عن مجالسة الحمقى وتيار الزمن

عن مجالسة الحمقى وتيار الزمن

28 يوليو 2019
+ الخط -
ـ "لو جالست الجُهّال والنوكى والسخفاء والحمقى شهراً فقط، لم تنقَ من أوضار كلامهم وخبال معانيهم، بمجالسة أهل البيان والعقل دهراً، لأن الفساد أسرع إلى الناس، وأشد التحاماً بالطبائع، والإنسان بالتعلم والتكلف، وبطول الاختلاف إلى العلماء، ومدارسة كتاب الحكماء، يجود لفظه ويحسُن أدبه، وهو لا يحتاج في الجهل إلى أكثر من ترك التعلم، وفي فساد البيان إلى أكثر من ترك التخيُّر. 

من (البيان والتبيين) للجاحظ 

ـ "الكتابة مُبلغة ضمائر النفس إلى البعيد الغائب، ومخلدة نتائج الأفكار والعلوم في الصحوف" 

ابن خلدون 

ـ "الزمن كتيار لا يتوقف، يحمل كل أبنائه بعيداً، يمضون منسيين كحلم، يذوي عند مطلع النهار. هذا من شعر إسحاق واتس الرائع، كثيراً ما فكرت بهذه الأشعار، ولطالما تساءلت أي علاقة يحملها هذا الواقع الراهن بالواقع المطلق. آلاف العصور أمام مرآك، مثل أمسية مضت ... لا ريب في صحة ذلك، فحلمنا بالحياة سينتهي مثلما تنتهي الأحلام، فجأة وكلياً، عندما تشرق الشمس، عندما يبزغ الضوء. وسنعرف عندئذ أن كل ذلك الخوف والأسى كانا بغير داع. لكن هذا لا يعقل. لا أستطيع أن أصدق أننا سننسى جميع آلامنا، فهذا سيعني أن ننسى أننا عشنا، أعني كبشر، أحسب الآلام جزءا عظيماً من جوهر الحياة الإنسانية". 

من رواية (جلعاد) لـ مارلين روبنسون ـ ترجمة سامر أبو هواش 

ـ "فما دامت سلعة الشعبية هي الرائجة المطلوبة، فليكتب من يشاء عن الشعب، ولكنك حين تمتحن كتابات هذا البهلواني المقنّع، فأنت بلا شك واجد فيها أساسا عريضا من سوء النية أو من الغباء، فهو يكتب عن الشعب بروح أخرى غير شعبية، روح مضادة للشعبية، يخفيها ببراعة وراء الأسماء الشعبية في قصة، أو الاستعارات الشعبية في قصيدة أو الأجواء الشعبية في مسرحية أو الشعارات الشعبية في مقالة، أو هو يكتب عن الظواهر الشعبية بلا وعي للعلاقات الموضوعية بينها، بلا وعي لأسبابها وعللها ودلالاتها الجذرية العميقة المتشابكة، بلا وعي للصراع، للحركة الصاعدة التي تعتمل تحت طبقات الجليد والتي تحاول أن تتكشف عن نفسها من خلال كفاح بطولي مستميت مع عوامل الضغط والزمهرير" 

نجيب سرور من كتابه (هموم الأدب والفن)

ـ "يجب أن يفهم رأسك الغبي أن النكات مثل الحياة تماما، ما يبدأ بداية سيئة ينتهي نهاية سيئة، يكون كل شيئ جميلا في منتصفه، لكن النهاية هي ما يجب أن يشغل بالك" 

لاسلو كراسناهوركاي من رواية (تانغو الخراب) ترجمة الحارث النبهان 

ـ "أكبر استهانة بالواقع يمكن ارتكابها عندما نكرس أنفسنا لعمل لا طائل من ورائه بغية وصف منظر طبيعي، أيا كان الواقع، أيا كان ما يريده الواقع أن يكونه، هو تحتم أن نفعل ذلك بكلمات ليست كلماتنا، ولم تكن أبدا كلماتنا، انظروا، كلمات طافت ملايين الصفحات والأفواه قبل أن يصل دورنا في استخدامها، كلمات متعبة، منهكة من تنقلها من يد إلى يد وترك جزء من ماهية حياتها في كل يد" 

