ابتسم من فضلك مع الأستاذ محمد عفيفي

ابتسم من فضلك مع الأستاذ محمد عفيفي

26 مارس 2019
+ الخط -

أسعدني خبر إصدار دار الشروق لطبعة جديدة من رواية (التفاحة والجمجمة) لأستاذنا العظيم محمد عفيفي، حين سألت قبل فترة عن سبب تأخر صدور طبعات جديدة من مؤلفاته، عرفت أن هناك ملابسات لها علاقة بتأخر دار نشر أخرى في إعادة طبع مؤلفاته بعد أن اشترت حقوق نشرها..

وحين حاولت فهم أسباب ذلك التأخير، لم أجد وراءه إلا كسلاً عقلياً، وراءه أن الدار تعودت على أن تولي اهتمامها لما يتحقق له الرواج بالفعل، مع أنها لو كانت قد حرصت على توفير نسخ من كتب محمد عفيفي، وقامت بالدعاية اللازمة لها، لوجدت طريقها إلى قلوب القراء وعقولهم، فمستوى محمد عفيفي في الكتابة لا زال كما كان فريداً من نوعه، وقد أسعدني أن أجد بعض العروض المصورة والمكتوبة يشيد فيها قراء شباب برواية محمد عفيفي، ويعلنون تلهفهم إلى قراءة المزيد له، وأتمنى أن تكون الخطوة التالية هي إعادة طبع رواية (ترانيم في ظل تمارا)، ثم جميع كتبه التي تحتوي على مقالاته الساخرة، والتي سعد بها كل من قرأها في طبعاتها القديمة التي صدرت عن مؤسسة (أخبار اليوم)، لكنها لقيت تجاهلاً غير مبرر خلال السنين الماضية.


كان من حسن حظي أن أطلع على جميع أعداد مجلة (المصور) التي صدرت بعد أن تولى رئاسة تحريرها الأستاذ أحمد بهاء الدين في منتصف الستينات وحتى مطلع السبعينات، وكان من أجمل ما قام به أن أفرد مساحة ثابتة في المجلة لمحمد عفيفي كان يكتبه تحت عنوان (ابتسامة من فضلك)، كان يشاركه في رسمه فنان الكاريكاتير الكبير بهجت عثمان، وقد كان الاثنان من مؤسسي شلة الحرافيش إلى جوار صديقهما العظيم نجيب محفوظ.


كان محمد عفيفي يخصص بابه أحياناً لشذرات قصيرة ساخرة، وكان يفرده أحياناً لتجارب أطول في الكتابة، جمع بعضها في كتب مثل كتاب (فانتازيا فرعونية) الذي صدر عن سلسلة كتاب الهلال ولم يعد طبعه أيضاً، كما كان يفرد بابه الجميل لكتابات أطول، يكتب فيها في إطار سقف الحرية المنخفض المتاح عن المشاكل الاجتماعية والعاطفية، وأظن أنه لو كان قد عاش فترة أطول ليكتب في ظل ظروف سياسية مختلفة، لأبدع وتألق في السخرية السياسية، كما تألق في السخرية الاجتماعية.

فيما يلي ستجد مختارات من بعض الشذرات التي كتبها الأستاذ محمد عفيفي، قمت بتجميعها على هامش قراءاتي لباب (ابتسم من فضلك) المنشور في أعداد مجلة (المصور) خلال سنوات الستينيات، على أمل أن نرى كل أعمال كاتبنا الكبير منشورة ومتاحة للقارئ الذي يستحق أن تتاح له كتابة بكل هذا الجمال والإمتاع:

ـ الحياة كرنفال قصير الزمن من الأزياء المختلفة بين زيين موحدين: اللفة والكفن.
ـ كانت خيبة الأمل فيما مضى تصر على أن تركب الجمل، أما الآن فهي فيما يبدو لا تمانع في ركوب أي شيئ.
ـ قارئاً بعض الكتابات، أقول لعنة الله على نابليون الذي أدخل المطبعة إلى مصر.
ـ كيف تصنع الإنسان العربي الجديد؟ لا شيء بالطبع سوى أن نضعه في ظروف جديدة.
ـ هل أتاك نبأ الرجل الذي استمع إلى آخر الأنباء فطلعت روحه المعنوية؟
ـ هل أنا مثقف بما يكفي؟ نعم بما يكفي لأن أعرف أنني لست مثقفا بما يكفي.
ـ لئن يفوتك قطار الزواج خير من أن يدهسك.
ـ اسوأ شيء في الهبوط على القمر أنه أفقدنا متعة التشكك في أقوال العلماء.
ـ لا تتكلم عن نفسك كثيراً فمعظم الناس يفضلون الكلام في الموضوعات المهمة.
ـ إذا صار كل ما يثيره في ذهنك ذكر الربيع هو تفتح الزهور، فقل يالله حسن الختام.
ـ أليس محزناً أن أجمل الأشياء في حياتنا هي تلك التي لا تستطيع أن تحكي للناس عنها؟
ـ شيء طبيعي أن تطلب يد زوجتك، فهي العضو الذي سيبقى في جيبك مدى الحياة.
ـ السيدة الوحيدة التي تعرف على وجه اليقين اين يوجد زوجها في اللحظة الحاضرة هي أرملته.
ـ بالنسبة لبعض من يمارسون الغناء أعتقد أنه من الواجب أن نبتكر اصطلاحاً جديداً هو مستطرب ومستطربة.
ـ الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يعرف أنه سوف يموت، ولو عرفت الحيوانات أنها سوف تموت لظهر فيها فلاسفة وحكماء.
ـ لا شك أنه سعيد ذلك الرجل الذي يحمله الناس على الأعناق، لا سيما إذا كان ذلك في وضع أفقي.
ـ يؤكد صديق لنا أنه سار في الطريق العام يعاكس فتاة نحواً من خمس دقائق قبل أن يتبين له أنها أخوه.
ـ قالت شجرة الجوافة لشجرة المانجو: بذمتك ودينك، همّ بيقدموا لك نفس الأكل اللي بيقدموه لي؟
ـ أحياناً يخيل إلى أن عندنا مشروعاً لتربية الذباب، ثم أتذكر أنه لو حدث ذلك لفشل المشروع واختفى الذباب.
ـ إذا كان الله لا يرحم العبد إلا إذا عرف قدر نفسه، فيبدو أنني سوف أشكو في الجنة من الوحدة الشديدة.
ـ إذا صح أن شر البلية ما يُضحك فها ها هع.
ـ لن أسألك يا سيدي من أين لك هذا لأنني أعرف، ولن أسألك يا سيدتي لأنني لست "أبيحاً".
ـ متزوج: لماذا لا تتزوج؟
عازب: ولماذا أخلق لنفسي أعداء؟
ـ إعلان محتمل: رجل ساديست يطلب آخر مازوخيست لكي يتلذذ بإهانته وتعذيبه، طول الوقت أو بعضه.
ـ لا الصحة تغني عن المال ولا المال يغني عن الصحة، فلا يمكنك أن تقطع رحلة الحياة بفردة حذاء واحدة.
ـ سأعيش وأموت دون أن أعرف هل خلق الله أبو قردان لكي يأكل الدودة الضارة أم خلق الدودة الضارة ليأكلها أبو قردان.
ـ خطرت لي فكرة بمناسبة أزمة السمك، لماذا لا نصيده؟
ـ قطعاً ما كان أينشتين يقول أن أكبر سرعة في الكون هي سرعة الضوء، لو أنه رأى السرعة التي تخلص بها ماهيّتي.
ـ بقدر ما أحب الرجل الذي يكسب عيشه بعرق جبينه، بقدر ما أكره الآخر الذي يكسبه بعرق جبيني.
ـ في استعراضك لمعظم الحضارات تلاحظ أنها ذات علاقة وثيقة بالدم البشري، إما أن تسفكه في الحرب وإما أن تمتصه في السلم.
ـ لا أدري يا أخي لماذا يخيل إليّ من شكلك أنني سأختلف معك في الرأي حتماً.
ـ قال مشيراً إلى طفله الجديد: ألا ترى أنه يشبهني إلى درجة كبيرة؟ قلت مصححاً: بل قل مقززة.
ـ مطلوب منظار وردي بأي ثمن يحدده البائع.
ـ نعم تستطيع السيارة الخربة أن تظل سائرة، إذا وضعتها في أعلى طريق منحدر.
ـ لا يضايقني أن الحياة قد أصبحت بالنسبة إلي أشبه شيئ بلغز كبير للكلمات المتقاطعة، وإنما يضايقني أن هذا اللغز مكتوب بلغة لا أفهمها.
ـ أحياناً يكون جنون النظافة من الخارج هو الدليل على منتهى القذارة في الداخل.
ـ لست أشك في أن العيد الكبير ـ معذرة عن التكريعة ـ ينقص عمر الرجل عاماً على الأقل.
ـ اسمها عفيفة ـ قال لي وهو يقدمها إلي ـ ولكن لا تأخذ الأمر بجدية تامة.
ـ الحياة أشبه شيء بالخيارة، وسط طويل مائع الطعم بين طرفين مريرين.
ـ ألا يطربك مثلي ذلك التزاوج الجميل بين اللغتين الأوروبية والعربية في قولك "ساندوتش طعمية"؟
ـ في أربعة أدوار المحل التجاري لم يقع بصري على شيء واحد رخيص، اللهم إلا لحظة خروجي عبوراً بمرآة كريستال شيك.
ـ من كان منكم بلا خطيئة فهو لا يصلح صديقاً لي.
ـ إذا تلفتّ حولك فرأيت كل شيء جميلاً وعظيماً فأنصحك بأن تحرص على كبدك.
ـ ألم تلاحظ وأنت تقرأ كتب التاريخ تلك الظاهرة الغريبة بعض الشيئ، أن الله لم يكن في أي يوم من الأيام في صف الضعفاء؟
ـ إذا صارت كل الإجابات معروفة، فالأسئلة لا تخرج عن كونها مضيعة للوقت.
ـ لا أستبعد أن تكون أكثر من خطبة ـ وربما أكثر من زفاف ـ قد فُسخ بعد أن رأى العروسان صورتهما منشورة على الطبيعة في صفحة المجتمع.
ـ بريئة جداً ضحكتك هذه يا صديقتي. عمر التمرين ما ضاع هدراً على صاحبه.
ـ يحتاج الأب إلى كمية غير هينة من الحكمة لكي يستطيع أن يسعد لسعادة أولاده.
ـ أنا لصديق في جنازة رجل ما: أظن دلوقتي ما يصحش نخاف قوي من تلوث البيئة.
ـ بطيخة لزميلتها وقد رأت الفاكهاني مقبلا عليهما بجردل كبير: اتعدلي يا بت، معاد الحقنة جه.
ـ آه، يقولها المطرب 54 مرة في الشهر فيكسب ألف جنيه، وأقولها أنا ألف مرة في اليوم وآديك شايف.
ـ في مدرسة العصافير قال المدرس: والآن قد حان لنا أن ندرس شيئاً عن بعض الحيوانات الضارة مثل القطط والبوم والإنسان.
ـ زحام في العمل وزحام في الطريق وزحام في البيت، فطوبى لرجل لم يعد يختلي بنفسه إلا في الحمام.
ـ إذا مت فأكون شاكراً لو كتبتم على قبري بخط واضح: وكان لزومه إيه؟
ـ لكي ترى الزفت لم يعد من الضروري على الدوام أن تنظر إلى أسفلت الطريق.
ـ يؤكد أبو نواس أن الخمر لا ينزل الأحزان ساحتها، وهذا التقرير إن دل على شيء فعلى أنه لم يكن هو الذي يدفع الحساب.
ـ الشيء الوحيد الذي يضايقني عندما أرى مجموعة من الرجال يقطعون شجرة عتيقة هو أنني لا أحمل مدفعاً رشاشاً.
ـ أحد معارفي يعتقد أن صلة ذوي الأرحام هو أن يجعل زوجته تحمل مرة كل عام.
ـ من أغراض الشعر العربي القديم المديح والهجاء والفخر والغزل، أي بمعنى آخر: النفاق والسباب والفشر والبصبصة.
ـ يسألونك عن شيء ناجح وفاشل في الوقت نفسه، قل هي مسرحية فصلت تماماً على ذوق الجمهور.
ـ الطفل المصري هو ذلك الذي ما إن يبصر قطاً أو كلباً حتى يتلفت حوله باحثاً عن طوبة.
ـ ناس عندها معامل في الفضاء، وناس ـ شوف إزاي ـ عندها فضاء في المعامل.
ـ يعيش الذكر ويموت دون أن ينتبه إلى أنه لا يزيد على كونه همزة الوصل بين زوجته وأولادها.
ـ هذه مطربة كل أغانيها طويلة، حتى ما كان منها من خمس دقائق.
ـ في الخامس والعشرين من الشهر فتحت محفظتي طلباً للمستحيل.
ـ رب هاويتي تمثيل تطرقان باب الشاشة الفضية في يوم واحد، فتلمع إحداهما في خلال شهرين، وتبقى الأخرى إلى الأبد بدون أي لمعان، فالناس في هذه الأشياء ـ كما في معظم الأشياء ـ مراتب.
ـ اعلم أنك قد صرت كهلاً، عندما يدهشك أن ترى أن ولدك قد بدأ يتورط في نفس سخافاتك القديمة.
ـ كلما قرأت عن اكتشاف حفرية هنا أو هناك تحت أرضنا المقدسة أشعر بسرور أكثر من بالغ، أليس مبهجاً أن يسير الرجل طول الوقت وهو يشعر بأن هناك حضارة تحته؟
ـ الفرق بين التقرير والنكتة هو الفرق بين إخطاري إياك بأنني قد رأيت رجلاً مهاجراً من مصر، أو أنني قد رأيته مهاجراً إليها.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.