قصيدة تبدأ مع الألفيّة الجديدة ولا تنتهي

قصيدة تبدأ مع الألفيّة الجديدة ولا تنتهي

29 مارس 2021
(تصوير: مارتِه ميرلوس)
+ الخط -

قصيدة I

لنكتبْ، أيّها البحر،
قصيدةً تحارب، 
تماماً كما الشّعراء القدامى؛
قصيدةً تثقب الماء كشفراتِ بخارٍ نهريّة لم نرها أبداً.
لنكتب قصيدةً عن أحوالنا،
تبدأ مع الألفيّة الجديدة
ولا تنتهي أبداً،
قصيدةً تملؤها الرّموز كمثل السّماء،
لكنها أوسع من السّماء؛
قصيدةً بأسماء مطبوعةٍ، تتطاير 
في ملايين النّشرات التي تراها العيون الجديدة
مع ضوء البحر.
لنكتب قصيدة البحر التي تخرج من العيون الجديدة؛
قصيدةً بآلاف الرايات
تماماً كمثل بحرٍ جديدٍ
يَموج في عيون جديدة.


■ ■ ■


قصيدة III

لقد انكسرْتُ 
وتبعثرتُ في خمسة عشر مليون حلمٍ مِنكَ،
تبعثرتُ قطعةً منكَ.
مِنكَ، لا جرحَ في الحلم
إلا الواقع.
آه يا بلادي،
كبيرةً وضيقةً مثل 
كلّ الكائنات الحزينة والحقيقيّة.
آه يا بلدي، 
يا محارب طواحين حزيناً وحقيقيّاً مثلي،
مثل حبِّ حزينٍ
ومشاعر حزينة.
آه يا بلدي
متبعثراً في خمسة عشر مليون إنسانٍ
يحتشدون معاً
ويتموّجون مثل حقل من الغيوم 
تتعانق فوق الورود. 


■ ■ ■


قصيدة IX

فيما أقرأ قصيدتي المُحارِبة 
بصوتٍ عالٍ
تهبُّ ريحٌ عملاقة
ريح الرّايات المدمِّرة،
فتذوب معها الوجوه الصّامتة
التي تستمع إليّ. 
وفيما أفكر أنك قد تكونين 
بين الحشود 
التي تستمع إليَّ،
يتراءى لي ظلُكِ فجأةً
فتحضر معه منذ ثلاثين سنة
روحٌ حقيقيةٌ 
أسمعها بين الحشود 
عن بعد،
وأرى وجهاً جميلاً يرتفع
رايةً من الدّخان 
بين رايات كثيرة. 


■ ■ ■


مدن الماء

غارقةً في الماء، راحت المدن ترتفع مغطيّةً السّماء 
فيما كانت الأضواء المنبعثة من ناطحات السّحاب
تتمرأى وكأنّها البحر أمام منصة الفجر الضّخمة.
لم أرغب أن أوقظ صديقتي، فقد تذكرت أنني تشاجرت معها في الليلة الماضية.
قلت لنفسي إنني قد أصبحت مسنّاً على بعض الأشياء. انزعجت. كنّا قد نسينا التلفاز مشتغلاً من الليلة الماضية. شبه عارٍ، تأملتُ الشارع. كان الطقس بارداً، وفي الأسفل رجلان يتشاجران. 
راحت مدن الماء تطوف فوق الفجر، وبدت انعكاساتها شبيهة بالخيوط التي ترسمها الشمسُ في قيعان المسابح. كان الرجلان قد ابتعدا وهما يدفعان بعضهما، فعاد الشارع، مرّة ثانية، فارغاً. 
راحت الأضواء المنبعثة من ناطحات السّحاب المعلّقة تمتدُّ، وغدت الصورة أكثر شفافية مثل دمع يكاد يسيل على خدٍ لا حدود له. ربما بكى ذلك الخد، أو كان نائماً، فبكى، دون أن يعرف، بصمت. "دموعُ السماء"، قلت لنفسي، وأغلقت النافذة ودخلت إلى الغرفة، مسرعاً. 
راحت انعكاسات الدموع تغطّي السماء، وبدت مدنُ الماء خدوداً لها،
خدوداً لا تستقبل إلا الدمع. 
اقتربت منها كي أوقظها، فارتسمت أمامي ملايين الأشكال المائية في تلك المدن المعلّقة،
ملايين الوجوه، ملايين الدموع والأفواه التي راحت تختلط وكأنها أضواءٌ تتموّج في الماء.
أيقظتُها. بدا وجهُها مستنقَعاً لتلك السماء. 
هل هذه أنتِ؟ 


