البرلماني المنحوس الذي دخل بالحائط

البرلماني المنحوس الذي دخل بالحائط

28 ابريل 2019
+ الخط -
استهلكتْ حكايةُ عضو مجلس الشعب "أبو نعيم دَرَّاز الخرقة" القسمَ الأكبر من الوقت المخصص لسهرة الإمتاع والمؤانسة في منزل صديقنا أبو إبراهيم بمدينة الريحانية في جنوب تركيا.

كان "أبو الجود" هو الراوي الرئيسي للحكاية. سرد لنا حكاية الدبكة التي عُقدت أمام فرع الحزب وأدت إلى اتخاذ قرار تعيينه عضواً في مجلس الشعب مكافأةً له على إخلاصه للقائد، وتأديته الدبكةَ أمام صورة حافيييظ على نحو باهر، ثم سرد لنا سلسلة المواقف التي تدل على أنه كان فاشلاً حتى في الزراعة والتجارة والمهن الحرة، ومع ذلك عينوه ممثلاً عن العمال والفلاحين وصغار الكسبة في مجلس الشعب. وأكد أبو الجود أن "أبو نعيم" لم يتقن شيئاً في حياته سوى الدبكة!..

وكان من البديهي أن يرد عليه معظمُ الموجودين بأن نظام حافييييظ هو نظام دَبّيك من أعلى المستويات إلى أدناها، وبالأخص مجلس الشعب الذي أطلق عليه بعض السوريين لقب "مجلس التصفيق والدبكة".. وقتها ضحك أبو الجود وقال: النكتة على كل حال مو هون.


قال أبو جهاد بغيظ: شوفوا هالفهيم هاد! نفختْ قلبنا وأنت تشرّقْ وتغرّبْ، وبالأخير بتقول مو هون النكتة؟

قال أبو الجود: قبلما أقول لك وين النكتة، بدي قول أن أبي، الله يرحمو، من زمان اشترى دار كتير كويسة في نص البلدة، كبيرة ومضوية وغرفها كثيرة، وفيها شجرة توت بتاخد العقل، لاكن بعدما قعدنا فيها خمسة أشهر، وأمي نضفتها ورتبتها، قرر حضرتو يبيعها، فقامت أمي وأخواتي البنات وإخوتي الشباب يحتجوا عليه، ويسألوه عن السبب، فقال لهم أنو هالدار وجهها مانو أغرّ (يعني ليس وجه سعد) علينا، بالعكس وجهها نحس، ومن يوم اشتريتها وأنا وين ما ضربت يدي بلاقي الطريق مسدود. واللي صار مع أبو نعيم في مجلس الشعب نفس الشي اللي صار مع والدي.. يوم وصل ع الشام، ودخل تحت قبة المجلس، شعر بوجع في أسفل ضهرو، وكانت بداية ديسك وانقراص في الفقرات، وطلع من أول اجتماع للمجلس - بعدما قال تلات أربع مرات (موافق) - وهوي عم يمشي مثل طائر "حاج لَكْلَكْ"، وبعدين نزل وجع الضهر على رجليه، وصار يمشي (فَشْكَلة)، وقبلما تخلص الأربع سنين تبع الدورة البرلمانية الأولى صار نظرو يغبّش، ولما راح يتعاين عند دكتور العيون قال له: أنت يا عمو أبو نعيم معك "مَيْ بيضا"، ومو بس هيك، صارت معو سعلة شَهَّاقة، ولما يبلش بالسعلة ما تتوقف لحتى يضرط حاشاكم!

قال الأستاذ كمال: والله هادا وصف بديع. أنا أشهد لأبو الجود بأنه راوي شفاهي من الطراز الرفيع.

قلت: أبو الجود يا أستاذ كمال ممضّي عمرو في الفَلَتَانْ والتشرد، ومن كتر ما عاشر ناس في الشوارع وعلى الأرصفة وفي أماكن اللهو والمجون والقهاوي صارت عندو خبرة حياتية واسعة، على عكس بعض الكتاب اللي بيحبوا يكتبوا كل يوم قصة أو مقالة، والواحد منهم بيمشي الحيط الحيط وبيقول يا رب سترك!

قال أبو محمد: خلونا عند أبو نعيم بالله.

قال أبو الجود: لما حكيتوا أمس على أعضاء مجلس الشعب اللي عطاهم حافييييظ رخصة سيارة سياحية أنا تذكرت قصة أبو نعيم، وقلت لحالي لازم أحكي لكم إياها. يا سيدي أبو نعيم في أول دورة لمجلس الشعب أخد رخصة السيارة وباعها للتجار بمليونين وميتين ألف ليرة، ولما رجع ع البلدة حط مليونين في البنك، واشترى بالميتين ألف بيكاب سكودا نمرتو زراعية.

ومن كتر الفرح أجا عَ البيت بالبيكآب وصار يزمّرْ ويطَوِّطْ ويصيح (وينكن يا ولاد؟) لحتى طلعت أم نعيم والولاد، وصاروا يقولولو: مبروك، تشوف على وجه البيكآب الخير.

فقال لهم: فوتوا جهزوا لي الغدا، لبينما أصف البيكآب وأجي. وانطلق، بالبيكآب، وبعد شي خمسين متر اصطدم بالحيط البراني تبع دار أبو دحام الكندورة. بتعرفوا ليش صار معه هيك؟

قال أبو إبراهيم: يمكن بسبب المَي البيضا اللي في عيونو ما شاف الحيط كلو.
قال أبو الجود: يمكن يكون هيك، بس على الأغلب أن وجه مجلس الشعب ما أجا عليه أغر، متل أبوي لما اشترى الدار من زمان!

وللحديث صلة

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...