دبكة عند باب فرع الحزب

دبكة عند باب فرع الحزب

23 ابريل 2019
+ الخط -
وَعَدَنَا أبو الجود أن يروي لنا حكاية "أبو نعيم دَرَّاز الخرقة" ابن بلدته "المَسْطوحة" الذي عينوه عضواً في مجلس الشعب في الثمانينيات، وبقي عضواً في المجلس حتى وفاته في سنة 2003.

قبل أن يسترسل "أبو الجود" في سرد التفاصيل فوجئ بدخول ثلاثة من أبناء "أبو إبراهيم"، صاحب المنزل الذي نسهر فيه، وسارعوا إلى مد بساط من "المشمَّع" على أرض الغرفة، ونقل أطباق الطعام الشهيّ، فسكت، وحينما طالبناه بالاستمرار قال: مستحيل.

قال العم أبو محمد: ليش مستحيل؟ احكي لنا القصة لبينما ينتهي الشباب من تجهيز العشاء، وبعدها مناكل ومنكمل سهرتنا.

قال أبو الجود: بهالموضوع أنت غلطان يا عمي أبو محمد. أنت والشباب بتعرفوا أنو الأكل عندي له أولوية. ولما بتجي سيرة الأكل، أو بشوف حدا عم ينقل صحون، بينضرب دوزاني، وما عاد أقدر إحكي، وإذا حدا حكى لي قصة ما بفهمها لأنو عقلي بيكون مقفول والمفتاح ضايع. واللي بدهم يسمعوا القصة تبعي نفس الشي، ما راح يركزوا، لأنو، من دون يمين، ريحة هالدجاج المشوي اللي فوق صينية الرز بتشقّ الراس، وهلق صار كل أملي في الحياة أنو أبو إبراهيم يقول: تفضلوا ع الطعام.


مشت الأمور بعد هذا مثلما قرر أبو الجود. تناولنا الطعام والحلويات والفواكه، وجلسنا نستأنف سهرتنا مع كؤوس الشاي الخمير.

قال أبو الجود: في الثمانينات كان "أبو نعيم" عُمْرُو في حدود ستين سنة، وبحياتو ما اشتغل بالسياسة ولا بيعرف الفرق بين (الدولة) تبع الحكومة والدولة تبع القهوة، ومرة من المرات كان قاعد في البيت عم يستنى مرتو لتحَضّرْلُو العشا، وبالصدفة كان التلفزيون عم ينقل مهرجان خطابي، فاستمع لأكتر من خطابة كلها عم تحكي أنو هاي الدولة اللي بيقودها حافييظ الأسد هي دولة العمال والفلاحين، فصار يقول لحالو (بس عمال وفلاحين؟ يا أخي وبقية هالناس وين تروح؟).. وقبلما يوصل لجواب سمع واحد من الخطباء عَمَّ يطالب القيادة برفع نسبة تمثيل العمال والفلاحين في المجلس، ووقتها لمعتْ الفكرة براسو، وقال لحالو: لك أنا وين مضيت هالستين سنة من عمري؟ قسماً بالله من يوم وعيت عالدنيا وأنا في الشتي بشتغل بالفلاحة، وفي الصيف بشتغل عامل، يعني أنا وهالمَجْلِسْ تبع الشعب طنجرة ولاقت غطاها.

قال أبو زاهر: يمكن هادا أبو نعيم ما بيعرف أنو مو كل فلاح أو عامل ممكن يساووه عضو في مجلس الشعب، لازم تتحقق في الصفات التانية.
قال أبو جهاد: صفات تانية متل أيش؟
قال: يعني لازم يكون رجل غبي، ومنافق، وكل يوم والتاني بدو يصرح أنو هوي مع حافيييظ الأسد للممات..

قال أبو الجود: هادا اللي صار. لأنو بعد يومين من الفكرة اللي لمعت براس "أبو نعيم" كان مارق في شارع القصور قدام فرع الحزب، شاف مظاهر احتفال بالحركة التصحيحية تبع حافيييظ الأسد، وأعضاء الفرع والمحافظ ورؤساء المنظمات الشعبية عم يدبكوا.. وأبو نعيم، في الأساس، دَبّيك نمرة أولى، فدخل في المعمعة، وبلش يدبك، ومع أنو عمرو ستين سنة صار يدبك متل شاب ابن عشرين، صار ينط وينزل ويقمز وينخّ ويدبُك على رجلتين، وعلى رِجْلْ وحدة، ويْرَقِّصْ الرجل التانية في الهوا، وايدو اليمين عم تبرِّمْ المحرمة، هيك لحتى سلطن، وعمل حركة غريبة، نط في الهوا، ونزل جنب شاب طويل القامة شايل صورة حافيييظ، وخبط رجليه التنتين في الأرض، وثبت إيديه جنب جسمو، وأخد تحية للصورة، وخَشَّبْ. والطبال صار يضرب إيقاع سريع متواتر، والكل انسجموا مع الموقف وبلشوا الرفاق يصفقوا ويعيشوا القائد، والرفيقات البعثيات الواقفات في الاحتفال زلغطوا.

قال أبو جهاد: يخرب بيتك يا أبو الجود على هالوصف لازم تكون أديب متل الأستاذ كمال وأبو المراديس.
وقال أبو إبراهيم: كلام أبو جهاد صحيح. بس ما عرفنا نهاية القصة؟
قال أبو الجود: الشغلة ما بدا كتير ذكا يا أبو إبراهيم. بعد الاحتفال دعاه أمين الفرع على كاس شاي، وبعدما أشاد فيه هوي والرفاق سألوه: أيش بيلزمك يا عمنا المحترم أبو نعيم؟ فقال لهم: بدي شغلة زغيرة كتير. بدي صير عضو بهادا اللي بيقولوا له مجلس الشعب. قالوا له: تكرم عينك. هادا أهون ما طلبت.

وصار.

وللحديث صلة
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...