ألم أقل لكم

ألم أقل لكم

18 اغسطس 2021
علي صلاح بلداوي/ العراق (جزء من لوحة)
+ الخط -

أنتَ تصلحُ لكل شيءٍ يا أخي

قبل أن ينزلوني إلى هنا
وضع أحدهم يده على كتفي
وقال: أنتَ تصلحُ لكلِ شيءٍ يا أخي.

وقتها وجدت نفسي في الأسفل
بابًا للسور الذي يحيط بالمدينة
فانوسًا يحارب عتمة الزقاق
شعلةً تهدّد ما جاء من عواء الذئاب.

في أيام الحرب
ووضعوني هناك
على الضفّة بين الموت والرجال
حتى أنه لم يتبقّ في هذا الجسد الذي يمتدّ طويلًا
- مثل رجلٍ عملاق ينامُ على يديه نومة الظهيرة -
أيّ مكان للرصاص.

أمّا الآن
فأنا أعمل على طريق المقبرة
دليلًا للأموات الذين يضيّعون الطريق أحيانًا
وسائق أُجرةٍ للذين يقودهم الحنين الى البيت
وعندما لا يجدون ما يكفي من التوابيت
يأخذوني ويضعون في داخلي ما تيسَّر من الأموات.

ألم أقل لكم
إنه وضع يده على كتفي وقال:
أنت تصلح لكل شيء يا أخي.


◼️◼️◼️


تساؤل

في سهراتهم اليومية
وقت يتبادلون الأغاني
والكؤوس
والأحاديث الدافئة
وقتٌ يشاهدون مأساتنا من ثقبٍ صغير في القبر

هل يفكر الموتى
بخطةٍ لإنقاذنا؟


◼️◼️◼️


مختصر سيرة الأصابع

في البدء
كانت الأصابعُ مشطًا
لشَعْرِ امرأة
لكنها خدعتنا ولم تأتِ.
ثم صارت شموعًا
لا تذوب، فقط تحترقُ
لتضيءَ ليلًا، وطريقًا للذين ننتظرهم ولم يصلوا.
ثم تحوَّلت في أحد الصباحاتِ الى ناياتٍ
يُقيم فيها اليأس، ويبني مقطوعاته الحزينة.
ثم أصبحت في ما بعد
إشاراتَ مرورٍ للموتى
ومعاول لحفّاري القبور
وTNT للجنود
ومسامير للمصلوبين على أبواب حبيباتهم.

كلّ هذا التَشَرّد في حياة الأصابع
بسبب المرأة التي لم تصل أول الأمر.


◼️◼️◼️


آهـ

كم كان متعبًا
ذاك الذي اختصر أحزاننا الشاسعة
بحرفين.


◼️◼️◼️


همومنا تكفي

أيها الذئبُ الذي لم يمزّقْ قميصَ يوسف 
خذْ جسدي ومزّقه كيفما تشاء
أيها الجبّ
الذي لم يبتلع يوسف الى الأبد
خذني وابتلعني إلى الأبد
يا أخناتون العظيم 
لا تزرع الحنطة خوفًا من القحط للعام القادم
هموننا تكفي حتى النهاية.


◼️◼️◼️


قميص واحد لإخوة أربعة

لأنّنا كنّا فقراء
لا نملك ثمنًا لشراء الملابس
كنّا نتناوب على قميصٍ واحد
نحن الإخوة الأربعة
يرتدي أخي الأكبر القميص
فنبقى نحن عراةً في البيت
وهكذا يعود أخ ويخرج آخر.

مرّةً خرج أخي ولم يعد
قالوا إنه طار الى السماء
لكنه نسي أن يترك لنا القميص
لم يفكّر كيف سنخرج إلى الشارع.

حسنًا
نحن الآن عُراة في البيت
وأخي يمرح بقميصنا في الجنة.


◼️◼️◼️


لا تجرّب

جرّب أن تكون مرّةً طيرًا
ومرّة جدارًا
ومرّة شجرةً
ومرّة تمثالًا
ومرّة قاربًا
ومرّة عاشقًا
ومرّة ميتًا
ولا تجرّب أن تكونَ حافلة
تنقل الجنود إلى الحرب.


◼️◼️◼️


هَمْ

الذي تذكر صوتكِ هذا المساء
دخَّن قصيدة طويلة
ونسي كيف يطفِئُها.


◼️◼️◼️


من أمنيات الفزّاعة

أريد أن أركض معكِ في الحقل
تاركًا خلفي كل هموم السنابل وصراخها
أركض متخفّفًا من دبيب النمل 
الذي لا يتعب من حفر مستعمراته في رأسي
ومن ثقل الغربان التي تشحذ نعيقها في أذني.

الكثير من النسوة العابرات إلى النهر
دسسنَ في جيبي ما حَفِظنَه من غزلٍ قديم
وما ردّدنه من أغانٍ لعشاقهن العائدين من الحرب
أريد أن أقرأها لكِ
حتى وإن كان لساني خشبة
وشفاهي مغلقةٌ بأعشاش الحمام.

يحزنني أن أقول هذا
وأنا فزّاعة الحقل الصامتة
وأنتِ التي كلما اردتِ
أن تمسحي عرق جبينكِ لتكملي نحر العشب
غرزتِ منجلكِ في ظهري.


◼️◼️◼️


كانت خدودكِ تتوردُ رغمًا عن التراب

كان كلّما يكتبُ قصيدةً جديدة
يقصدكِ ماشيًا على رأسه
كما لا يفعل الناس
حاملًا بضعة أنهارٍ في عيونهِ ليروّض جفاف الأرض
وفي يديه باقة يأسٍ سيجعلها تنساب على ضفافكِ.

يقرأُ فتحطّ الطيور المهاجرة
على غير عادتها
ويمدّ الموتى آذانهم من الفتحات الضيّقة.

وبينما كانت خدودكِ تتورّد رغمًا عن التراب
كانوا يسألونك:
من هذا الذي يحبكِ
رغم أنكِ ميّتة.


◼️◼️◼️


دليل

وضع حقائبه على الأرض 
والتفتَ إلى الخلف
لكنه لم يجد أحدًا ليودّعه
ولم يجد أحداً يسكب خلفه طاسة الماء
ولم يجد أحدًا يسأله: إلى أين؟

وقبل أن يرحلَ
لم يجد أحداً يسأله عن الأثر الذي سيوصلهم به
إذا تذكّروه يومًا
لكنه أجاب من دون أن يسأله أحد: 
من الدموع 
من الدموع.


* شاعر من العراق

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون