زيارة موقع: مؤنس الرزاز.. على مسافة عشرين عاماً

زيارة موقع: مؤنس الرزاز.. على مسافة عشرين عاماً

08 فبراير 2022
مؤنس الرزاز في بورتريه لـ أنس عوض (العربي الجديد)
+ الخط -

شكّلت الانكسارات الكبرى التي عاشها العالم العربي عقب نكسة حزيران/ يونيو 1967، فضاء أساسياً استند إليه الروائي الأردني مؤنس الرزاز (1951 – 2002)، حيث حفر عميقاً في أسباب الهزيمة وسعى إلى فهم واقع افترق عن كلّ القيم والشعارات الكبرى التي حجبت مرحلة بأكملها، من خلال تخليق شخصيات وُلدت من رحم الخراب.

مواجهةٌ لم يختبرها صاحب "اعترافات كاتم صوت" على المستوى الفكري فحسب، إنما ارتبطت بتراجيديا عائلية عكستها "التجربة المرة" التي عاشها والده المفكّر والمناضل منيف الرزاز (1919 - 1984)؛ حين أقصاه "الرفاق" عقب انقلاباتهم العسكرية التي أجهضت مشروعاً نهضوياً عربياً كان الرزاز الأب أحد المهمومين به والمشنغلين بالتنظير له، وأبرز المدافعين عنه حتى رحل في الإقامة الجبرية ببغداد.

شكّلت رواياته شهادة على متوالية من رعب لم تنتهِ

مسار قدريّ؛ تمثّلات الذات والواقع متلازمة فيه، كما يوضّحها موقعه الإلكتروني www.razzaz.com وهو جزء من موقع العائلة يجمعه مع والده ووالدته، مع إشارة في تقديم الموقع إلى أنه "يجمع إرثاً من الرسائل والمذكرات غير المنشورة سابقاً، وينشرها تباعاً في أجزاء، يشكّل كل منها مرحلة من مراحل معترك الأسرة مع واقع عربي مأزوم.. فقد شهدت المرحلة مخاضاً عسيراً ابتداء باندحار الاستعمار ونمو الشعور القومي العربي وأحلام النهضة العربية، وانتهاء بكوابيس الاحتلال لفلسطين، وبتحول حركات التحرر العربية إلى أنظمة قمع واستبداد، وبحروب الخليج المتعاقبة. هذا المخاض انعكس جلياً في الحياة اليومية لأسرة منيف الرزاز..".

يتضمّن الموقع سيرة مقتضبة لمؤنس، الذي وُلد في مدينة السلط الأردنية، ونشأ في عمّان، ثم تنقل بين  بريطانيا وبيروت وبغداد حيث بدأ حياته المهنية في الملحق الثقافي لجريدة "الثورة" العراقية، ثم في مجلة "شؤون فلسطينية" ونشر عدّة قصص في الصحافة البيروتية، ولدى استقراره في عمان عام 1982 عمِل في مجلة الأفق، وكتَب عموداً يومياً في جريدة "الدستور"، ثم زاوية "ضوء" اليومية في جريدة الرأي حتى رحيله، إلى جانب ترجمته لعدّة مؤلفات منها "قاموس المسرح"، ورواية "حب عاملة النحل" لـ إلكسندر كولونتاي، و"انتفاضة المشانق" لـ ب. ترافن.

حفر عميقاً في الهزيمة وشعارات حجبت مرحلة بأكملها 

على الصفحة الرئيسية، نُشرت عدّة مقولات لصاحب "الشظايا والفسيفساء"، ومنها: اتركوني أنتمي إلى الأقليّة المنشقة "الخارجة" التي ينتمي إليها تيسير سبول وعرار ونيتشه وفرجينيا وولف وإدغار ألن بو ودستويفسكي.

ينقسم الموقع إلى عدّة أبواب، أحدها يضمّ عناوين مجموعاته القصصية: "مد اللسان الصغير في مواجهة العالم الكبير" (1973)، و"البحر من ورائكم" (1976)، وهاتان المجموعتان لا معلومات عنهما باستثناء ذكر جهة النشر وتاريخ، بينما أُرفق مع مجموعتيه "النمرود" (1980)، و"فاصلة في آخر السطر" (1995) نبذة عن أجوائهما السردية أو مقتطف منها.

