طالع بطقم رسمي وراجع بدشداشة

طالع بطقم رسمي وراجع بدشداشة

01 ابريل 2019
+ الخط -
أعجب الصديق "أبو زاهر" بحكاية التلميذ التي رويتُها للأصدقاء في جلسة الإمتاع والمؤانسة التي عُقدت في منزل "أبو جهاد" بمدينة الريحانية التركية، وقال:

- أنا مستغرب ليش المحطة التلفزيونية العربية اللي حكيت لنا عنها رفضتْ إنو تشتري فيلم "مجلس الرحمة" بسبب عنوانه. وهادا الرقيب اللي قال أنو الرحمة من اختصاص الله تعالى من دون البشر مخطئ، وللعِلْمْ، في كتير صفات مشتركة بين الله تعالى والبشر، أهمها: الرحمة. الله تعالى رحيم، والإنسان رحيم، وأنا مرة سمعت حديثا نبويا بيقول: والذي نفسي بيده لا يضعُ اللهُ رحمتَه إلا على رحيم. وحديث آخر: ارحموا مَنْ في الأرض يرحمْكم مَن في السماء.

قلت: يا أبو زاهر أنته هلق عم تفتح سيرة كتير حلوة ولذيذة. اللي هيي سيرة الرقابة التلفزيونية في الدول المستبدة. بالنسبة لسورية كان الهدف الرئيسي للرقابة أنها تمنع أي إشارة سيئة لشخصية حافظ الأسد، أو عائلتو، أو الحلقة الفاشستية المقربة منو، أو للضباط الكبار اللي بيحموا نظامو.. وفي ما عدا ذلك ما في عندو مشكلة، يعني إذا بدك بتحكي عن الفساد، وعن بعض التصرفات الأمنية، ما في مانع.. وبالنسبة للحب وبعض العلاقات العاطفية الباب مفتوح ع الآخر.. أما المشكلة الحقيقية وين؟


قال أبو زاهر: وين؟
قلت: المشكلة عند المنتج التلفزيوني السوري اللي بيحط مصاري كتير لحتى ينتج فيلم أو مسلسل.. إذا هالفيلم أو المسلسل ما انباع للمحطات الخليجية فأكيد راح يتعرض المنتج للخسارة. لذلك ظهرت عندنا في أواسط التسعينات مشكلة رقابية من نوع غريب. وبما أني كنت قريبا من الأوساط الإنتاجية فبإمكاني أحكي لكم عنها بالتفصيل.

قال العم أبو محمد: قبل ما نجي لهون عالريحانية أنا ما كنت بحب حكي الأساتذة الفهمانين، بس بصراحة القَعدة معكن كتير كويسة. صرنا نعرف شغلات بعمرنا ما سمعنا فيا.

ضحكت وقلت لأبو محمد: هلق أنت عم تمدحنا ولا العكس؟
قال: من يوم دعيتوني أول مرة للسهرة وأنا مداوم وما غبت عن أي سهرة. وهادا يعني أنو أحاديثكن على راسي وعيني.

قلت: تسلم يا أبو محمد.
وقلت للشباب: المحطات التلفزيونية العربية والخليجية كلها عندها رقابة، ولكن يوجد تبايُن بين محطة ومحطة من جهة التشدد. لذلك المنتِج التلفزيوني السوري كان مضطر يعتمد النظام الرقابي الخاص بأكثر محطة متشددة. فإذا رضيت هاي المحطة بيرضوا الكل، تحصيلْ حاصلْ. وهاي المحطة كان عندا شروط غريبة.

قال أبو جهاد: متل أيش؟
قلت: تقريباً كل شي ممنوع. تناول الخمر، التدخين، لعب القمار، اجتماع رجل وامرأة أثناء التصوير في غرفة واحدة حتى لو كانت المرأة أختو للرجل أو أمو أو زوجتو إذا كان باب الغرفة مسكر.. يعني إذا اجتمعوا والباب مفتوح ما في مشكلة، لأنو بتزول شروط الخلوة. وطبعاً ممنوع إنو رجل ومرا يتباوسوا، حتى لو كانت بوسة أخوية.

قال أبو محمد: أف. وليش بقى هيك؟
قلت: لما سألوا الرقيب في المحطة المذكورة عن السبب قال: كلنا منعرف أن الرجل والمرأة في الفيلم عم يمثلوا تمثيل، يعني هيي في الواقع مو مرتو ولا أختو ولا بنتو ولا أمو، فشلون بتخلوه يبوسا؟..

قال أبو إبراهيم: ولنفرض أنو المنتج عرض على هالمحطة مسلسل من تلاتين حلقة، وكان فيه مشاهد قليلة مخالفة لعقلية الرقيب في المحطة المتشددة.. أيش بيصير؟

قلت: المحطة المذكورة كانت تشتري في بعض الأحيان، وتمنتج. وبعدما تحذف المشاهد المخالفة كانت تنقص مدة المسلسل من تلاتين ساعة لـ 17 ساعة مثلاً. ولما كانت المحطة تعرض المسلسل المختصر على جمهورها كانت تصير أشياء مضحكة.

قال أبو محمد: بالله؟ يعني متل أشو؟
قلت: بالمسلسل إذا طلع الرجل من بيتو وهوي لابس طقم رسمي لونه رمادي، وحاطط ربطة عنق لونها أحمر، لازم يرجع عالبيت وهوي لابس نفس الملابس. لكن بعد المونتاج والقصقصة ممكن تشوف واحد طالع من بيتو بطقم رسمي وكرافة، وراجع عالبيت وهوي لابس دشداشة وغترة وعقال. والغريب في الأمر أنو مرتو ما بتسألو: وين غيرت تيابك؟!

ما بتسألو لأنو في النسخة الأصلية (قبل القصقصة والمونتاج) بيكون لابس اللباس نفسو.

للحديث صلة
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...