قصص اقتصادية قصيرة

قصص اقتصادية قصيرة

27 اغسطس 2021
"تفصيل من مشهد إيطالي ملوّن" لـ ماريو شيفانو، طلاء على ورق وقماش، 1963
+ الخط -

عندما تحترق الأسعار

"البورصة تحرق 96 ملياراً". هذا ما ورد بالبنط العريض في إحدى الصحف. وبمجرّد أن وقعَتْ عينا الجدة فيليتشيتا على العنوان، سألتني عما إن كانوا قد فقدوا عقلهم. في السابق، كانوا يُلقون بالبرتقال تحت الجرافات، والآن وصل بهم الأمر لحرق المال مباشرةً. نظرةُ الجدة السّاخطة كانت توحي بأنها تتخيل موظفي البورصة والسماسرة وقد عقدوا ربطات عنقهم على رؤوسهم وتحلقوا للرقص كالهنود الحمر حول بوفالو كبير. "ليس الأمر بهذه البساطة، وربما ولا حتى أنا قد فهمت الموضوع". 

أجبتُ بدِعة: "لكن تخيلي أنكِ صنعتِ كعكة وقرّرتِ أخذها للدير من أجل التبرّع بريعها، كاهن الرعية يسأل الجميع عن المبلغ الذي يمكنهم دفعه مقابل قطعة منها؛ وبما أن كعكتك تبدو لذيذة، يُظهر كل الحضور رغبة في شراء قطعة منها. حتى إنهم يعرضون دفع 5 يورو مقابل قطعة واحدة. وهكذا يقصّ كاهن الرعية الكعكة لشرائح أرفع فأرفع، حتى يصل إلى 20 قطعة. 20 × 5 تساوي 100 يورو. هذا يعني أنك أعطيتِ نظرياً لكاهن الرعية مائة يورو، حتى لو لم تقومي بمنحِها له يداً بيد. ولكن قبل ذلك، من الضروري أن يتقدّم أحدهم ويشتري القطع بالفعل".

"تماماً!"، أجابت الجدة وهي تتخيل فعلاً أجواء البيع الخيري هذا، ذلك أن 100 يورو ليست مبلغاً نتبرّع به كل يوم!
"لكن في لحظة معينة يحدث شيء ما". تابعتُ شرحي بهدوء: "شيء كوصول حلوى أُخرى، قالب شوكولاطة، أو أنه قد تبيّن فجأة أن الحضور كلهم شبعى - لا يهمّ السبب - بعد بيع 5 قطع لا أحد يعرض أكثر من يورو واحد. هذا يعني 5 × 5 مقابل الشرائح الأولى و15 × 1 مقابل الشرائح الأخيرة = 40، وهكذا تكونين قد أحرقتِ 60 يورو!".

لم أكن متأكداً من أنني شرحت الأمر بشكل جيد، وإن كانت جدتي قد فهمت منطق البورصة. لكنها بعد قليل، ردت بابتسامة ماكرة: "أعرف أن الكعكة كانت لذيذة، فما يهم فيها هو الأرض التي أخرجت الطحين والتفاح والشغف الذي أعددتها به؛ الكعكة هي ذاتها الكعكة، لم تكن أكبر عندما كان ثمنها 100 يورو، ولا أصغر من ذلك وهي تساوي 40 يورو. أما تلك الـ 60 يورو فليست سوى وَهْم، كلما احترق أسرع، كان ذلك أفضل. أما كاهن الرعية فما عليه سوى أن يجد طرقاً أُخرى لرعاية أغنامه".


◼️◼️◼️


مجتمع الجحود

"ثمة بالتأكيد خلل ما". قالت الجدة فيليتشيتا، "أيعقل أنكم تملكون أكثر بكثير في هذا الزمن مما كنا نملك في الماضي، ولكنكم تبدون أكثر قلقاً وحزناً؟".
"جدتي يا جدتي، أنتم كبار السن تقولون دائماً ذلك". قلت وأنا أتأملّ في الفكرة: "لا تكفّون عن ترديد ذات الكليشيهات".
"فكر فقط بما كان ليحدث لو كنتم راضين ومُحصين للنعم التي تحيط بكم؟".
"اممم، دعيني أفكر. ستتوقف الحروب؟"، قلت وأنا أحاول استفزازها.
"قل لي فقط من كان ليأخذ رهناً عقارياً إن كان يشعر بالسعادة من منزله؟ من كان ليشتري جهاز كمبيوتر جديداً، تلفازاً جديداً، أو يطلب قرضاً لشراء سيارة جديدة لو كان يشعر بالرضا التام عمّا يملكه؟ من أجل أن نبقى على قيد الحياة في هذه البقعة من العالم، علينا إيقاف إهدار الموارد والقضاء على التلوث، وهو ما لا يمكن فعله بوجود هذين العنصرين: النّهم والخوف".
"لماذا تقولين ذلك؟" قلت بعصبية. فإيجاد طريقة لوقف التلوث، والحد من إهدار الموارد وتقاسم الثروة ليس هو ما سيجعلنا جميعاً أكثر سعادة.
"بدون تلوث وبدون صراعات على الموارد، يمكنكم العيش بشكل أفضل، لكن فعلاً هذا لا يعني أنكم ستصبحون أقل حزناً. ذلك لأنكم ستشعرون دوماً بوجود فراغ ما في معدتكم، يجعلكم تشعرون بالافتقار دوماً إلى شيء ما، شيء يمكن أن تسده عملية شراء صغيرة كانت أو كبيرة. بدون نهم أو خوف، لن يشتري الناس شيئاً. وإذا لم يشتروا شيئاً ستفلس الشركات، وإذا أفلست ستكونون عاطلين من العمل؛ لهذا أنتم في حاجة ماسة لأن تكونوا جاحدين".
"عالجوا أنفسكم!" أنهت جدّتي فيليتشيتا كلامها وتركتني عاجزاً عن الكلام. "من كان هو نفسه سبب علّته لا ينبغى أن يبكي حاله".
"وهو كذلك"، فكرت دون أن أملك شجاعة الرد.


