"تردّدات" شنيار عبد الله.. خزَفٌ يستلهم حضارات العراق القديمة

"تردّدات" شنيار عبد الله.. خزَفٌ يستلهم حضارات العراق القديمة

03 سبتمبر 2023
من المعرض
+ الخط -

قد يكون الإطار المِهني الذي أخذه الاشتغالُ على الخزف، عبر التاريخ، بوصفه حِرفةً فقط، هو ما زحزح علاقة هذه المادّة بحقول التشكيل والنحت على تعدُّد مستوياتها، ولكنّ الفنّان العراقي شنيار عبد الله (1945)، يُعيدُنا من خلال معرضه "تردُّدات الخزف"، الذي افتُتح الاثنين الماضي، ويتواصل حتى الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر الجاري، في "غاليري الأورفلي" بـ عمّان، إلى مُحاولاتٍ نَحتيّة جديدة تندمج بالرؤية التجريدية للفن.

ولمّا كانت مادّة الخزف مرتبطة بالصناعة التقليدية والتراثية، فإنّ الجهد الذي يبذُله عبد الله ينصبُّ على الطريقة التي يعبُر فيها من ذلك المستوى الأوّلي إلى آخَر أكثر تركيباً؛ حيثُ تتفكّكُ وسطَه أدَاتيّة المادّة، وتخضع لفعل "الصياغة" بدلاً من "الصناعة". كذلك يسعى للمحافظة على وضع أعمالِه ضمن جوِّها العراقي التاريخي، الذي لا تنفكّ أبعادُه الحضارية عن إلقاء ظلالها على منحوتاته، وتحويلها إلى امتدادٍ لما نراه في المتحف عادةً، من آثار الحضارات السومرية والبابلية والأكادية، وبهذا يكتمل الوجه التراثي المُلهِم للمعرض.

الصورة
من المعرض - القسم الثقافي
(من المعرض)

في هذا السياق، نرى منحوتاتٍ أشبه ما تكون باللُّقى الأثرية، وصياغاتٍ تُحيل إلى جسدٍ بشريٍّ مبتور الأطراف أو مُهشّم، وكأنّه خرج من تحت الأرض بعد عملية حفرٍ ونبشٍ عميقة، تحملُ في طيّاتها كلّ تأثيرات الزمن وعوامله الثقيلة، التي تُذكّرنا أيضاً بتقنيات الطبيعة، عندما تأخذ في حتِّ الصخور القاسية، تقنياتٌ قد تستغرق ملايين السنين؛ إلّا أنّ أثرها المُوظَّف في المعرض، هو ما يُسهم في إضفاء الطابع المُنمنماتي على بعض الأعمال، وذلك على عكس الجداريات التي عُرِفَ الفنّان بتوقيعها. 

منحوتات أشبه بلُقىً أثرية تخرج من تحت الأرض بعد حفرٍ عميق

أما الوجه المُقابل للتراث، أي الحداثي، فأبرز ما تتجلّى عناصرُه في الأشكال النهائية التي تأخذُها الرُّقَاقات المُسطَّحة، والكُرَات ذات النتوءات والنقوش المُتكرّرة، التي يعتمد عليها الفنّان بقوّة. هُنا، تُصبح الهندسة بأشكالها المُتعدّدة، هي ما تَنشَدُّ الرُّؤية الفنّية إليها، لكن مِن دون أن تخرُج هذه الأشكال عن إطارها الدائري العامّ، بل أحياناً يتطلّب الأمر عملية تدقيق أكبر حتى نكشف عن الشكل الذي تُخبّئُه الدائرة داخلها في لُعبة تغوص فيها الدوائر بعضها ببعض.

الصورة
من المعرض - القسم الثقافي
(من المعرض)

كذلك، تعكس الألوان بدورها طبقات العُمق التي يتوخّاها الفنّان في مَنحوتته، ورغم أنّ نصيب التشكيل من الألوان قد يكون أكبر من النّحت، إلّا أنّ في "تردُّدات الخزف" مقداراً لونياً ليس قليلاً، وإنْ ظلّ يتكسَّر ويتدرّج بين طبقات من الأبيض والرمادي، في محاولة للعودة إلى لون الأرض ذاته، ذي الصبغة المُحايدة.

يُشار إلى أنّ عبد الله قد حصل على شهادة البكالوريوس في الفنون من كلية الفنون في "جامعة بغداد" عام 1968، والماجستير من "جامعة ميتشغان"، ويُعدّ من الجيل الذي تتلمذ على يد عدد من روّاد التشكيل العراقي، مثل حسن شاكر آل سعيد وإسماعيل فتاح الترك وإسماعيل الشيخلي.

المساهمون