معرض "موجو" الجماعي: بحثاً عن لوحة الراهن اللبناني

معرض "موجو" الجماعي: بحثاً عن لوحة الراهن اللبناني

07 نوفمبر 2021
من المعرض
+ الخط -

معرض صالة "موجو" الأخير، في الأشرفية ببيروت، معرضٌ جماعي. كثيرة هي المعارض الجماعية في بيروت هذه الأيام، وهي لا تجمع فقط مبتدئين وفتياناً بل تُضيف إليهم، وقد يكون ذلك أغلبهم، فنّانين محترفين لا يفوت الواحد منهم أن يقدّم معرضاً له وحده فحسب. لكنّ المعارض الجماعية قد تتجاوب هكذا مع الوضع اللبناني اليوم، الذي ميزته الارتجال في كلّ شيء. ليس الارتجال وحده، لكن أيضاً المسارعة والتهوين في شتّى الحقول، السياسة هنا كالثقافة والفن.

المعارض، على هذا النحو، قد ينقصها كتيّب يقدّم الفنانين وأعمالهم، فيضيع المشاهد هكذا بين الأسماء والأعمال، ومعرض صالة "موجو" ــ الذي انتهى قبل أيام ــ يضمّ هذا الشتات من فنّانين مختلفين في العمر والتجربة والخيارات الأسلوبية والفنية. 

هذا الخِيار لا يبرّر كثيراً اجتماعهم، لكنّه أيضاً، من ناحية أخرى، يطلّ على المسار الفنّي اليوم في بيروت، وفي ظل الوضع المتأزّم الراهن، على الرغم من أنّنا لا نستطيع، للوهلة الأولى، أن نتميّز له مساراً غالباً، ومن الصعب أكثر أن نستجلي صلته بالوضع العام، على أنّ هذه الصِلة لم تكن في يومٍ جليّة واضحة. 

تصعب إقامة صلة بين الفن من جهة والحروب والأزمات من أخرى

لا نستطيع بسهولة أن نصل بين الفن والحروب الأهلية، المضمرة والمعلنة، والنزاعات العشائرية، وإن ابتعدت يافطاتها وأطروحاتها الثقافية عن واقعها الأهلي. بل يبدو أن هذه الأطروحات بعيدة عن القاعدة الاجتماعية. إذ لا تنتمي ــ في الظاهر على الأقل ــ إلى آفاق ومشاريع تشي ببيئاتها وبنيانها العشائري. كان الفن والأدب، على الدوام، بعيدَيْن عن هذه المراجع والمصادر بل يبدوان وكأنهما يهربان منها، ويتحاشيان الاتصال بها، تحاشياً يجعلهما في أغلب الأحيان هوائيّين وموسومين بعالمية، قد لا تكون أحياناً سوى الالتحاق الهش والسطحي بأنموذج عالمي أو تيار ومدرسة كونيين. هذه العالمية قلّما تُفسح لخواص شخصية أو بيئية في الظهور، فيبدو الأمر لذلك أقرب إلى نوع من المحاكاة أو الموازاة البرّانية.

لا يبدو المعرض الجماعي، في صالة "موجو" قادراً على تقديم لوحة ما لراهن وأسئلة واتّجاهات الفن في لبنان. إننا مع ذلك أمام حراك في هذا الفن، لا نستطيع بسهولة أن نتميّز أبعاده الفعلية وما يختمر حقّاً فيه. كما لا نستطيع أن نعثر فوراً على أصداء الواقع في أعمال، هي في النوع والأسلوب لا تكاد تجتمع على شيء، أو توحي بوجهة ما. نحن هكذا أمام أعمال متعدّدة المصادر والآفاق.

لا نملك، والحال هذه، أن نجد أفقاً جامعاً ما بين تجريدات لمى رباح التي تنتمي إلى التجريد الغنائي وتذكّر ببعض أساطينه، وبين كولّاجات الأرمنية باتيل بليان، التي تؤسّس بكولّاجات ليست كالكولّاج، بل هي، بعد ما يطرأ عليها وما يجاورها ويحيط بها، تتحوّل إلى عناصر عضوية تتمازج وتتفاعل لتؤسس، لا شاعرية خاصة فقط، لكن أجواء مخيلة ثاقبة تملك ليس فقط القدرة على إنشاء عالم خاص، بل أيضاً القدرة على رواية شخصية ومناخ قريب من السوريالية، قربه من الغرائبية والنفس الملحمي.

الصورة
من المعرض

سنقف، بذات الدهشة، أمام رسوم الغواش لصلاح ميسي. هذه الرسوم التي تبني، من مخيّلة نحتيّة، ما يشبه أن يكون تشكيلات نُصُبيّة لأجساد متمازجة متداخلة منصوبة في أشكال متعدّدة. هذا النشيد الجسديّ، بل القيامة الجسدية التي تتوسّط بين الرسم والنحت، هي أيضاً، من ناحية أخرى، شِعرٌ للجسد. يمكننا أن ننتقل من نُصبية رسوم ميسي إلى مناخ آخر مصنوع هذه المرة من الخطوط والوضعات الجسدية، لكنّنا مع ذلك لا نزال في الخطّ، في الاسكتش وفي البروفات وفي اللحظات المقطوفة بإتقان، لكن بسرعة وانخطاف، أمام رسوم منصور الهبر، أمام شِعرٍ من نوع آخر، شِعر بالخطّ والرسمة واللحظة الخاطفة.

في المقابل، يمكننا أن نجد المدينة هندسياً في تصميمات ليليا بن بلعيد، إنها المدينة على الورق، المدينة وقد تخفّفت من أحيائها وشواهقها لتتحوّل إلى خطوط.

لكنّنا أمام لوحات سمعان خوام، التي نراها غريبةً إلى حدٍّ ما في المعرض، وكأنّها أتت من مكان آخر، أمام "اللوحة". هكذا أمام فنّ قادر ــ كلّما لعب بعناصر قليلة إلى حدٍّ ما ــ على أن يجد لوحته. فنّان لا يُذكّر فقط ببيكاسو، لكنّه قادر في الوقت ذاته على لعب سريع، على فنّ بحركة واحدة فحسب أن يُوجد شكلاً ولحظة وعالماً. سمعان خوام لا يحتاج إلى أكثر من أن يحرّك يده ليجد خيالاً جاهزاً وقصيدة ــ وهو أيضاً شاعر ــ ليصنع ما هو موغل في الخفة، موغل في البناء في ذات الوقت، بقدر ما هو لحظة مكتفية، لوحة مكتفية.


* شاعر وروائي من لبنان

المساهمون