ما زالت تنام فرحة تحت شجرة الصنوبر

ما زالت تنام فرحة تحت شجرة الصنوبر

15 أكتوبر 2020
تغريد درغوث/ فلسطين (جزء من لوحة)
+ الخط -

1

هناك قصيدة في رأسي
لا أعرف مطلعها
ذكّرني بها عصفور أسود
حطّ منتحراً
عند باب شرفتي
قصيدة تتحدث عن عجوز
يقف على ناصية طريق
الطريق التي أقطعها كل صباح
يتسوّل بلغة لا أفهمها
ولا أشعر بالخجل
قصيدة أعدّد فيها أشجار كيفيسيا
وطاولات مقاهيها
والقطط
والحمامات التي لا تخاف خطاي
وبراز كلاب مدللة
تناسى أصحابها – عن عمد – لملمتها
وتركوها لنا نحن المارة
والذباب
هناك قصيدة في رأسي
أعتقد انها مليئة بالأسماك
كنت اصطدتها ذات حلم
لكني أعدتها إلى الماء
خوفا من أن تحكي لي
ماذا تفعل البحار بالجثث
هناك قصيدة في رأسي
أظن أنها فارغة من الكلمات
مكتظة بصور
أحتاج لأسراب عصافير منتحرة
لأعرف مطلعها.


2

في حكايات المدى الواسع
والجزر البعيدة
حيث كان ممكناً أن نكون أحراراً
حيث كان ممكناً أن نكون
أرتعش
ويتوقّف قلبي
وأنا أراني
أُحملق في رعب العالم
كنسرٍ يترك بيته
دون مكان للاحتماء
في حكايات المدى الواسع
والجزر البعيدة
أكرر الصلوات التي أعرف
ككاهن قديم
تعب من ممارسة الشعوذة
في حكايات المدى الواسع
والجزر البعيدة
أراني ابنة زوس المفضلة
أثينا
إلهة الحكمة والحروب الاستراتيجية
وزوس لا يراني
في حكايات المدى الواسع
والجزر البعيدة
أراني أنا
وبلادي لا تراني.


3

عندما ينتهي كل شيء
ويصبح سواد الليل لك وحدك
ستحاول عبثاً
إشعال المطر
ستدخل المدينة
حاملاً الذهب واللّبان والمُر
لكنك لن تجد العذارى
الضفادع السوداء الهاربة من فم الحوت
فقط
ستكون بانتظارك
ستبحث عنك
في أوراقك الثبوتية
وفي ملفات الداخلية
وفي أسماء الشوارع
لساعات وساعات
ستكلّم حجارة الطريق
وبومة بجناح طاووس
وبعد أن تفقد عينيك
ويبيضّ لسانك
ستعرف أنك
البضاعة والسوق
الهالك والمستهلك
وأنت الرب
وأنا.


4

حول طاولة مستطيلة
تتسع لعشرين
ونحن ثلاثون
نجتمع مرة أُخرى
يا حبيبي
نتنفس أوكسجين الآخرين
ونتبادل ما نعتقد أنها أفكار
أستغلّ الفرصة
أبدأ في كتابة مذكرات
أو قصة جدتي الكبرى
جميلة
تمشي في بساتين الفستق الحلبي
في عبّها حبّة بندورة وقطعة خبز ناشف
أرقبها من على سطح بئر
وبجانبي أفعى تتخلّص من جلدها
فرَحاً بموسم جديد
عبوات الماء البلاستيكية تملأ المكان
أجلس محدّقة في أفواه المتكلمين
وبجانبي الأفعى
وجميلة في الأفق
تكبر رئتي فجأة
جلدها زيتوني لامع
طرحة رأسها بيضاء
عيناها ملوّنتان بفعل الزمن
وثوبها أسود يحمل غُرزًا بسيطة من الأحمر
كلها تفاصيل كافية لكتابة شعر
يشرح الزملاء الخطط الاستراتيجية
قصيرة المدى
طويلة المدى
ترفع جميلة ثوبها لتتبوّل بمحاذاة صخرة
يخرج البعض للصلاة خوفاً من المعصية
تستريح جميلة في ظل صنوبرة
تبتسم
تسأل الله عن أسمائه الحسنى
وتدعوه لفنجان قهوة
ألحظ خاتمها الذهبي
خاتمها ذهبي
في يومها الأخير
على الأرض
هل كان زوجها من أعطاها إياه قبل اختفائه ثلاثين عاماً
هل كان من حبيب لها
أو أن ابنها اليتيم هو من اختاره 
أقرّر أنها هي من اشترى الخاتم 
وهم يقرّرون إنهاء اجتماع آخر 
بينما ما زالوا يفكّرون في الثواب والعقاب
والجنة
وجميلة ما زالت تنام فرحة تحت شجرة الصنوبر
خاتمها الذهبي يلمع.


5

كنتُ أصنع السراويل
لرجال قرية
سيشكّك التاريخ بوجودها
وكان لي يوسف
ليس كذلك النبي
إخوته لم يُخلقوا
ليوقعوه بالحفرة
وأبوه هرب مع الهاربين
ثم عاد منهزماً
كنت أصنع السراويل
وأبيع السجائر
كان لي بيت
ودكان
ومصنع
في متر مربع مؤجّر
وكان لي خاتم ذهبي
أوصيت بإهدائه
لعذراء الجسمانية بعد مماتي
كنت وكان لي
خاتم وبيت ومصنع
ويوسف
في متر مؤجر
يا حسرتي
تَهَجّر.

هامش: هذه رسالة جدتي الكبرى جميلة لي بعد أن لاحظتْ اهتمامي بخاتمها الذهبي.


* شاعرة من فلسطين

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون