عن أخت النار وتمزيق الخيوط والبقاء في المرآة

عن أخت النار وتمزيق الخيوط والبقاء في المرآة

29 يوليو 2021
+ الخط -

ـ "من نافذة ليست نافذتي، ولا يمكن لها أن تكون، أنظر إلى زهور برتقالية متوهجة وأفكر في النار، في قوتها وعنفوانها، فأدرك أنها يسعها التهام أي شيء تقريباً، لكن ثمة أشياء لا يمكن للنار التهامها، أشياء تظل معنا وتنتهي فقط إن احترقنا نحن. لا يسع النار أن تفعل شيئاً حيال الذاكرة مثلا. تخبو الذاكرة فقط من داخلها، تقتات على ذاتها، وتتواطأ مع النسيان ضد نفسها إن راقها الأمر ورغبت في التلاشي والخفوت، تماماً مثل شعلة تخفت على مهل إن لم تجد ما يؤجِّجها من ريح ووقود. الذاكرة أخت النار ورفيقتها، لكنها أختها الوديعة الباردة، غير الراغبة في لفت الأنظار إلى قوتها وما يسعها فعله. هي ظل النار إن شئتم".

منصورة عز الدين من رواية (بساتين البصرة)

ـ "سهلٌ أن تفهم ما يظن الناس أنهم يفعلونه، كما لا يصعب على الفطرة السليمة اكتشاف ما يقصدونه حقاً، وما يذخرون به عادة من خدع وحيل وابتزاز عاطفي ومكر إجرامي بمختلف الطرق الممكنة، ليس جديرا بالدراسة".

من رواية (الفعلي) لـ سول بيلو ترجمة رزان يوسف سلمان

ـ "كلما سأل الناس عن الوطن أكثر، تاهوا أكثر، وقبل السؤال كان الجميع يعرف ما تعني الأرض، وما يعني المكان، وما يعني الماضي والمستقبل، كان الجميع مصدراً للأمان، وفجأة صار يبرر وجوده، وينفي أصوله، أصبح المجتمع ينكر روافده، ويبحث عن نقاء ثقافته التي لا يزال يسأل عنها".

مصطفى الحسن من رواية (المعطوب وآكلو الورق)

ـ "لا يتطلب الأمر الكثير كي ينهار كل شيء: أقل نوتة خارج اللحن، حركة فظة أكثر من اللزوم، عندها ستتفتت السعادة، سيعودان إلى ما اعتادا أن يكوناه أبداً، عقداً ما، شيئاً ما اقتنياه، شيئاً هشاً مثيراً للشفقة، لحظة راحة، فسحة التقاط أنفاس تعيدهما بعنف إلى وضع خطير، وضع مرتبك في وجودهما وتاريخهما".

من رواية (الأشياء: حكاية من الستينيات) لـ جورج بيريك ترجمة محمد فطومي

ـ "في كل مكان عمل، ثمة حكايات عن هؤلاء الذين مزّقوا خيوطهم، حكايات يتم تلقينها للعمال الجدد، حتى يدركوا عواقب عدم الاستسلام للخيوط. منهم من ظل يحوم حول مقر عمله بدون أن يستطيع الدخول، فتمزيق الخيوط يعني فقدان كل الاتجاهات، ويتم العثور على جثته بعد فترة في أحد الشوارع المحيطة بمقر عمله، ومنهم من يؤثر الانتحار في هدوء، وهناك من يبتعد كثيراً. ربما يغادر البلاد، وهناك في البلاد الأخرى يصبح مشرّداً، يجلس تحت الكباري وفي المباني المهجورة يتحسس الهواء عسى أن يعثر على خيط يعيده إلى مداره البعيد. وهكذا تعمل الحكايات على تثبيت الخيوط أكثر حول أجساد العمال الجدد".

محمد فرج من كتاب (مياومة: هايكو عامل معاصر)

ـ "لم أتمكن من الولوج إلى تلك المرآة وأرسل من داخلها ذاتي ذات الستة عشر ربيعاً لتأخذ مكاني. حتى تلك اللحظة كانت موجودة هناك دائماً، مهما بدا أنني تغيرت، مهما كان تعليمي عظيماً، ومهما تغير مظهري، فأنا ما أزال هي، وفي أحسن الأحوال فأنا شخصان، عقل متصدع، هي في الداخل وخرجت عندما اجتزت عتبة بابي. في تلك الليلة ناديتها ولم تجبني، تركتني وشأني. بقيت في المرآة. ولم تعد القرارات التي اتخذتها بعد تلك اللحظة نفس القرارات التي كانت ستتخذها، وإنما اختيارات شخص تغير، ذات جديدة. يمكنك أن تطلق على هذه الذات أشياء كثيرة. تحوّل. انسلاخ. زيف. خيانة. أما أنا فأدعوها التعليم".