جوزيه ساراماجو من رواية (مسيرة الفيل) ترجمة أحمد عبد اللطيف  

ـ "التوازن يمكن أن يكون منفّرا، خدعة لإبقائك في الوسط، حيث تتراكم الأشياء، وحيث لا تقوى على إحداث ضرر" 

ناعومي والاس 

ـ "يئستُ، وفي وجه الفوران الشديد، شعرت بضرورة القيام بتصرف متطرف بشكل ما، أريد أن أبصق على العالم، أن أفعل أغرب ما يمكن، بكل حماسة شاب فكر كثيرا جدا، وقرأ كتبا كثيرة جدا، وبكل مثاليته، قررت أنه ينبغي ألا أفعل شيئا، أن أتصرف مثل محارب يرفض أي تصرف على الإطلاق، كانت عدمية ارتفعت إلى مستوى فرضية جمالية، سأحول حياتي، في تضحية بالنفس إلى عمل فني، إلى مفارقة رائعة حيث كل نفَس آخذه يعلمني كيف أستمتع بقدري، كانت المؤشرات تشير إلى كسوف تام، وتتلمس طريقها كما أتلمسه لقراءة أخرى، أغوتني صورة تلك الظلمة تدريجيا، أغرتني ببساطة تصميمها، لم أفعل شيئا لأقاوم الحتمي، لكنني أيضا لم أندفع لملاقاته، إذا كان للحياة أن تستمر كما كانت دائما، يكون الأمر أفضل بكثير، يمكن أن أصبر، يمكن أن أسرع، كان الأمر ببساطة أنني أعرف ما المقدر لي وإذا كان سيحدث اليوم، أو غدا، فإنه سيحدث على الرغم من كل شيء، كسوف تام، ذُبح الوحش، وحُلّت شفرة أحشائه، سيحجب القمرُ الشمسَ، وعند تلك النقطة أتلاشى، سأتحطم تماما، حطاما من لحم وعظام دون أدنى شيء ينتمي لاسمي"

من رواية (قصر القمر) لـ بول أوستر ـ ترجمة عبد المقصود عبد الكريم 

ـ "عندما تسيطر فكرة ما على دماغي، لا أملك حيالها سوى الانصياع التام، وتنفيذها بدقة متناهية وبلا أدنى خطأ، حتى لو كانت أفكارا غير منطقية، أومفهومة، تبدأ الفكرة بمجرد اقتراح صغير، ينبثق بشكل مفاجئ في دماغي، اقتراح يمكن نفي حججه ببساطة وينتهي الأمر، لكنه يبدو مراوغا ولطيفا، يتسرب بخفة ونعومة إلى كل خلية في المخ، يتشبث بأماكنه فارضا في النهاية رأيه بالقوة، لا يترك مجالا للمساومة أو التفاوض، أو حتى تقديم تنازلات من كلينا للوصول إلى حل وسط، مرة سيطرت عليّ فكرة أنني لن أركب المترو إلا إذا كان السائق بشارب، بدا الأمر صعبا وكل المتروهات التي تمر على محطتي، يقودها سائقون بلا شوارب، وكأن الأمر مدبر من أجل تعذيبي، لكي أبقى هكذا بلا حراك على المقعد الحجري، أحدق في وجوه السائقين إلى ما لا نهاية، ماذا يحدث إذن لو نحيت تلك الفكرة جانبا وركبت أول مترو قادم، هناك يقين لا يحتمل ذرة واحدة من الشك، يخبرني بكل هدوء وإيمان: بأنه لو حدث ذلك، فإن العالم سينهار فجأة، أقله زلزال قوي يضرب شريط القطار، فيزحف المترو على جانبه محطما ومتحطما، أو يحدث ما أخشاه ويبث القشعريرة في جسدي، شيئ نسبة حدوثه ضئيلة وتكاد لا تذكر، سلك كهربائي عار، ولسبب ما لا مس الدودة الحديدية المتحركة، تخيلوا ماذا يحدث للمئات المحبوسين بداخلها، عندما ينطلق في السماء صراخ ورائحة شواء محترق."

