عن عودة الأمل وغمرة الحماس وفرط الرمان

عن عودة الأمل وغمرة الحماس وفرط الرمان

24 نوفمبر 2019
+ الخط -
- من أكبر مكاسب الموجة الجديدة من الثورات العربية أن تكتشف أن 99 في المائة من أصدقائك العدميين السلبيين المتشحين بالنظرة السوداوية للحياة، كانوا كاذبين في ادعائهم أنهم فقدوا الأمل، واتضح أن "عندهم أمل جوه" مثل بطل النكتة الشهيرة، صحيح أن تطورات الأحداث ربما تعيدهم لا سمح الله إلى موقفهم السابق بتهكم أكثر وسوداوية أعلى، لكن ستكون الركة على من يأخذهم مأخذ الجد حينها، وينسى أنهم في الحقيقة سيظلون ككل من مسّه الحلم مرّة، "عندهم أمل جوه". 

ـ قصة حقيقية: خلال مقال سياسي ثقيل الظل، كتب الكاتب المتفذلك دون أن يقصد وبفضل خطأ مطبعي، أدق توصيف للوضع السياسي الحالي، حين كتب: "ماذا سيختار أغلبية المصريين؟ الإجابة صعبة، بل ومحفوفة بالمخاط". 

ـ في غمرة الحماس، يتصور الثائر أن من يقفون إلى جواره في الميادين هم "الشعب"، وللأسف يبدأ بعد فترة من اندلاع الثورة في اكتشاف أن هناك "شعباً" آخر لم ينزل إلى الميادين، إما لأنه خائف أو متردد أو كاره أو راغب في الفتك بمن في الميادين، وتبقى مهمة الثائر أن ينجح في رفع مطالب تزيد من عدد الواقفين إلى جواره في الميادين، وتزيد من تنوعهم أيضاً، لدرجة تجبر الجميع على التعامل معهم بوصفهم "الشعب". 

ـ يمكن أن أصدقك حين تنشر صوراً لإثبات أن هناك كباب وكفتة تقدم للمساجين في سجون مصر، وحين تقسم أن المساجين لا يشتكون إلا من فرط الرفاهية وكثرة النعيم، لكن كان يمكن أن تجتهد لكي تكون الصور واقعية، ولا يوجد فيها ما يقطع بأنها مصنوعة خصيصاً للاستهلاك الخارجي، فتطلب من الطباخين والكبابجية الظاهرين في الصور أن يكونوا واقعيين في أداءهم، فلا يرتدوا "جوانتيات" لتغطية أيديهم، "دي ما حصلتش في أبو شقرة، هتحصل في السجن". 

ـ الارتباط بأحداث كبيرة يعطي إيحاءات بأهمية كل المرتبطين بتلك الأحداث، مع أنهم لم يكتسبوا أهميتهم إلا من الأحداث نفسها، وهذه القراءة الخاطئة للموقف تتسبب في إحداث آثار كبيرة الضرر على نفسية المرتبطين بالأحداث الكبيرة، خصوصاً إذا كانوا من صغار النفوس والعقول.

ـ أشياء كثيرة يمكن أن تثبت لك صحة مقولة "كما تدين تدان"، من بينها مثلاً أن تقضي ربع ساعة في إبهار ابنتك وأنت تقوم بتقشير وتفريط رمانة، بأقل قدر ممكن من الزروطة، وحين تسألها وهي تلتهم الرمان عن رأيها فيه، تقول لك ساخرة: "على أساس إنك انت طبخته يا بابا.. ده خلقة ربنا"، وهو نفس نوع الرد الذي كنت ترد به من قبل على أمك وأمها.  

ـ تقل حدة تعاملك مع كتاباتك القديمة التي أخطأت في قراءة الواقع، إذا كنت قد كتبتها وأنت تصدق كل حرف فيها، وإذا كنت قد حاولت الاجتهاد في كتابتها، لأن تحليك بفضيلتي الصدق والاجتهاد، سيخفف من آثار إصابتك برذيلة الحماس.  

ـ كل ما يمكن أن أقوله لك في مسألة الصحة والغذاء والرياضة يتلخص في الآتي: ابضن على نفسك قبل أن يبضن جسمك عليك، وتذكر تماماً مقولة الحكيم كونفوشيوس: "من جار على شبابه شخّت عليه شيخوخته". 

ـ بمجرد خروجها إلى النور، تصبح الأغاني والأفلام والروايات والقصص منتجات مستقلة عن صانعيها، تضيف إليهم، لكنهم لا ينتقصون منها بمواقفهم الخاطئة والمخزية، ولولا ذلك ما عاش في تاريخ البشرية فن ولا أدب. 

ـ انتظرت هذا الإيميل من فترة طويلة، لكنه وصلني متأخراً، وقبل أن يصلني كنت قلقاً على مصير ثورة السودان، أتحدث عن ذلك الإيميل الذي يأتي بعد كل ثورة تنجح في خلع رئيس ما، تعرض عليك فيه زوجة الرئيس المخلوع أن تساعدها في تهريب ثروة زوجها المخبأة في بنوك سويسرا وجزر الكايمان والبهاماز، بشرط أن ترسل لها بيانات حسابك البنكي و"باس وورد" إيميلك وكارتك البنكي، للأسف وصلني متأخراً الإيميل المنتظر من وداد بابكر زوجة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، مع أنني كنت أتوقع أن يأتيني إيميل مثله من زوجات محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي وجبران باسيل وعادل عبد المهدي، أما إيميل أسماء الأسد وإيميل انتصار السيسي فأنا أدرك أنهما سيتأخران، لكن مسير الحي يتلاقى. 

ـ ليس هناك لحظة أصعب ولا أقسى ولا ألعن على الأب، من تلك اللحظة التي يكون قد أحضر فيها لأولاده هدايا دفع فيها دم قلبه، ثم يواجهه بعد ذلك مباشرة السؤال الذي يجسد كل جحود الإنسان ونهمه اللا محدود لمتع الحياة الزائفة، سؤال: "هه جبت لنا إيه تاني يا بابا؟". 

ـ "لقد صار قلبي قابلاً كل صورة، ومع ذلك ما باقبلش منظرك يا أخي". 

ـ لا تغضب من نفسك أكثر من اللازم حين تتذكر أخطاءك، احمد ربنا واشكر فضله، وتذكر برغم كل شيء أنك لست ضياء رشوان. 

ـ إذا كنت كذوباً فكن ذَكوراً، أما إذا كان لديك سلاح فاكذب براحتك، سيراجع الآخرون أنفسهم لكي يتعايشوا مع أكاذيبك. 

ـ يضحكني انشغال الكثيرين بالحديث عن مخالفات عبد الفتاح السيسي للدستور والقانون، وينسون أنه يحكم مصر منذ البداية بدستور مكون من مادة وحيدة هي: "الجيش بيقول لك اتصرّف". 

ـ حقيقة علمية: في مسألة الصحة لا تراهن على الجينات، لأنها لا تقف في صف الناس "اللي طالع جين أبوهم في الحياة".


ـ لأنني لا أكف عن التفكير في مصائر الممثلين الثانويين الذين يظهرون في خلفية مشاهد الأفلام شاهدت هذه الصورة التي تجمع بين فاتن حمامة وعمر الشريف في أحد مشاهد فيلم (صراع في الميناء) للمخرج يوسف شاهين، وأخذت أسأل نفسي: أين ذهب الآن ذلك الرجل الشقيان الذي يحتل جزءاً لا بأس به من الكادر، ماذا صنعت به الدنيا بعد ما صنعه به يوسف شاهين؟ ولماذا كانت عيناه زائغتان في الكثير من لقطات المشهد الذي جمعه بعمر وفاتن؟ هل كان يمسك الضحك أم كان دائخاً من الجوع أم كان يغالب الإحساس بالغثيان أم لأنه أخذ كلمتين في جنابه حين فقد تركيزه وأطال النظر إلى مفاتن فاتن؟ هل كان صياداً اختاره شاهين من المكان؟ أم جاءت به إلى المشهد علاقة صداقة بمساعد المخرج؟ أم أنه ساعد طاقم العمل على تأمين التصوير دون إزعاج فاستحق أن يكون جزءا من الكادر التاريخي؟ وحين يُعرض الفيلم هل يركز أبناؤه وأحفاده مع نظرة فاتن، أم يكتفون بالنظر إليه؟ وهل حكى لهم عن ذكريات هذا اليوم الذي ربما لم يكن سعيداً بسبب شخط يوسف شاهين فيه؟ أم أن فاتن وعمر كانا لطيفين معه بشكل جعل اليوم يصبح ذكرى سعيدة؟ كم تقاضى عن ذلك اليوم؟ وهل كان أجرا مجزياً؟ طيب وأخبار "البريك" هل كان محترماً أم أي كلام؟ وهل استمر يتابع أخبار فاتن وعمر طيلة الوقت ويتذكر ذلك اليوم؟ أم أن الدنيا أرته أياماً أسوأ جعلته ينسى ذلك اليوم إلا حين يقول له أحد ما بإعجاب أو تريقة أو بتساؤل: "شفناك النهارده في التلفزيون ورا عمر الشريف وفاتن حمامة".

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.