لدى جيل الشباب الذي عايش الثورات، واعتبرت إحداها أن اعتبار الواقع خطأ تاريخياً هو نوع من الهروب من زخمه الجارف.

دلالات

المساهمون