طلاق على الطريقة الإسرائيلية (2 - 2)

طلاق على الطريقة الإسرائيلية (2 - 2)

27 اغسطس 2019
+ الخط -
حين تشاهد الفيلم الأول من ثلاثية الأخوين شلومي ورونيت الكابيتز (لكي تتخذ زوجة)، بعد مشاهدتك للفيلم الأخير من الثلاثية (جيت: محاكمة فيفيان إمسالم)، ستدرك أن الفارق الكبير بين أسلوب تناول وإخراج الفيلمين، لا يعود فقط إلى وجود اختلاف في القصة التي يحكيها كل فيلم، بقدر ما يرجع إلى وجود فارق في المهارة لصالح الفيلم الأخير، حيث ظهر جليا النضج الفني للمخرجَين عبر السنين، حيث استطاعا وبتميز نقل الصراع النفسي المعقد الذي يدور بداخل البطلين الزوجين، دون أن يهربا إلى استخدام الفلاش باك، أو يعبرا عن ذلك من خلال أداة الحوار، خاصة أن وضعهما في المحكمة لا يتيح لهما الكلام إلا حين يطلب منهما الحاخامات القضاة ذلك، وهو أمر لم يكن ممكنا تحقيقه بفضل براعة الممثلين الرئيسيين فقط، بل ولأن كل العناصر الفنية ساعدتهما على ذلك، ومن أهمها تميز عنصر التصوير والإضاءة الذي أداره مدير التصوير الفرنسي جياني لابويرييه والذي اشتهر بتصويره لأهم أفلام المخرج الفرنسي الشهير فرانسوا أوزون.

بدا واضحا أن الأخوين الكابيتز أدركا أهمية أن يكون الفيلم الثالث منفصلا بشكل واضح عن سابقيه، حتى وإن كان امتداداً لهما، لكي يتواصل معه المشاهد الجديد الذي لا يعرف بدايات القصة، ولم يشاهد الفيلم الأول الذي مضى على إنتاجه الكثير، وقد لجأا لتحقيق ذلك بالاستعانة بفكرة وجود شهود أمام المحكمة، ليعرف المشاهد المزيد من التفاصيل عن ماضي الزوجين وعلاقتهما، مع دخول أقارب وجيران الزوج والزوجة الذين يتم استدعاؤهم للشهادة، ويحسب لهما تقنين هذا الحكي بذكاء، لكي لا يبدو مفتعلا، وليقوم المحاميان والقضاة/الحاخامات بطرح الأسئلة لتسريع الإيقاع، حتى لا تأخذ الشهادات شكل المونولوجات الطويلة.

جاءت تلك الشهادات مفيدة للتأكيد على البعد الاجتماعي للفيلم، وكونه أبعد من مجرد حالة فردية لأسرة تعيسة، فقد أعطى المشاهد فرصة للتعرف على طريقة حياة وتفكير أقارب وجيران ومعارف الزوجين، الذين لم تكن مصادفة أن يكونوا جميعا من اليهود المغاربة خصوصا والشرقيين عموما، ولم تكن مصادفة أيضا ألا يحكي كل منهم عن علاقته بالزوجين فقط، بل يحكي أيضاً عن نفسه وحياته ولو بشكل غير مباشر، فندرك ميل السيدات القادمات للشهادة إلى مساندة الزوجة، حتى ولو ظهر في بداية شهادتهن رغبتهن في نصحها بأن تستمر مع زوجها الذي لن تجد نصيبا غيره، وندرك أيضا ميل المتشددين دينياً من الشهود لمساندة الزوج باستماتة، حتى أن أحدهم وهو الجار اللصيق ببيت الزوجين، يرفض أن تقف زوجته للشهادة بمفردها، ويصر أن يقف معها، وهنا تأتي المفارقة في إصرار الحاخامات على أن يتركها تشهد لوحدها ويتراجع إلى الخلف، فيبدو أن خوفه على انفراد زوجته لا علاقة له بالتزامه الديني، بقدر ما يرجع إلى خوفه من أن تبوح بأسرار منزله هو، وحين تأخذ الزوجة راحتها في الشهادة أكثر مما يرغب، يغضب ويغادر القاعة ساخطا، لنعرف من خلال ذلك المشهد أن رغبة الرجال في التسلط على زوجاتهم باسم الدين والتقاليد أكبر من حالة فيفيان إمسالم وزوجها.


كان أداء بعض الشخصيات التي دخلت للشهادة في قاعة المحكمة مضحكاً، وأضفى حيوية على الفيلم، ومع ذلك فقد بدا حرص المخرجَين على ألا يتم الإفراط في هذه المشاهد، لكي لا تطغى على إحساس المعاناة الذي تشعر به البطلة الباحثة عن الطلاق، والذي يوصلها في نهاية المطاف إلى أن تنفجر في الحاخامات، وتقوم بشتمهم بعد أن فاض بها الكيل، لأنهم عاجزون بكل ما أعطوا من سلطة دينية، أن يفرضوا على زوجها التخلي عن تعنته، وإجباره على منحها حريتها من تلك الحياة البائسة التي يعيشانها في ظل الزواج، لكن الفيلم يرينا كيف جاء انفجارها طارئا، إذ أنها عادت ثانية إلى قاعة المحكمة لتواصل رحلة البحث عن حل، لأنها لا تملك سبيلا آخر لذلك، وأن أقصى ما يمكن أن تقوم بممارسته من تمرد، هو قيامها بتقصير ملابسها أو الاعتناء الزائد بشكلها، لكي تعلن أن لها حضوراً مستقلاً وأن لديها قدرة على السيطرة الكاملة على جسدها، إذا كانت لا تملك السيطرة على مصيرها نفسه، حتى يرينا الفيلم في نهاية المطاف أنها حصلت على حريتها بعد خمس سنوات من المعاناة والإصرار، ونرى كيف يفرض عليها الطقس الديني لإتمام الطلاق، أن تخرج من القاعة بعد ترديد الزوج لنص منحها الإبراء الكامل، وهي تسير في خطوات وئيدة، ثم تعود ثانية إلى القاعة، لتحصل من الحاخامات على ورقة "الجيت" الرسمية، ولينتهي الفيلم بالكاميرا مثبتة على قدميها، وهما تسيران أخيراً نحو الخلاص من قهر الزوج لها باسم الدين والتقاليد.

تذكرت خلال عدد من مشاهد الفيلم كتاباً شديد الأهمية عنوانه (خلافات المتدينين والعلمانيين في إسرائيل من خلال دراسة مواقف الصحافة العبرية) من تأليف الدكتور أحمد فؤاد أنور، أصدره المجلس الأعلى للثقافة، وكنت قد ناقشته في مايو 2011، مع مؤلفه في حلقتين متتاليتين من برنامج (عصير الكتب) ـ ستجد الجزء الأول من الحوار على هذا الرابط:


وستجد روابط لباقي الأجزاء في الفيديوهات التي ستظهر إلى جوار فيديو الجزء الأول على موقع يوتيوب وهو حوار مهم كما أعتقد وأرجو أن تستفيد منه.

كنا قد تحدثنا في تلك الحلقتين عن قضايا الطلاق التي تحتكرها سلطة الحاخامات في إسرائيل، لدرجة نشوء ظاهرة الزواج في الخارج، التي تجعل كثيراً من الشباب الإسرائيليين يسافرون إلى قبرص بوصفها أقرب الدول الأوروبية إلى إسرائيل، ليقوموا بالزواج المدني هناك في مكاتب محاماة متخصصة، لكي يتاح لهم الطلاق بعد ذلك بسهولة، بعيداً عن الذل الذي يعاني منه المتزوجون طبقا للشريعة اليهودية، وهو ما دفع بالسلطات الإسرائيلية بعد تفاقم المشاكل التي ترتبت على هذه الأوضاع، إلى الاعتراف قانونا بما يعرف بزواج الإشهار، حيث يتم طلب المحيطين بالزوجين من الجيران والأقارب بل وحتى أصحاب المحلات المجاورة التي يتعامل معها الزوجان، لكي يشهدوا على أن هذين الشخصين يعيشان سويا وأنهما متزوجان، وهو ما يرتب لهما بعضا من الحقوق القانونية لهما ولأبنائهما، وهي تفاصيل بالطبع لم يشر إليها فيلم (جيت)، ليس فقط لأن أحداثه تدور في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، ولكن لأن أحداثه تدور داخل الوسط اليهودي المتشدد دينيا، والذي يشكل أفراده نسبة تقارب ثلث سكان إسرائيل، وبرغم أن بطلة الفيلم نفسها ليست متدينة، إلا أنها في النهاية لا تستطيع الخروج على أعراف الوسط المتدين الذي تنتمي إليه، والذي قبلت الزواج بناءً على تقاليده، وبالتالي لم يعد من حقها أن تحصل على الطلاق إلا بناءً على تلك التقاليد.

كنت يومها قد اخترت عرض ذلك الكتاب في ظل ارتفاع حالة الاستقطاب داخل مصر بين تيارات الشعارات الإسلامية ومعارضيها على اختلاف مشاربهم، لألقي الضوء على وجود مثل ذلك الاستقطاب وبشكل حاد ودائم في إسرائيل، ومع ذلك فقد استطاع الجميع إدارة ذلك الاستقطاب الحاد بشكل لم يؤدي إلى انفجار المجتمع على الأقل حتى الآن، لدرجة أن كل الحكومات الإسرائيلية التي كانت تقام في إسرائيل عبر سنوات، كانت حكومات ائتلافية يتم إنشاؤها "على الحركرك" أحياناً، وتتشكل عبر تفاهمات انتخابية، كانت عبر تاريخ الاحتلال الإسرائيلي تجعل أحزاباً متصارعة ومتناقضة تتفق أحيانا من أجل تشكيل الحكومة، في حين لا زلنا في أوطاننا التي يحتلها أصحاب المصالح والرتب من أبناء جلدتنا، نؤمن بنظرية الأغلبية الساحقة الماحقة، ونعتبر الاختلاف والصراع السياسي جريمة تستحق التخوين والتكفير، أو في أحسن الأحوال نعتبره خطيئة مرذولة يجب التوقف عنها، وتتعالى في كل حين أصوات الاصطفاف والتوحد، التي يشهرها البعض في وجوه من يختلفون معه، يستوي في ذلك أنصار الدولة البوليسية، وكثير من المعارضين لها الذين يصعب عليهم قبول فكرة الاحتكام إلى قواعد لعبة سياسية يتم فيها تجريم القتل والقمع، مع الإقرار الكامل لحرية العقيدة والرأي والتعبير، دون لجمها بقيود تتخفى وراء أقنعة المصلحة العامة والخوف على المجتمع.


ولذلك فإن إسرائيل وبرغم كل ما تشهده من انقسام سياسي وديني وفكري شديد الحدة، استفادت من آليات تداول السلطة واستقلال القضاء وحرية الصحافة، ووظفت للمصلحة العامة كل تلك الآليات برغم ما يشوبها من عيوب وما تعمل في ظله من خطوط حمراء، ونجحت بفضل ذلك في نزع فتيل العديد من الأزمات التي كانت ستؤدي إلى انفجارات سياسية شاملة، ولا أظن أني بحاجة لتذكيرك بمؤشرات التفوق الإسرائيلي على الدول العربية في كافة المجالات، والذي تعود الكثيرون منا إلى الاستسهال بإرجاعه إلى وجود دعم دولي سخي لإسرائيل، في حين نرجع تخلفنا وهزائمنا إلى تآمر العالم علينا، وهو منهج قاصر في التفكير لم نسع إلى تغييره بشكل جاد، حتى بعد ثبوت فشله طيلة العقود الماضية، التي لم نزدد فيها إلا هزيمة ومعاناة، ومع ذلك ينبغي التذكير بأن استفادة إسرائيل من الديمقراطية، لم ـ ولن ـ تلغ التناقضات الحادة التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، ولم ـ ولن ـ تنجح في جعل انقساماته الدينية والثقافية تحت السيطرة الكاملة، ولذلك يتواصل ظهور الأصوات النقدية التي تتنبأ بالمزيد من الكوارث الاجتماعية التي يحاول اليمين الإسرائيلي إخفاءها باللجوء إلى مزيد من العسكرة والتحالف مع القوى المتشددة دينياً والتنكيل بالفلسطينيين داخل الخط الأخضر وخارجه، كوصفة مضمونة للبقاء في السلطة في أي انتخابات.

من ناحية أخرى، عند قراءة ذلك الكتاب وتفاصيله المجهولة بالنسبة للكثيرين من أبناء أوطاننا، وعند مشاهدة فيلم (جيت) وغيره من الأفلام الوثائقية والروائية التي تتحدث بشكل نقدي عن مظاهر التشدد الديني في إسرائيل، ستدرك كيف استطاعت إسرائيل عبر آلاتها الإعلامية المتعددة، أن تصدر صورة مختلفة عن نفسها، بحيث تظهر بوصفها واحة الاستنارة والعقلانية والحرية في الشرق الأوسط المليء بالمتطرفين والمهاويس والمتشددين، ولذلك لن تجد في أغلب الصحف الغربية مثلا تقارير مستمرة حول مظاهر التشدد الموجودة في المجتمع الإسرائيلي، مثل وجود أرصفة مخصصة في جميع الأحياء الإسرائيلية التي يقطنها اليهود المتدينون، لكي تمشي عليها السيدات وحدهن، لأن سيرهن مع الرجال على نفس الرصيف يخالف الشريعة اليهودية، حتى لو كان الرجل الذي تسير إلى جواره والدها أو شقيقها، ولن ترى تعجبا أو سخرية من التعامل الحرفي مع منع الحركة في يوم السبت لدرجة عدم تحرك الإسعاف لدفن 50 قتيلا في حادث سير وقع يوم السبت، مع أن تلك التفاصيل وغيرها كثير ومثير للسخرية، لو حصلت في أي دولة عربية لامتلأت صحف العالم نقداً لها وسخرية منها.

يمكن بالطبع أن نفهم ذلك التناقض في ظل إدراك حقيقة النفوذ الصهيوني في وسائل الإعلام الدولية، والذي بدأ العمل من أجل تدعيمه عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، لكننا نخطئ لو غفلنا في الوقت نفسه عن الإشارة إلى ارتباط ذلك بقدرة الدولة الإسرائيلية لسنوات طويلة على إدارة التعايش بين التناقضات الموجودة داخل المجتمع الإسرائيلي، بحيث تصبح إسرائيل دولة يعيش فيها من يحملون هذه الأفكار المتشددة، إلى جوار من يحملون أفكارا مختلفة ومتحررة، ويمارسون أفعالاً يعتبرها غيرهم من المتدينين إباحية ولعينة وتستحق الإدانة، ومع ذلك لا يبدو أن كل هذه التناقضات تعطل الدولة الإسرائيلية عن سعيها لتثبيت أقدامها على الأرض التي احتلتها وبنت عليها دولتها، فتصبح الحريات السياسية والإعلامية سبباً في التعبير عن حدة الإنقسامات السياسية والعرقية والإجتماعية، وسبباً في نفس الوقت في بقائها ضمن إطار اللعبة السياسية التي لا يسمح لأحد بأن يهد قواعدها على رؤوس الجميع.

