عن إضاءة جهنم وجنس الجنة وعَرَق الرئيس وسفاسف أخرى

عن إضاءة جهنم وجنس الجنة وعَرَق الرئيس وسفاسف أخرى

06 يناير 2019
+ الخط -
ـ بعد كل ما فصّله الخبراء من فروق في التعامل مع الصحافة والإعلام بين الدول الديمقراطية والدول المحكومة عسكرياً، تستطيع بعد مقابلة عبد الفتاح السيسي مع برنامج (60 دقيقة) الأميركي، أن تضيف فرقاً جديداً مهماً هو العَرَق. قل لي من يعرق في المقابلة من شدة التوتر: الرئيس أم المذيع؟ أقل لك في أي دولة أنت. 

ـ حكمة الأسبوع: من خرج من دار أذرعه الإعلامية، اتقلّ مقداره.
ـ بينما أنت تلهو، هناك بني آدم غتيت يجتهد لعكننة مزاجك بعبارات إنشائية تبدأ بكلمات "بينما أنت تلهو".
ـ أكبر عقوبة تستحقها التعبيرات المبتذلة، أنها أصبحت مضغة في أفواه الجميع، حتى أعداء الابتذال.
ـ حتى لو لم يكن هناك جنس في الجنة، من المؤكد أنه لن يكون فيها مشايخ يحركهم ضباط أمن الدولة بالريموت كونترول، وهذه لوحدها نعمة كافية لأن يتمنى الإنسان دخول الجنة.
ـ المحبة الصادقة لا تزول أبداً، حتى حين تبدلها الأيام وتقلباتها إلى كراهية، تظل المحبة هي الجزء الغاطس الذي يثقل الكراهية ويذكي أوارها كلما خفّت حدّتها.
ـ للأسف، المبادئ لا تتجزأ، لكن حملة المبادئ يتجزأون، والحقيقة لا يمكن دفنها، لكن أجزاء المدافعين عنها يمكن دفنها.

ـ لست محتاجاً لمن يذكرك بأن المعرفة العلمية لا تمنح حصانة دائمة من الجهل، بعد أن شاهدت أساتذة جامعة ينكرون تحضير الأرواح والعلاج ببول الإبل وخرافات الأشباح والعفاريت، لكنهم يصدقون أن أوباما وجون ماكين إخوان، وأن قائد الأسطول السادس الأميركي لم يأذن الله بعد بفك أسره لدى صقور المخابرات الحربية.
ـ أصبح الفرق بين الدعارة والزواج في مجتمعاتنا، أن العاهرة تقاولك على نفقات الليلة، أما أهل العروسة فيقاولونك على نفقات العمر.
ـ أضف إلى معلوماتك: النهايات السعيدة لا توجد إلا في عدد محدود من مراكز المساج، وطبيعة العوامل التي ترتبط بحدوثها، لن تجعل منها دائماً سعيدة بالشكل التي تتخيله.
ـ مع أن ذكر الموت حاضر في كل تفاصيل حياتنا، نقول دائماً أننا كدنا نموت أو سنموت من الضحك ومن الخوف ومن العياط ومن الغيظ ومن البرد ومن الحر ومن الغباء، ومع ذلك نندهش حين يحضر الموت، بعد كل هذه المرات التي صاحبتنا فيها سيرته في حياتنا.
ـ إذا استمرت الأسعار في هذا الارتفاع الجنوني، لن يستطيع المضطر حتى أن يركب الصعب، بل ربما اضطر المضطر لركوب صاحبه، أو نفسه، أيهما أقرب.
ـ إذا كان سيتم اختيار نوع إضاءة لجهنم لكي تزيدها وحشة وكآبة وتعذيباً، بالتأكيد ستتم إضاءتها بلمبات النيون.
ـ على مقياس التعاسة الإنسانية، سيكون الأتعس على الإطلاق، هو ذلك المواطن الذي يشعر بالفرحة لأنه يعيش في ميدان تغير اسمه من ميدان (فيكتوريا) إلى ميدان (نصر الإسلام)، ولا يزعجه ولو للحظة أن الميدان ممتلئ بالزبالة، وأنه يمكن أن يأكل على قفاه فيه من أهيف مخبر.

