مع غزّة: محمد بكاي

مع غزّة: محمد بكاي

03 مايو 2024
محمد بكاي
+ الخط -
اظهر الملخص
- الأكاديمي الجزائري يعبر عن تأثير الأحداث في غزة على حياته، مشيرًا إلى كشف العدوان لأوهام الأنظمة الغربية وتأمله في كيفية العيش بعالم يسوده الظلم.
- يؤكد على دور الفكر والإبداع كأسلحة موازية للمقاومة، مستحضرًا دراسات ما بعد الاستعمار للتأكيد على غطرسة الأنظمة الكولونيالية ويعبر عن إيمانه بقدوم التغيير بعد "سقوط أقنعة" العالم.
- يختتم برسائل مؤثرة لأهل غزة والإنسان العربي، مؤكدًا على أهمية الصبر والأمل والعلم في مواجهة الظلم، ويعبر عن تفاؤله بمستقبل أفضل لأطفال فلسطين وخصوصًا الطفلة دارين البيّاع.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة، وكيف أثّر في إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "لنستحضر دراسات ما بعد الاستعمار التي عرّت غطرسة الغرب"، يقول الباحث والأكاديمي الجزائري.



■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- هي في الواقع هواجس يصعب تطويقها وكشوفاتٌ يتعذّر حصرها، هواجس عن عري عالم بذيء وشنيع، وعن خزي الإنسانيّة وتخاذل الشعوب العربيّة والإسلاميّة وعار أنظمتها. أنْ يتحوّل ليلك ونهارك إلى كابوسٍ معتم، لكنّه يرفع أيضًا الحُجب عن كثيرٍ من الأوهام والأغاليط التي تسرّبت إلينا، عبر الشعارات والمقولات والمبادئ الوهمية التي تُسوّق لها الأنظمة الغربيّة العنصريّة. هاجسي هو كيف باستطاعتنا العيش في عالمٍ ذميمٍ وحقير، تُلبّد سماءَه سحبٌ من الظلم والظلمات وتكميم الأفواه وسفك الدماء؟


■ كيف أثّر العدوان في حياتك اليومية والإبداعية؟

- في الظرف الرّاهن، تبدو آثاره على الشقّ اليوميّ أعمق من نظيره الإبداعيّ، وكأنَّنا ما زلنا تحتَ وطأة الصدمة، صدمة إبادة شعبٍ أعزل على بكرة أبيه. الأثر الحالي هو أن تبقى طريح الانفعالات والاختلاجات الداخليّة، وأحيانًا الصلوات والابتهالات. لكن ذلك سيجلب آثارًا على مختلف قطاعات الحياة؛ ستتغيّر نظرتنا وفكرنا وتدابيرنا وأساليب الكتابة والتعبير، حتمًا ستصبح أكثر صلابةً ومقاومةً وضراوةً أمام هذا المدّ الوحشيّ للعنف والتغطرس الإسرائيلي - الأميركي. 


■ إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- الفكر والإبداع لا يقلّان أهمّيةً عن المقاومة بالسلاح كما هو معروف، هما متساوقان ومتكاملان، ويأتي الإبداع لفضح ما خفي من سياسات الكراهيّة المبطّنة ومنطق الأكاذيب الملفقة في خطابات الغرب. فلنستحضر دراسات ما بعد الاستعمار التي عرّت غطرسة الأنظمة الكولونيالية وإرهابها وقمعها للشعوب المحتلّة. لطالما رأينا الإبداع في شتّى العصور ينتصر للمهمّشين ويسمع أصواتهم وينقل رسالاتهم عبر الفنّ والكتابة والفكر والنقد.

سيجتاح التغيير هذا العالم بعدما أسقطت غزّة جميع أقنعته

■ لو قيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- يبدو أنَّني سأجنحُ إلى المسار ذاته، فعبر تخطيطات الكتابة نودّ إسماع ما ظلّ مكتومًا بداخلنا، نجعله يصرخُ وينتفضُ خارج جُدران النظام والمألوف والمعتاد. بالحرف أو اللون أو الموسيقى نشق لأنفسنا دروبًا أكثر امتدادًا صوب الحريّة والأمن والتفاهم. طبعًا العمل السياسي النزيه أو الإنساني النبيل أو النضالي الباسل لا يقل أهميَّةً عن الإبداع -كما أسلفت- في رفع الغبن عن المقهورين ونقل همومهم إلى دوائر أوسع.