■ ■ ■


خبّئيني

إذن، خبِّئيني،
احتفظي بي فيكِ،
في سيولك السرّيّة التي تفيض 
عن أنهارك.
وحين لا يبقى منّا 
إلا شاطئ،
خذيني إليك
واحتفظي بي سؤالاً للماء
الذي لا يسيل.
وعندما تنهار الطيور العظيمة
وتخبرنا الغيوم أن حياتنا مرّت بين أصابعنا 
خبِئيني فيك،
داخلك،
واحتفظي بي في خصلة هواء 
تعرف كيف تسكن حنجرتك
القاسية والبعيدة،
تماماً مثل قنوات جليدية
تشهد ولادة الربيع فيها. 


■ ■ ■


متحدّثاً إليك

يا سرّتي، يا سرير أحلامي 
هناك أنّى تكسّر حبّي، أناديكِ،
هناك،
حيث تتفجر السماء وتسقط الجبال
تولد أزرار مياهك الحلوة.
هكذا نصل سويّةً، ننبتٌ سويّة، ونكبر،
آخذين معنا سيول العشاق،
آملين أن يسيل ماؤنا دائماً
مثل نهر لا يجف.
وأخيراً، 
حين نستيقظ من الحلم الطويل، 
حلم كل تلك الحيوات التي عشناها،
نولد، 
من جديدٍ،
أوسعَ وأغزَر.


■ ■ ■


وكان الصباح عميقاً

في عناقنا الطويل
صار الصباح عميقاً
لا حديث يتسع لجسدينا،
أصواتنا امتزجت دهشةً 
وارتجف الضوء فينا.
في جسدين غريبين 
ينظران إلى البحر،
كان الصباح عميقاً.


■ ■ ■


فيكِ

كلُّ شيء فيكِ حيٌّ وميت:
وهج العشب في الصباح، 
صوتٌ يعلو في الطوفان،
الفجر العنيف،
لطفك،
صرخةٌ وحجر. 
وفيما أنظر إليك في الريح
وفي الثلج الذي يغطي الجبل،
هناك، 
حيث الشارع الذي انتظرت أن تستيقظي فيه
هناك،
حيث البلد الميّت،
حيث الجروح والكدمات،
أستيقظ فيك
وأغمر عينيّ في عينيك
فأستيقظ
وأرى النجوم تطوف فيك.
وجهُكِ الآن سماءٌ،
وهناك، وسط النهر،
ثمة رجل عجوز يتأملّك. 


■ ■ ■


عينايَ تبحثان عن عينيك

فيما تبحثُ عيناي عن عينيك العاليتين
عظَمتي في الحبُّ تُعلِّمُكِ معنى 
أن تكوني حبيبتي.
لذا انفتحي أمامي
والمسِيني كبحرٍ تتكسّر أمواجه على الصّخور.
انفتحي أمامي كبلدانٍ قامت على الجليد
وانظري كيف ستُكتبُ لنا الأعالي.
لكن
إن لم تمدي يدكِ كفايةً 
ستدخل الأمواج وتلطمُ شواطئ القلب
ربما اليوم أو غداً،
وسننبعثُ 
في سماءِ حياتكِ
سماء حياتي، 
قصيدةً
مكتوبةً على ذروة الأفق.


* ترجمة من الإسبانية: جعفر العلوني 

** القصائد مقتطفة من كتاب "حياتُكَ تتكسّر - مختارات شعرية" (2015)، وهي أنطولوجية شخصيّة أعدّها زوريتا بنفسه وأدرج فيها أفضل قصائده تحت هذا العنوان الذي يلخّص مسيرة حياته كاملة

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون