عن المعارك الجديدة والسمو اللحظي وانتصار الأكاذيب

عن المعارك الجديدة والسمو اللحظي وانتصار الأكاذيب

03 ديسمبر 2019
+ الخط -
ـ كل هذه السنين التي ضاعت في الحديث عن تجديد الفكر العربي وتجديد الخطاب الديني وتجديد الوعي القومي وتجديد العقل النقدي، أفضت إلى السنين التي ننتظر فيها قرارات تجديد الحبس المتواصلة.

ـ مع الاحترام للأستاذ ستانيسلافسكي ومنهجه الشهير في إعداد الممثل، لا يوجد شيء يمنح الممثل قوة في الأداء وثقة في النفس وارتفاعاً في نبرة الصوت وجدية في الملامح وفرداً في الطول وتضخماً في الغدة الوطنية، مثل علاقته القوية بأكثر من رتبة كبيرة في المخابرات الحربية والعامة.

ـ يستفزونك ليخرجوا أسوأ ما فيك، ثم يعملون لك بلوك وريبورت.

ـ مشكلتي الآن مع هذه المعارك «الجديدة»، أنني حاربت فيها جميعاً من قبل، وجُرِحت في بعضها، وفقدت عذريتي النفسية في البعض الآخر، ولا أظنني أستطيع خوضها مجدداً بنفس الحماس، إلا إذا فقدت الذاكرة.

ـ الأذواق لا تُناقش، لكنها تُناغَش.

ـ للأسف يا صديقي لم نلتق منذ زمن بعيد، لكن لو كنت تذكر طريقتي المميزة في قولها عندما كانت المقاهي تجمعنا كثيرا، لو كنت تذكر كيف أقولها بتلك التلعيبة الخاطفة للحاجبين والمط المحسوب في الشفتين والانحناءة بزاوية تسعين درجة للإصبع الأوسط في اليد اليمنى والانحناءة بزاوية ستين درجة للإصبع الأوسط في اليد اليسرى، لو كنت لا زلت تذكر، فسيبهجني أن تعلم أنني بعد أن قرأت وصلة التبرير الفجة التي كتبتها في مقالك الأخيرة، قلتها لك من جديد كأني أراك: "آه يا وسخ".

ـ جزء كبير من قدرة الأكاذيب على الانتصار والانتشار، يعتمد على سهولة إصابة من يقاومونها بالملل.

ـ إذا وجدت نفسك تردد كلاماً تافهاً أو مبتذلاً، لا تخجل من نفسك ولا تعط الموضوع أكبر من حجمه، وتذكر أننا بشر ولسنا ماكينات متخصصة في النطق بكل ما هو قيم ورفيع المستوى، بدليل أن الست أم كلثوم وهي من هي في تذوق الكلام واختيار أجمله، غنت ذات يوم قائلة: "من كتر الحب لقيتني باحب.. لقيتني باحب وأدوب في الحب، وصبح وليل على بابه".

ـ الفتنة نائمة، شوف لك مكان تاني تنام فيه.

ـ السؤال الأهم في ملف الأزمات التي تتعرض لها الصحافة والفنون الآن هو: كم من الصحفيين يعتقدون حقاً أن حرية الصحافة أمر مهم وضروري لهم ولا يمكن أن يستمروا في أداء مهنتهم بدونه؟ كم من الفنانين يعتقدون أن حرية الإبداع واجبة وضرورية ولا يمكن إنتاج فن ممتع ومبهج وحقيقي إلا بها؟ ولا يمكن تخيل مستقبل الصحافة والفن في بلادنا بدون مواجهة هذا السؤال المرير.

ـ أحياناً تشعر أن البعض ينتظر الرأي السفيه أو المنفلت أو الأهبل، لكي ينبري لاستخدامه مثبتاً لنا رجاحة عقله وبعد نظره وخلوّه من جميع التناقضات والأخطاء، وهو ما يمكن أن ينطبق أيضاً على هذا الكلام، فلا تتعجب إنها إرادة الله الذي خلقنا من طين، لكننا نحب أن نعتقد أن بعضنا أطين من اللازم، لأن الحياة تصبح أصعب بدون ذلك الشعور اللحظي بالسموّ.