بالطريقة نفسها، وضعت في باب ثانٍ أعماله الروائية حيث جاء بعضها بلا شروحات حولها مثل "أحياء في البحر الميت" (1982)، و"متاهة الأعراب في ناطحات السراب" (1986)، بينما تمّ التعريف بروايات "اعترافات كاتم صوت" (1986)، و"جمعة القفاري.. يوميات نكرة" (1990)، و"الذاكرة المستباحة، قبعتان ورأس واحد" (1991)، و"مذكرات ديناصور" (1994)، و"سلطان النوم وزرقاء اليمامة" (1996)، و"عصابة الوردة الدامية" (1997)، و"حين تستيقظ الأحلام" (1997)، و"ليلة عسل" (2000).

يعترف أنه تبيّن موته الأدبي المعنوي مطالع عام 1998

تبرز الاقتباسات من رواياته المواضيع التي تناولها الرزاز، وأهمها انحطاط مؤسسات الحزب التي أجهزت على الدولة في كلّ من سورية والعراق، وتحوّلت إلى منظومة لا أخلاقية تستهدف أبناءها وتصنع متوالية من الرعب الذي لا ينتهي، أو في الشهادة على الواقع وتصوير كوابيسه في عمّان المليئة بالتشوّهات والاستلاب إلى روح لا تشبهها.

لم يشتمل باب مقالات سوى مقال واحدة بعنوان "الحياة وقصتها"، رغم أن هذا الفن الكتابي وفّر لصاحبه شهرة واسعة لدى شريحة واسعة من القرّاء العاديين الذين لم يطلعوا على كتاباته لكنهم كانوا متابعين لعموده اليومي، الذي كان قادراً على مزج اغترابات الفرد وهلوساته بتساؤلات الجماعة بلغة تبرع في تجسيد فائض التيه والحيرة والإحباطات بوصفها معطى فردياً يهمّ الجميع وليس كاتبها فقط.

يدوّن الرزاز في هذا المقال: "انتهت قصة حياتي وقد اجتزتُ ثلثي عمري فقط. انتهت بعد معارك ضاربة هزمت فيها كلها، لكنني انتصرت في الحرب. انتهت قصة حياتي عام 1994 حين ربحت الحرب بعد ما خسرت المعارك وخرجت من الميدان مثخناً مظفراً، فكتبت ثلاث روايات، ثم تبينت موتي الأدبي المعنوي مع مطالع 1998".

في الموقع أيضاً، باب مخصّص لمن كتبوا عن مؤنس، ومنهم بهاء طاهر وإبراهيم عبد المجيد وإدوار الخراط وإلياس فركوح وبول شاؤول وفخري صالح وجمال الغيطاني وآخرون، وباب آخر للدراسات التي أُلّفت حول تجربته مثل "الأعرابي التائه" لغسان عبد الخالق، و"هاملت عربي" (مؤلّف جماعي)، و"البناء الفني في روايات مؤنس الرزاز" لنوال مساعدة، لكن باب "مقابلات" لم يثبّت فيه مقابلة واحدة مع الروائي الراحل حتى اليوم.

ثمة باب يكشف عن كتابات الرزاز للطفل التي صدرت في سلسلة من أربعة كتب تعرّف بالألوان في نصوص ألّفها حول الأصفر والأحمر والأخضر والأزرق، وآخر تضمّن لوحاته التي رسمها في أواخر حياته وركّز في معظمها على الوجوه، وتبدو أهميتها كوثيقة بصرية تكشف أكثر عن الحالة النفسية لديه خاصة أنه رسم نفسه في أكثر من عمل، وكانت نظرة الشخصيات الأخرى التي رسمها هي شغله الأساسي، وهي تبدو متبعة ومرهقة وربما يائسة، ومحبوسة أيضاً في واقعها.

في ألبوم الصور، نُشرت خمس عشرة صورة فوتوغرافية لمرحلة الطفولة من حياة مؤنس، الأقدم منها لطفل في العامين من عمره تقريباً، والبقية مع أفراد الأسرة وصورته على وثيقة مدرسية. لا يزال الموقع في طور التحديث، ويلزمه استكمال بعض أبوابه خاصة في تضمين المقالات كاملة، وإضاءة مساحات غائبة حتى اليوم، منها الإشارة لمخطوطه الأخير "السيرة الجوانية" الذي لم ينشر في كتاب حتى اليوم، وفيه اعترافاته الاكثر جرأة وحول علاقة المثقف بالسلطة، ومكاشفاته الأوضح حول المرأة وحياته العاطفية وتقلباتها التي تركت تأثيراً بالغاً على حياته، وتفاصيل ثرية وعميقة حول نوبات الكآبة التي سيطرت عليه وازدادت حدّتها في السنوات الأخيرة.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون