عن مجتمع القلق ومستقبل القسر والحنين إلى الحرية

عن مجتمع القلق ومستقبل القسر والحنين إلى الحرية

19 سبتمبر 2019
+ الخط -
ـ "الأسواق ليست موجودة من تلقاء نفسها، إنها تُصنع داخل الدول، كل سوق في وقته عن طريق خلق هؤلاء المستهلكين، وهذا لن يحدث لو لم يتم تكيُّف الناس بطريقة معينة، عن طريق الإعلام والمؤسسات الدينية والنظام التعليمي، ولا يمكن لأية سيطرة سياسية حديثة، كما لا تستطيع الرأسمالية كنظام اقتصادي العمل بدون هذه المؤسسات وبطريق التباين، الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعمل فيما يبدو هو القسر وحده، ولكن فقط لفترات زمنية قصيرة، ولا يستطيع أي نوع من السيطرة السياسية، حتى الديكتاتورية، البقاء لفترة طويلة على القسر وحده".

بيتر جران من كتابه (صعود أهل النفوذ رؤية جديدة لتاريخ العالم الحديث) ترجمة سحر توفيق

ـ "مجتمع تهشمت فيه أغلبيته وانشطر إلى الدرجة التي ستجعل استمراره على هذه الحال غير متصور دون استخدام العنف وقبول العيش في ظل قوانين استثنائية ودولة بوليسية تطلق فيها يد أجهزة الأمن لإخماد أي تذمر يمكن أن تقوم به الأكثرية الغاطسة ولمنع أي تجمع لها أو القيام بأي مظهر من مظاهر التعبير عن آلامها وآمالها، ولا أظن أن هناك من النُّخَب من يريد أن يرى مجتمعه وقد انقلب إلى هذه الحال، تحكمه قوانين الطوارئ سنة وراء أخرى حتى وكأنها أصبحت قانون البلاد، أو أن يسوده القلق بحيث يضطر للعيش وراء أسوار عالية وفي حماية حرس عام أو خاص، أو أن يقبل أن توقف سيارته عند كل قنطرة وأن يفحص جواز سفره ويحجز كل مرة يصل فيها إلى المطار وأن يرى شوارع مدنه وقد امتلأت بلابسي الخوذ المدججين بالسلاح، فمثل هذه الأعمال فضلا عن تنغيصها للحياة فهي لا تحل المشكلة الأساسية التي تسبب القلق الذي يعيشه المجتمع".

الدكتور رشدي سعيد من مقال له نشر في مجلة (المصور) وجمعه في كتابه (الحقيقة والوهم في الواقع المصري المعاصر) الصادر عن كتاب الهلال نوفمبر 1996

ـ "قال بعضهم: ذمّ رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال علي: "الدنيا دار صدق لمن صَدَقها، ودار نجاةٍ لمن فهم عنها، ودار غِنىً لمن تزوّد منها، ومهبط وحي الله، ومصلّى ملائكته ومسجد أنبيائه ومتجر أوليائه، ربحوا فيها الرحمة، واكتسبوا فيها الجنة، فمن ذا الذي يذمها وقد آذنت ببينها، ونادت بفراقها، وشبّهت بسرورها السرور، وببلائها البلاء، ترغيباً وترهيباً، فيا أيها الذامُّ للدنيا، المعلِّل نفسه، متى خدعتك الدنيا أم متى استذمَّت إليك؟ أبمصارع آبائك في البلى، أم بمضاجع أمهاتك في الثرى؟ كم مرَّضت بيديك، وكم علَّلت بكفيك، تطلب له الشفاء، وتستوصف له الأطباء، غداة لا يُغني عنه دواؤك، ولا ينفعه بكاؤك، ولا تنجيه شفقتك، ولا تشفع فيه طلبتك".

من (البيان والتبيين) للجاحظ

ـ "أنا ما عمجرب أغير شي، وباسحب كل اللي قلته، أنا ما عمجرب أغير البلد ولا عمجرب أغير شي، أنا عمجرب بس ما أخلي ها البلد يغيرني، هايدي واحدة إذا بتضبط معي، يعني انتصار، انتصار لنفسي أولا، وبعدين عا شو ما بدك، عالرجعية والرأسمالية والإمبريالية والقوى المعادية للتطور والتقدم والحرية والديمقراطية، هايدي البلاد هيي اللي بتغير، ما حدا بيغيّرها"

زياد رحباني من برنامجه الإذاعي الشهير (العقل زينة)

ـ "يبدو لي الحج كما لو هو محرك يؤز أزّا قوياً ولكن في فراغ، بلا حركة، يحدث ضجيجاً ويثير نقعاً، وينفث دخاناً بلا فائدة. كان للحج أن يكون محرك العالم الإسلامي ليرسخ المسلمون ارتباطهم بحضارة، ليتعارفوا كما ورد في القرآن الكريم، ليتفاعلوا، أن يكون مؤتمرهم. إن هو إلا جمع متناثر، ما يفرّقه أكثر مما يجمعه، والحجيج موزعون في بعثات ومخيمات، باسم كل دولة، ولن يتغير هذا لأن التغيير خطر."

من كتاب (رُواء مكة) للكاتب المغربي حسن أبو ريد

ـ "حين يكون أغلب المواطنين مهتمين بحرية التعبير، سيكون هناك حرية تعبير، حتى وإن كان القانون يمنعها، أما حين يكون أغلبهم خاملين وبلداء، سيتم انتهاك حقوق الأقليات المختلفة في الرأي، حتى لو كانت هناك قوانين تكفل حمايتها".

جورج أورويل

ـ "سأفكر بالأشياء التي ترحل معي ولا تتركني، لأن العالم لا يقوم خارج الإنسان. خارج الإنسان ثمة وهم العالم وليس العالم. سأفكر بهذه الأشياء التي لا أملك الجرأة في الكتابة عنها ولا يمكنني التعريف بها. لا أملك أو هكذا يبدو موهبة تحويل الأشياء بحيث تبدو أشياء آخرى. هناك أماكن يجب أن تظل غامضة. لا خفية ولا مجهولة. فقط مجردة من ضوء الكلمات."

من رواية (هامر كلافيير) لياسمينة رضا ترجمة نزار آغري

ـ "إن الإعلام لم يعد اليوم يخبرنا عن الواقع، بل أصبح يصهرنا فيه إن صح التعبير. أصبح يحشرنا في الراهن ويغرقنا فيه. أصبح يخبرنا إلى حد التخمة. فعوضاً عن أن يجعلنا ندرك الأحداث في بعدها التاريخي ودلالاتها العميقة، صرنا نضيع في جزئياتها، بل إن الأحداث هي التي أصبحت تضيع وتتحلل وتتفتت. لقد غدا الإعلام أداة لتفتيت الواقع، أداة لإذابة الأحداث وتحليلها الكيماوي وتحويلها إلى مركباتها: تحويل الحروب إلى معارك متفرقة، وتحويل المواقف إلى ردود أفعال متقلبة، والأفكار إلى انطباعات مترددة، والانقلابات إلى سلسلة من الفتن، والاحتلال إلى محاولات إصلاح، بل تحويل الخبر ذاته إلى سلسلة من العُجالات يكذب اللاحق منها السابق."

الدكتور عبد السلام بنعبد العالي من كتابه (ضد الراهن) الصادر عام 2005

ـ "اهتممت اهتماما خاصا بنفسي، إنها الأنانية، فقد أردت أن أحيا عمرا أطول، بينما أنا ما زلت على قيد الحياة، هذا كل ما في الأمر، قد شئت المحاولة فقط، ونحن لسنا بقادرين حتى أن نكتشف إذا كان من الممكن لنا أن نعيش حقا كل فصول السنة، وفي تقلبات الجو المختلفة، وكل مراحل النمو، بما في ذلك ما يخص كل واحد من مشاكل معقدة وضخمة، ورغم ذلك فمن حقنا أن نحاول ونجرب، ونحن لا يعنينا ما إذا كانت التجربة ستقضي علينا، كما نجيز التجربة وعدم الإعاقة التي تتسبب فيها البلاهة المزعجة، مثل تلك الحرب التي تنشب حول اليأس عند رجال عديمي الإحساس، ويجدون مخارج مختلفة، نحن نريد تحقيق ما نريد بتفرد، بدون إزعاج، بدون تفلسف، بدون الانتقال، والطيران، وتكتيك الحرب، والألم غير العادي والبطولة غير العادية، والعظمة الفائقة. ونحن نريد تحقيق ما نريد في جزء صغير من العالم الذي نعرف، ونعيش فيه، نحن نسعى ليكون كل جزء من تلك المناظر الطبيعية جديرا بنا، ويكون جزءا منا، فنحن نريد كل شجرة محرمة في المكان، كل بقعة من الأرض الخالية، كل نبات بأوراقه الخضراء، كل غدير، كل لحظة في السماء، كل ساعة من ضوء النهار في هذا العالم، كل مقدار من ضغط الهواء، كل طعام وماء ونبيذ، بملء الفم، تعني شيئا مهما لنا، ويكون جزءا من بحثنا عن كنه الحياة الدائمة، فنحن نريد الهيمنة على الوقت الذي يمر بنا ولا نحبذ أي إعاقة".

ويليام سارويان من كتاب (سبعين ألف آشوري) ترجمة حسني سيد لبيب

ـ "وتمر الأيام ويشتد العذاب فتتحرر الأحلام السرية بقوة شيطانية، وأنا جالس إلى الآلة الكاتبة أشعر بحنين جارف إلى الحرية، إلى الإنسانية المفقودة، إلى الفن الضائع. كيف يحطم الأسير أغلاله؟، أتخيل دنيا مباركة بلا إثم، بلا أسر، بلا التزامات اجتماعية، دنيا تنبض بالخلق والإبداع والفكر وحدها، دنيا تحظى بالوحدة المقدسة، فلا أب ولا أم ولا زوجة ولا ذرية، دنيا يمضي فيها الإنسان خفيفا، غائصا في الفن وحده، آه، أي أحلام؟، أي شيطان يكمن في القلب الذي نذر نفسه للخير؟، فليتجل الندم في صورة ملاك باك، ولأنز خجلا أمام المرأة النفاثة للحب والصبر."

نجيب محفوظ من رواية (أفراح القبة)
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.