ـ إذا كنت مهتماً بالوصول لأحكام منضبطة عن طبيعة تفضيلات المجتمع للآداب والفنون، لن تستطيع الوصول لها إلا في مجتمع فيه حرية حقيقية ومجال عام حي ووسائل إعلام تقوم بدورها بشكل حقيقي يحكمه رأي الجمهور والمشاهدين، وليس رأي الضابط المسئول عن القناة أو الصحيفة أو شركة الإنتاج، عندها فقط تستطيع أن تحدد من الذي نجح في الوصول للناس ومن الذي فشل في الوصول لهم، وتحلل أسباب ذلك النجاح أو الفشل. أما حين يكون الوجود على الساحة والحضور في وسائل الإعلام والوصول للجمهور، مرتبطاً بالعلاقات السياسية والتوصيات الأمنية، وبكونك تعمل طوعاً أو عرصاً في خدمة التوجهات العامة للنظام الذي يحكم بالحديد والنار، فالكلام عن نجاحك أو تفوقك كفنان أو أديب، لا يمكن فصله عن علاقاتك وتربيطاتك، وأي أحكام مرتبطة بذلك هي أحكام مؤقتة تخص اللحظة الراهنة بوضاعتها وعفنها، والحكم الحقيقي على إنتاجك الفني والأدبي لم يأت أوانه بعد، هذا إذا كنت مهتماً بالمنافسة الحقيقية والشريفة والعادلة، وهو ما أشك فيه من الأساس، لذا لزم التنويه.

ـ يا عزيزي: مشكلتي معك قد لا أستطيع حلها للأسف، مشكلتي معك أنني لا أريد سوى أن أكون كاتباً يعبر عن رأيه النابع من تفكيره وضميره، وأنني مصمم على التمسك بدور الكاتب كما فهمته وكما أحببت أن أكونه، وفي النهاية لست حزيناً على كل ما جرى لي لأن الثمن الذي دفعته، كان أهون بكثير مما كان يجب أن أدفعه، وأهنأ بكثير مما دفعه بالفعل أناس ارتكبوا نفس "الخطأ"، خطأ قرارهم بأن يعبروا عن آرائهم التي يقتنعون بها، في زمن الاستقطاب.

يا عزيزي: إذا كنت معجبا بكل ما أكتبه فأنت بالتأكيد تحبني أكثر من نفسي، لأنني أنا نفسي لا يعجبني كل ما أكتبه، وإذا كنت لا تعجب بأي مما أكتبه، ومع ذلك تصمم على قراءتي، فمشكلتك ليست معي، بل مع نفسك، وأنصحك باستشارة مختص للعلاج من حب تعذيب الذات، أما إذا لم تكن معجباً ببعض ما أكتبه، وترغب في سؤالي من باب العتب والعشم: لماذا أكتبه، فأرجو أن تتذكر أنني إنسان مثل حضرتك، والإنسان تخرج من قلبه الضحكات المجلجلة والدموع الحزينة والآهات الملتاعة ويخرج من فمه الكلمات العذبة والشتائم الوقحة والأفكار البلهاء، تماما كما يخرج من جسده الدموع والمخاط والعرق والفضلات، وربما يشفع لي عندك أنني لا أكتب لإقناعك بشيء، وكل ما أتمناه أن يمتعك ما أكتبه، أو يدفعك للتفكير فيه، فإن حققتُ شيئاً من ذلك، فلله الحمد ولك جزيل الشكر، وإن وجدت لدي ما يعجبك فخذه وتجاوز عما سواه كرماً ولطفاً، وإن لم تجد ما يعجبك، فخذ مني ما قد يكون أنفع ما تناله مني: دع ما يغيظك إلى ما لا يغيظك، وتذكر دائماً أن الحياة قصيرة.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.