◼️◼️◼️


لغز البيضة والبطاطس

كانت الجدة فيليتشيتا تبدو منذ فترة وكأنها تعيش دور الخبير الاقتصادي:
"في بعض البلدان، إذا كانت لديك بيضة واحدة، فأنت غني". قالت بنبرة ماكرة: "في البعض الآخر ليس كثيراً:
في 2007 كان هذا هو الحال في الولايات المتحدة: 12 بيضة بـ 1.77 دولار، و1 كيلوغرام من البطاطس بـ 1.14 دولار! أي بيضة واحدة = 129 غرام بطاطس.

أما في اليابان، فـ 12 بيضة بـ 2.60 ين، و1 كيلوغرام من البطاطس بـ 278 ين، أي بيضة واحدة = 77 غراماً من البطاطس، تقريباً نصف المعادلة الأميركية. وهذا يعني أنني في الولايات المتحدة كنت سأكون غنيةً وفي اليابان فقيرة.
لكن بعد سنة واحدة فقط، في عام 2008، تحولت البطاطس في الولايات المتحدة إلى مصدر للطاقة، ارتفعت الأسعار على إثر ذلك، وأصبحت عليه أنا ودجاجتي أفقر.

انظر إلى هذا: الولايات المتحدة الأميركية: 12 بيضة بـ 1.86 دولار أي 1 كغم من البطاطس بـ 1.61. أي بيضة واحدة = 96 غرام من البطاطس.

أما في اليابان، فـ 12 بيضة بـ 296 ين، 1 كيلو بطاطس بـ 280 ين. وبيضة واحدة = 88 غرام بطاطس. وهكذا فأنا اليوم أقل فقراً في اليابان، وأفقر بكثير في الولايات المتحدة. إنه فعلاً لغز".

بعد أن طلبتُ جدولاً بيانياً مكتوباً لكل هذا الكلام لأنني لم أفهم شيئاً من هذه الحسابات الذهنية التي قامت بها الجدة فيليتشيتا، أجبتُها: "يمكنك إذن محاولة بيع البيض في الولايات المتحدة، وشراء البطاطس وبيعها في اليابان، ثم تعيدين بعدها شراء بيضك وتحتفظين بهامش جيد".

كنت آمل أن أضلّلها باحتساب تكاليف النقل لتفاجئني هي: "لا تفكر في إخباري بأن الولايات المتحدة واليابان بعيدان بعض الشيء، ففي البورصات كل شيء مسجل في جداول على الكومبيوترات، لا أحد يقوم بنقل البضائع فعلياً. لكن أخبرني: إذا ما بدأت بغرس البطاطس دون بيعها أو شرائها، هل سأكون بذلك أغنى أم أفقر؟".


* ترجمة عن الإيطالية: أمل بوشارب

 

بطاقة
Juan Manuel Saavedra Cagliari كاتب وخبير مالي واقتصادي إيطالي من مواليد 1966. يعيش بين الثقافتين الأميركية الجنوبية والغربية، ويسعى إلى تحقيق توازن بين الجانب الإنساني الروحي والجانب التقني المهني من عمله.

سمحت له شهادته في العلوم الزراعية التي تتراوح موضوعاتها بين علم الأحياء والاقتصاد، إلى الميكانيكا وعلم الاجتماع، بتقوية هذا النهج الشامل ومتعدد الأوجه. يعمل كرائد أعمال اجتماعي، ومستشار للشركات الناشئة، ومدرب في قضايا الاستدامة وحقوق الإنسان واللاعنف. لتحقيق هذه الغاية يستخدم أكثر الأدوات تبايناً من الموسيقى إلى المسرح، ومن كتابة القصص إلى التفكير التصميمي. 

 

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون