عاطف عطيّة.. الثقافة والسياسة في لبنان زمن الحرب

عاطف عطيّة.. الثقافة والسياسة في لبنان زمن الحرب

27 ديسمبر 2021
(هجوم مليشيات الكتائب على حي كارنتينا البيروتي عام 1976، Getty)
+ الخط -

في كتابه "من أحوال الثقافة والسياسة في لبنان زمن الحرب (1975–1990)"، الذي صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، يعود الباحث اللبناني عاطف عطيّة إلى المؤتمرات والندوات التي عقدت على هامش الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان وتداعياتها على مدى خمسة عشر عامًا، وكانت غايتها التفكّر في كيفية التخلّص من هذه التوتّرات والمواجهات التي حصلت - ولا تزال تحصل - بين اللبنانيين على امتداد تاريخ بلدهم الحديث، والنابعة من نظام حكم سياسي اجتماعي مولّد للأزمات، بحكم تشكّله، باعتباره نظامًا طائفيًا يحمل بذور أزماته في بنيته الداخلية.

اعتمد المؤلف، في إظهار جوانب الخلل في هذا النظام، على ما جاء في تلك المؤتمرات، انطلاقًا من البحث في إشكالية العلاقة هذه، مع التركيز على الأسباب المؤدية إلى ذلك. ويرى أن ما حصل ويحصل هو نتيجة ما نشأ عن العلاقة بين الثقافة، باعتبارها الوعاء الحاضن لكل عناصرها، والدين محفّزًا للمنتمين إليه في تطلّعاتهم السياسية والاجتماعية، من جهة، والسياسة في تعاملها مع قضايا المجتمع والناس، وتسيير حياتهم بما يتلاءم مع توجّهاتهم ومع ما يدعم هذه التوجهات، من جهة أخرى.

يعود الكتاب إلى مؤتمرات وندوات عقدت على هامش الحرب الأهلية لمناقشة أزمات النظام

وقد تمحورت إشكالية الدراسة حول العلاقة بين الثقافة والدين والسياسة، من خلال تمفصل هذه المتغيرات الثلاثة في علاقة اللبنانيين بعضهم ببعض، وتأثير أو تأثر متغيّرات هذه الإشكالية بعضها مع بعض؛ أي علاقة الثقافة بكلٍّ من الدين والسياسة، وعلاقة الدين بكلٍّ من الثقافة والسياسة، وعلاقة السياسة بكلٍّ من الثقافة والدين، للوصول في النهاية إلى معرفة التأثير الأقوى الذي أوصل لبنان إلى أزمات وحروب وفتن وقلاقل لم يسلم منها، بل إنها عرقلت تنفيذ مشروع الدولة الحديثة، وأوصلت البلاد إلى مخانق سياسية واقتصادية، وحروب دموية، منعته من التقدم والتطور.

حكمت مسيرةَ الدراسة وتوجّهَها تساؤلاتٌ تبيّن اهتماماتها، وما تروم الوصول إليه، وبنت عليها افتراضات تشكّل أجوبة محتملة عن هذه التساؤلات، وتركت تفصيلات الإجابة لما تراكم لدى الباحث من معطيات ودراسات وبحوث ظهرت في أوقات متزامنة يحصرها عقد واحد من السنين أنتجتها مؤتمرات وندوات، كانت قد أفرزتها تداعيات الحرب الأهلية التي امتدّت خمسة عشر عامًا بحموتها وبرودتها (1975-1990). وبدأت بالانحسار والخفوت، في أثر اتفاق الطائف الذي نجح في وقف الحرب (1989)، ومن ثم اتفاق الدوحة وتداعياته (2008).

الصورة
غلاف الكتاب

تظهر نظرة "المجتمع المسيحي"، التي تعبّر عنها الجبهة اللبنانية في "بيت المستقبل"، صنيعة رئيس الجمهورية "الكتائبي" أمين الجميل، وفق الكتاب، من خلال عقد "خلوة الفكر المقاوم" التي أبرزت شكل المجتمع اللبناني الذي تريده الجبهة اللبنانية، وهو المجتمع المتعدد ثقافيًّا بقيادة الموارنة. وتبيّن أهمية الاضطرابات والفوضى، وخصوصًا ما له علاقة بالطائفية، لشدّ عصب المسيحيين ليكونوا أشد تماسكًا وأكثر قوة في وجه الطامعين في القضاء على المجتمع المسيحي، ومن ثمّ على لبنان، كما يراه ويعيشه المسيحيون بقيادة الموارنة. وانبنى توجّه هذه الندوة على الثنائية الثقافية اللبنانية المبنيّة على أساس الثنائية الدينية، مع استحالة أن يكون لبنان على غير ذلك.

في إطار الثنائية ذاتها، يقف المؤّلف عند ثنائيتين مؤتلفتين تعبّران عن انقسام اللبنانيين ضمن المجتمع الواحد الذي لا وجود له في وحدته المطلقة في أي مكان من العالم؛ لأن ناموس الحياة المجتمعية قائم على الانقسام، الأولى هي ثنائية الريف والمدينة التي ناقشها جورج قرم، بما فيها من اختلاف بينهما في نمط العيش، والثانية هي ثنائية التقليد والحداثة التي أثارها أحمد بيضون ضمن المجتمع الواحد، وهي الموجودة مُذ وُجِد المجتمع حتى في حالته القديمة.

عاين المؤلف أيضاً نظرة العقيدة القومية الاجتماعية الممثلة بالحزب السوري القومي الاجتماعي، والعقيدة الشيوعية من خلال نظرة الحزب الشيوعي اللبناني، وذلك في ندوتين شارك فيهما مثقفون من خارج الصف الحزبي. اعتبرت الندوة الأولى بما قاله المنتدون، وخصوصًا من ينتمي منهم إلى الحزب القومي، أن أصل البلاء في لبنان ناشئ عن النظام الطائفي الذي ينظر إلى اللبنانيين باعتبارهم طوائف لا أفرادًا أو مواطنين. واعتبروا أن الطائفية في جميع أشكالها هي التي تمنع قيام المجتمع اللبناني الحديث القائم على المواطَنة، والمتّصف بصفته المدنية بقيادة الدولة الحديثة المتحررة من القيد الطائفي. ويتمثّل الحل، في نظر هؤلاء، في إلغاء الطائفية واعتماد نظام يفصل بين الدين والسياسة، وصولًا إلى النظام العلماني الذي لا يتعارض مع الدين.

كما تطرّق إلى أعمال المؤتمرَين اللذَين أقامتهما "الحركة الثقافية – أنطلياس" و"مؤسسة السلم الأهلي الدائم،" وهما على توجهين مغايرين؛ ذلك أن الحركة جنّدت نفسها للقول والعمل من أجل وحدة لبنان أرضًا وشعبًا ومؤسسات من خلال الفعل الثقافي الذي تكّبدته، بينما عقدت "مؤسسة السلم الأهلي الدائم" مؤتمرها الأول في قبرص (1988)، وكان همّها الأساس الحفاظ على استقلال لبنان ووحدته بنظامه المعمول به، وبتوجهه المبني على المشاركة الطائفية التي من الممكن المحافظة عليها بالإفادة من دروس الماضي وويلات الحرب والابتعاد عن التغيير القسري.
 

المساهمون