لا يمكن أيضا أن نغفل أن كل هذه التناقضات والصراعات تتراجع فوراً إلى مراتب أقل أهمية، حين تتعرض الدولة لحرب أو أزمة خطيرة، سواءً كانت أزمة حقيقية أم مصنوعة على مقاس النخبة الإسرائيلية الحاكمة، ومع ذلك يبقى من حق من يريد انتقاد تلك الحرب أو الأزمة، أن يتحرك في الشارع وعبر وسائل الإعلام ضد الحكومة التي تعلن الحرب أو تدير الأزمة، وحين تضع هذه الصورة إلى جوار الصور الهزلية المأساوية التي تبدو عليها الدول العربية المحيطة بإسرائيل، والتي تساق شعوبها كالنعاج لتهتف بحياة قادتها وزعمائها، دون أن يكون لهم حق في تقرير مصيرهم الذي تحدده السلطات الحاكمة، ودون أن يجدوا حتى حرية الصراخ، فلن تستغرب أن تجيء المقارنة لصالح إسرائيل، ولا أن يصبح دور الإعلام الغربي المتعاطف مع إسرائيل والصهيونية سهلاً، فيقوم بتضخيم الجوانب الإيجابية، أو يغطي على الجوانب السلبية، والغريب هنا أنه حتى حين يتواطأ ذلك الإعلام لحساب إسرائيل، فإن المقاومة الحقيقية التي يلقاها في الغرب تكون من داخل الأصوات المستقلة التي أصبحت تتزايد بشكل ملحوظ، لأن الأصوات الإعلامية العربية المخصصة لمخاطبة الغرب، والتي يُصرف عليها ملايين الدولارات من قوت الشعوب العربية، تنشغل بتلميع صور الرؤساء والملوك وإظهار حكمتهم والتغني بعبقريتهم الفذة.

حين خرجت من قاعة العرض النيويوركية التي ازدحمت بالمشاهدين القادمين لرؤية فيلم (جيت) الذي حظي بعروض نقدية جيدة دفعت الجمهور للإقبال عليه، كان واضحاً أن كل هذه الأفكار والشجون لم تدر إلا بخلدي أنا وصديقي العربي الذي شاهد معي الفيلم، وأظنها ستدور في أذهان كل مشاهد عربي، حين يشاهد أفلاما إسرائيلية، فلا يرى فيها فقط صورة لمجتمع عدوه، بل يرى فيها أيضاً صورة مجتمعه بكل ما يثقله من هموم وأزمات.

بالتأكيد لم ير المشاهدون من كافة الجنسيات غير العربية في الفيلم ما رأيناه نحن، وعلى رأسه تذكرنا طيلة الوقت أننا نشاهد أحداثا تعيد رواية وتصوير حياة أناس أصبح لهم وجود على أرض "كانت تسمى فلسطين"، وأصبحت الآن في نظر أغلب العالم "إسرائيل"، وأن هؤلاء الناس الذين يحكي هذا الفيلم أو ذاك قصتهم، لم يأتوا في التو واللحظة من الخارج ليعيشوا على تلك الأرض كما جاء آباؤهم المهاجرون إليها، بل ولدوا فيها مثلما ولد مخرجا فيلم (جيت) مثلا في ستينات القرن الماضي، وتزوجوا بعدها وأنجبوا وتزوج أبناؤهم وأنجبوا، وفي وسط كل دورات الحياة تلك، ضاعت حقوق أصحاب الأرض الأصليين، وأصبح مجرد طرح حقهم في العودة حلماً بعيداً يقل كل يوم عدد من يدافعون عنه، حتى بين أوساط العرب الذين أصبحت فلسطين آخر همهم الآن بعد كل ما تعيشه أوطانهم من معاناة.

ولعل ذلك ما يجعل من الواجب على كل من كان له قلب وضمير أو ألقى السمع والبصر، إن لم يستطع المساهمة في طرح حلول ـ مركّبة وخالية من الشعارات الجوفاء ـ للمأساة الفلسطينية، أن لا يسمح بالمساهمة بالصمت في المسخ الجماعي للذاكرة الفلسطينية، وأن يدعم بكل ما استطاع أن تكون لأصحاب الأرض الأصليين فرصتهم العادلة في رواية قصتهم للعالم، لأن بقاء الرواية الفلسطينية حاضرة حية نابضة، سيرتبط به حتماً في المستقبل وجود حل عادل للمأساة الفلسطينية، قد لا نشهده في حياتنا، لكن بإمكاننا أن نسعى بكل أمانة وشرف لأن يشهده من بعدنا، وفي ذلك أضعف الإيمان، لمن لم يعد متاحاً لهم إلا الأضعف من كل اختيار.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.