الكاتبة الأمريكية تارا ويستوفر من مذكراتها (المتعلمة) ترجمة خالد الجبيلي

ـ "العبارة التي تصف ضوء القمر هي ضوء القمر"

من رواية (فنانة الجسد) لـ دون ديليليو ترجمة أسامة منزلجي

ـ "سمعت عمر بن هبيرة يقول: اللهم إني أعوذ بك من عدو يسري، ومن جليس يغري، ومن صديق يُطري".

الجاحظ في (البيان والتبيين)

ـ "في الثورات وكذلك في الثورات المضادة والحروب الأهلية، تأتي لحظة مهمة يدرك فيها الناس فجأة أنهم انفصلوا على نحو لا يمكن الرجوع فيه إلى العالم الذي عرفوه وقبلوه طوال حياتهم، وبالنسبة إلى مختلف الطبقات والأفراد، يأتي هذا الوميض في فترات متعاقبة عند انهيار النظام السائد. وهناك كذلك لحظات وقرارات فريدة ـ اجتياح القصر، الإطاحة برأس الملك، وفي المقابل تنصيب الديكتاتور الثوري ـ لا عودة بعدها، ومن خلال تلك الأعمال تصبح الجريمة الجديدة أساس الشرعية الجديدة، وتصبح قطاعات كبيرة من الشعب جزءاً من النظام الاجتماعي الجديد".

من كتاب الأصول الاجتماعية للدكتاتورية والديمقراطية لـ بارينجتون مور جونيور ترجمة أحمد محمود

ـ "ولولا أن الفائدة أبقاك الله في سماع هذه الأشياء ومعرفة هذه الأحوال، أضعاف الفائدة في الإضراب عنها لكان السكوت ممكناً، والإمساك مستطاعاً، والسلم واقعاً، والاعفاء سهلاً، ولكن الخيرة لا تقع، واليقظة لا تحدث، والتجربة لا تستحكم، والطبع لا يرتاض حتى تتصفح الأمور، وتتعقب الدهور وتأخذ نصيبك من الاعتبار، وتبعث همتك على محمود الاختيار.

أبو حيان التوحيدي في (مثالب الوزيرين)

ـ "كل فضح تصحبه نشوة، وكل نفي لهو مغامرة، الذين يعيبون عليّ كوني مبطلا، أدعوهم إلى أن يحاولوا فقط، هم أيضا، أن ينفوا، ليدركوا أن الأمر ليس هينا ولا من البساطة كما يتصورون. في كل ممارسة فكرية أو عملية حادة تحصل بالطبع نشوة ما، وإلا لما حصل النفي نفسه، لو كان النفي قبيحا ومنفرا لأعرض عنه الناس وتجنبوه."
ويليام سيوران من حوار له مع الأديب المغربي سالم حميش

ـ "وعاد في طلب المطلوب تاركه
إنا لنغفل والأيام في الطلب 
وما قضى أحدٌ منها لُبانته
وما انتهى أربٌ إلا إلى أربِ
 تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم
إلا على شَجبٍ والخُلف في الشجب 
فقيل تخلُصُ نفس المرء سالمةً
وقيل تُشرك جسم المرء في العطبِ 
ومن تفكّر في الدنيا ومُهجتِه
أقامه الفكر بين العجز والتعب"

أبو الطيب المتنبي

ـ "هذه هي الحياة، أليس كذلك؟ بعض الإنجازات وبعض الخيبات، لقد كانت الحياة ممتعة بالنسبة إليّ، ولكن لن أتذمر أو أدهش إذا ما وجدها آخرون أقل متعة، ربما، بطريقة ما، كان أدريان يعرف ماذا يفعل عندما انتحر، هذا لا يعني أنني مستعد لأن أفقد حياتي لأجل لا شيء، أنت تدرك ما أعنيه. لقد بقيت على قيد الحياة، "لقد عاش ليحكي القصة"، هذا ما يقوله الناس، اليس كذلك؟ إن التاريخ ليس أكاذيب المنتصرين، كما أكدت بحماقة ذات مرة، أعرف ذلك الآن، إنه أكثر من ذلك، ذكريات الباقين على قيد الحياة ومعظمهم لا هو منتصر ولا منكسر".

من رواية (الإحساس بالنهاية) للروائي البريطاني جوليان بارنز ـ ترجمة خالد مسعود شقير

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.