الطاهر شرقاوي من رواية (عن الذي يربي حجرا في بيته) 

ـ ".. أنا أعرف أن إبداء الاحترام تجاهي، غير منتظر منكم ومن الذين يشبهونكم، فأنتم وأشباهكم تُقدِّرون أنفسكم بصورة مبالغ فيها، وهذا يعيق بلوغكم الإدراك والمراعاة، أنا أعرف حق المعرفة أنكم من ذلك الصنف من الناس، الذين يبدون لأنفسهم كعظماء، لأنكم أفظاظ لا تبالون بأحد، تظنون أنفسكم أقوياء لأنكم تحظون بحماية ومحاباة، وتعتقدون أنكم حكماء، لمجرد أن مفردة (حكيم) خطرت على بالكم. الناس من أشباهكم يتجاسرون على الفقراء والمستضعفين بقسوة ووقاحة وخشونة وعنف. أمثالكم يمتلكون الذكاء الاستثنائي ليقنعوا أنفسهم بضرورة الوقوف في القمة في كل مكان، وأن يحوزوا الثقل المرجح حيثما تواجدوا، وأن ينتصروا في كل أوقات النهار. أمثالكم لا يلاحظون البلاهة في هذا، فهو ليس في نطاق الممكن ولا في إطار المرغوب فيه. امثالكم متبجحون وجاهزون في كل الأوقات لخدمة العنف بكل حُمية. أمثالكم يظهرون منتهى الجراءة في التجنب الحذر لكل ما يتطلب شجاعة حقيقية، لمعرفتهم بأن كل شجاعة حقيقية قد تسبب ضرراً، وتتجلى جراءتهم دوماً في الظهور بمظهر الأخيار الطيبين ويُبدون في ذلك الكثير من الرغبة والحَمية. الناس من أمثالكم لا يحترمون السن ولا المناقب، وهم بالتأكيد لا يحترمون العمل. أمثالكم يحترمون المال، واحترام المال يعيقهم عن احترام أي شيء آخر جدير بالاحترام. إن من يعمل بنزاهة ويبذل الجهد والاجتهاد يُعتبر في عيون أمثالكم حماراً أصلياً. لست مخطئاً في حكمي، إذ حتى خنصري الصغير يقول لي إني محق، ولدي الجرأة لأن أقول في وجوهكم صراحة إنكم تسيئون استخدام منصبكم، فأنتم تعرفون جيداً مدى ما يسببه تصويب مساركم من إزعاجات ومضايقات، ولكن في الحظوة والرعاية اللتين تنعمون فيهما والشروط المناسبة المحيطة بكم، ما زلتم موضع طعن في جدارتكم، وأنتم تشعرون بلا شك بتأرجحكم الشديد. إنكم تخونون الثقة ولا تفون بوعودكم، وتلحقون الضرر دون تفكير، بقيمة وسمعة الذين يتعاملون معكم، وتستغلون دون رادع ولمصلحتكم الخاصة ما تزعمون أنها أعمال خيرية، تخونون المنصب وتفترون على الخادم الصدوق، إنكم متقلبو المزاج جداً ولا يُعتمد عليكم، وتُبدون صفات يعذرها المرء بسرعة، إن بدرت عن فتاة ولكن ليس عن رجل. اعذروا سماحي لنفسي بأن أعتبركم في غاية الضعف، وليكن في علمكم مع التوكيد الصادق، إني أرى النصيحة في الابتعاد كلياً عن التعامل معكم مستقبلاً، مع الحفاظ على كل حال، على الحد الضروري والدرجة المناسبة عامة من الاحترام، من إنسان كافأه القدر بالسرور المتواضع طبعاً بالتعرف بكم". 

من رواية (مشوار المشي) لـ روبرت فالزر ـ ترجمة د. نبيل الحفار

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.