عن الإخلاص والتسوق الإلكتروني والدعاء لمصر وتفاصيل أخرى

عن الإخلاص والتسوق الإلكتروني والدعاء لمصر وتفاصيل أخرى

01 أكتوبر 2019
+ الخط -
- إذا كنت تشعر بالحزن لأن هناك من لم يعجب بعملك، ولم يتفهم رأيك، ولا يطيق أصلاً رؤيتك، ربما يخفف عنك كثيراً أن تعرف أن هناك ستمائة وستة عشر شخصاً حتى الآن اختاروا الضغط على زرار "ديسلايك" لأغنية (رق الحبيب) للست أم كلثوم.


ـ أحتاج إلى تنبيهك وأنت تدعو "اللهم احفظ مصر" إلى أنك لو كنت تقصد أن يحفظها الله بحالتها الراهنة هذه، فأنت تدعو عليها وليس لها. ربما كان من الأفضل لو دعوت: "اللهم ارحم مصر من عذاباتها"، أو "اللهم أصلح أحوالها"، أو "اللهم صبّرها على ما ابتليتها به"، لكن إذا كنت قلقاً من أن تعتبر هذه الدعوات تحريضاً على الفوضى، فيمكن أن تكتفي بدعاء "اللهم وفّق مصر واكرمها آخر كرم وكمّلها لها بالستر من عندك يا رب"، يعني باختصار ادع بما شئت، وبلاش حكاية "اللهم احفظ مصر"، لأن حفظها في هذه الحالة هو دعاء عليها بالهلاك.

ـ البقاء للأقوى.. على كتم الشخرة.

ـ في مرحلة مهلكة كهذه، يظل من أهم مؤهلات النجاة ـ ولو نظرياً ـ التعامل مع الأشياء بوصفها مؤقتة، ولذلك إن وجدت في نفسك رغبة حادة في إطلاق حكم تاريخي نهائي، لا تمانع في مراجعته إن جاءتك الفرصة، لأنه لا يصح لشخص منتهٍ بحكم الضرورة، أن يصدر حكماً نهائياً.

ـ الإخلاص وحده لا يكفي دون تعقل. العاطفة وحدها يمكن أن تكون مدمرة. الاجتهاد بدون ضبط للنفس يمكن أن يوديا بالمرء إلى التهلكة. دروس مستفادة من تأمل تجربة البطلين التراجيديين الشقيقين التوأم إبراهيم وحسام حسن، تلك التجربة التي لا تغيب عن ذاكرة أبناء جيلي، حتى وإن خفت صخب الشقيقين وقل ذكرهما.

ـ المنشكح لا يصل.

ـ في مناخ يسوده الخوف والغضب، تعبر آراء الإنسان عن أعصابه وليس عن عقله، ستجد هذا لدينا ولدى غيرنا مهما بلغ "تقدمهم". لكن حين يكون هناك مجتمع حي ومجال عام منفتح وسياسة يمارسها الكل؛ كل ذلك يساعد على تقليل تحكم الأعصاب في المناخ العام، وتحدث فرملة لحالة الجنون التي تسود المجتمع، والتي تعيد الإنسان إلى الحالة البدائية التي يلغي فيها عقله لتتحكم فيه غرائزه. لكن، حين تعيش في مجتمع "مدفون بالحيا" ومجال عام مخنوق وعسكرة للسياسة وتأميم لأي نشاط أهلي، يحدث ما تشاهده حولك الآن ومنذ سنوات، حيث يصبح المطالب بالعدل والحرية خائناً وانهزامياً، ويصبح الكلام عن العقل وتحكيمه والقانون وضماناته خنوثة سياسية و"شمّ كلّة"، وينسى المتحمس لسحق الخصوم وإسكات الأصوات المعارضة، أن الظروف المتغيرة والدنيا الدوارة يمكن أن توقعه في المستقبل في مأزق سيحتاج فيه إلى العقل والعدل والحكمة والقانون وضماناته، وسيدرك أن تلك الأشياء التي كانت تضايقه جداً، هي وحدها أمله الأخير في النجاة.

ـ أول تجربة لي مع التسوق الإلكتروني كانت قبل سنوات مع موقع تسوق مصري كان وقتها الأشهر والأكبر، حاولت أن أشتري منه مروحة بالشحن تعمل عند انقطاع الكهرباء مع كشاف طوارئ، للتغلب على مشاكل انقطاع الكهرباء المتكررة، وبعد مقارنة مستفيضة بين كل المراوح المتاحة، وبعد الابتهال إلى الله ألا تكون المروحة التي اشتريها مضروبة لكي لا أضطر لرميها، لأنني أعقل من إضاعة العمر في محاولة إرجاعها، فوجئت بتهنيج مفاجئ للموقع الواقع، وهو ما كان يعني ضرورة البدء من جديد في عملية البحث عن المروحة التي اخترتها ثم إدخال بياناتي من جديد.

ومن باب تخفيف الغضب، قررت معابثة الموقع وكتبت في خانة البحث فيه عبارة "شخّارة بالكهرباء"، لعلي أضحك حين أقرأ على الشاشة عبارة "لا يوجد لدينا الآن شخّارة بالكهرباء"، مثلما يظهر على الشاشة حين تبحث عن سلعة غير موجودة، بل ولمعت في ذهني فكرة هايفة تدعوني لأخذ "سكرين شوت" للعبارة ونشرها على حسابي للهزار مع الأصدقاء، ولعن سنسفيل خدمة الموقع السيئة. لكن المبرمج المصري البارع للموقع كان على ما يبدو قد "اتلسع" كثيراً من أمثال هذا الطلب، لذلك لم يترك للعابثين فرصة للضحك على الموقع، ولذلك حين تكتب "شخارة بالكهرباء" في خانة البحث، ستظهر لك فوراً عبارة "لا توجد لدينا الآن نضارة بالكهرباء".

ـ لا يوجد أي أمل في بداية جديدة، إلا بعد أن نخرج من مرحلة "ما همّ اللي ابتدوا".

ـ "أفيقوا فنحن نسقط من الهاوية" عبارة للمدون شادي العدل. أعجبتني منذ أن قرأتها وكتبتها في أحد دفاتري، وبالأمس لاحظت أن عمرها الآن يقترب من عشر سنوات.

ـ "صدقني يا عبدالفتاح، من الممكن أن تسيطر على دولة، لكن سيكون من الصعب جداً أن تسيطر على خرابة؛ فالخرابات تدار بالتوافق وليس بالسيطرة، بالطبع يحدث أحياناً أن يقتنع سكان الخرابة أنك قادر على إصلاحها، وحينها سيقبلون أن تتحكم فيها، وحين يلاحظون أنك بدأت في إصلاح الخرابة، قد يعطيك بعضهم ولاءه إلى الأبد، لكنهم لن يقبلوا أن تتحكم فيهم حين تزداد أحوال الخرابة سوءا، ويبدو أنك غير قادر على إصلاحها، هل تدرك ذلك أم أنك تظن أن الناس ستحبك إلى الأبد، لأنك تخطب بتلك الطريقة العاطفية الغريبة؟ صدقني لو كانت الحكاية سهلة هكذا يا عبد الفتاح لما لجأ الغرب نفسه إلى بدعة الديمقراطية، ولقام باعتماد الأوتوقراطية منهجاً لإدارة حياته السياسية. حتى حكم الفرد له أصول يا عبد الفتاح".

مقطع من رسالة متخيلة من زعيم كوريا الشمالية إلى عبد الفتاح السيسي نشرتها بتاريخ 8 نوفمبر 2014، ظنها الكثيرون وقتها شطحة، وها هي الآن تبدو كنبوءة.

دلالات

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.