■ ما التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- هو أن يعيد النظر إلى إنسانيَّته بشكل جذري، ويمنح الحريّة للمستضعفين، وتُعاد الأرض المسلوبة لأهلها. وعلى العالم الغربي، بما يتمتّع به من قوّةٍ وسُلطان، ألّا يكيل بمكيالين، وأن يكون صادقًا في خطابه ومخلصًا للمبادئ الإنسانية التي أرسى أسسها وروّج لها، وأن يجنح للسلم لا للقتل والدمار. ما يحدث في غزّة من إبادةٍ مُمَنهجةٍ للبشرِ والشجرِ والحجرِ، فضحٌ شاملٌ لزيف الأنظمة الغربيّة وتطرّف ساستها وعنصريتهم التي لا غبار عليها. ما أراه هو تغييرات ستجتاح هذا العالم بعدما أسقطت غزّة جميع أقنعته.


■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟ 

- في الحقيقة هي شخصية مقاومة من تاريخ تحرير بلادنا (الجزائر)، هو المناضل الشهيد العربي بن مهيدي (1923 - 1957). منذ طفولتنا، خُلّدت ثورة التحرير في أذهاننا وحفرت مكانًا في أنفسنا، ولأسماء الشهداء وقصصهم أثر يصعب محوه. نظرات العربي بن مهيدي وابتسامته في إحدى الصور وهو مكبّل المعصمين يُقاد إلى حتفه، تبوح بكثير من الدلالات وتنقل عدّة رسائل ودروس عن التضحية لأجيال الغد. ابتسامة النصر المخلّدة هي استشعار لحريّة، ولو كانت مرجأة، لأنه كان على يقين بأنّ النصر آتٍ لا محالة. 


■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟

- دروب الحريّة مضرّجة بالدماء. ما يحدثُ لغزّة أفرغنا من كلّ الكلمات، ربّما لأهل غزّة كلمة يوجّهونها لنا في صمتهم المقدّس، بعد أن أصبحنا مسوخًا ومعطوبين، بصراحة نشعر بالعار والخزي من أنفسنا. أمّا أنتم يا أهل غزّة، فقد انتصرتم بصبركم وجلدكم قبل أن يأتي نصركم بتحرير وطنكم.


■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- هي لحظة فارقة نعيشها اليوم، فلنُفق من سباتنا ونراجع ذواتنا. كلّ شيء أصبح شفّافًا الآن، فلنراهن على عقولنا وعلى بناء أنفسنا، ولنكن أكثر واقعيّةً وأداتية، صادقين مع واقعنا ولا نلهث وراء الأكاذيب والضلال. علينا بالعلم لبسط وجودنا في عالم مفترس، أفَلَت فيه شمس الحق.


■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان: ماذا تريدين من العالم؟ أجابت: "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي". ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟

- "اللهم لطفًا بقلوبكم وبحالكم". لا يمكن وصف العذاب والألم الذي نتجرّعه يوميًا، نحن نعيشُ عذابًا مضاعفًا. ما نقوله لدارين وغيرها من أطفال فلسطين أنَّ الصبر اجتباكم ومن أعياه الألم أحياه الأمل، فأنتم أكثر قوّة وعزمًا منّا. ربما صدوركم أكثر اطمئنانًا من صدورنا التي أثقلها هول ما ترى، لكنّها تتخبّط في العجز وقلّة الحيلة والعزم. 

حتمًا سينبلج الفجر ليَأذن بيوم تعبق فيه أمانيكم وآمالكم.



بطاقة

أكاديمي وباحث ومترجم من مواليد مدينة تلمسان في الجزائر عام 1986، حاصل على الدكتوراه في علوم النقد الأدبي ما بعد البنيوية من "جامعة تلمسان"، يعمل أستاذًا محاضرًا في "معهد الآداب" واللغات بـ"المركز الجامعي" فيها. صدر له: "أرخبيلات ما بعد الحداثة: رهانات الذات الإنسانية من سلطة الانغلاق إلى إقرار الانعتاق" (2016)، و"جاك دريدا فيلسوف الهوامش" (2017)، و"التفكيك وفسيفساء المعنى" (2018)، و"جدل النسوية: فصول نقدية في إزاحة الدوغمائيات الأبوية" (2019)، و"في إزاحة التخوم" (2021)، و"حفريات الخطاب: مقالات في منطق المعنى وحدث القراءة" (إشراف وتحرير وتقديم/ 2021)، و"مديح الاختلاف" (2022)، و"متاهات جاك دريدا" (2023). له في الترجمة: "قاموس النقد الأدبي" (2021) لجويل جارد طامين وماري كلود هوبر، و"التفكيك عن قرب، التفكيك عن بعد" لجاك دريدا (2023).

مع غزة
التحديثات الحية

المساهمون