ـ كل فرحة لها توقيت يضاعف منها ويعطيها طعماً خاصاً، ولذلك هناك فروق واضحة بين فرحة الثلاثيني بالانتصاب المنتظم، وفرحة الأربعيني بانتصاب صباحي، وفرحة الخمسيني بأي انتصاب، وفرحة الستيني بالانتصاب تحت إشراف طبي، وفرحة السبعيني بالحديث عن الانتصاب.
ـ لا يوجد شيء في هذه الدنيا مضمون، زيجات كثيرة لأصدقاء لي بدأت بحب جارف وانتهت بطلاقات وفضائح ومرمطة في المحاكم، بينما بدأت واحدة من أنجح زيجات أصدقائي في صالون عائلي ممل، في ليلة شهدت إصابة العائلة بتسمم حاد من الجاتوه الرخيص الذي أحضره صديقي، ومع ذلك فقد نجا الجميع، بما فيهم الزيجة، حتى الآن.
ـ احترت حين قرأت لأحد النقاد وصفاً لرواية رديئة بأنها "كتابة بطعم النيل"، لم أدرِ هل هو ناقد ماكر جداً استطاع أن يوصل شتيمة قاسية في ثوب مجاملة مفرحة للجهلاء، أم أنه جاهل لم ير النيل عن قرب فضلاً عن أن يذوق طعمه.
ـ إذا كانت معدلات الطلاق المرتفعة تثير مخاوفك، حاول أن تتخيل إلى أي مدى كانت سترتفع لو قرر كل متزوج أو متزوجة أن يجيبا بصراحة مطلقة على أسئلة ملتبسة من نوعية: "هو اللبس ده متخنّي شوية؟".
ـ لا تحدثني عن الأمل حديثاً مرسلاً لا يستند إلى الواقع الملموس، اذهب إلى محل كبدة (العربي) في الإسكندرية، إلى جوار المرسي أبو العباس، وقل لي هل لا زال صنايعي السلطات يقوم بصناعتها بمعلمة وإتقان، إذا كان لا يزال كذلك، حدثني وقتها عن الأمل، وسأتفق معك.
ـ ليس بالضرورة أن يكون هناك أسباب عقلانية للكراهية، في الغالب الأعم تنشأ الكراهية كشحنة عاطفية انفعالية تستبد بالروح، وهناك من يحاول عقلنتها بالبحث عن أسباب، وهناك من يكون صادقاً مع نفسه ويعلن أنه ليس محتاجاً إلى أسباب ليشعر بالكراهية، وأنا في خصوماتي وخلافاتي أفضل النوع الأخير لأنه يساعد على توفير الوقت والمجهود الذين يضيعان في محاولة مناقشة أسباب الكراهية.


ـ في بداية الطريق نحو الزواج، يكثر الحديث عن الدفء، ثم يتضح بالممارسة العملية أن التكييف أهم من الدفء.
ـ سيأتي اليوم الذي نعرف فيه قيمة الحيوانات التي تعيش في شوارعنا، فتمشي العرسة في شوارعنا متمهلة متخايلة متمخترة كأنها سنجاب يتمشى في شوارع نيويورك.
ـ ".. ومن حقك يا ابنتي أن تكرهي أو تحبي من تشائين، وأن تحتقري أو تبجلي من تريدين، لكن عليكِ أن تتذكري أن مشاعر الحب والكراهية والاحتقار والتبجيل ليست أحكاما نهائية، وأنها خاضعة على الدوام لتقلبات القلوب وتبدلات الأحوال، وأن العبرة دائما بالخواتيم، ولأننا بطبيعة طول الزمان وقِصَر الأعمار، لن ندرك كل الخواتيم، ولذا تظل أحكامنا مرتبطة فقط بلحظة إصدارها، ولذلك أيضا ليس علينا أن نجزع أو نأسى، إن أثبت الزمن خطأ ما كنا نظن، وإن شئتِ أن أسوق لك مثالاً على ما أقوله، فدونكِ هذه الممثلة التي ظهرت قبل سنين قليلة، والتي لا تدرين من أين جاءت بكل هذه البراعة في التعبير عن مشاعرها دون ثرثرة ولا افتعال، وكيف استطاعت تطويع نبرات صوتها وملامح وجهها ونظرات عينيها في خدمة كل شخصية تلعبها بشكل مدهش، يوحي بخبرة عريضة في التمثيل، هل تعلمين يا ابنتي أن هذه الممثلة كانت على أيامنا، قبل عقدين من الزمان، مغنية بلغ من إزعاج غنائها لي، أنني كتبت عنها ذات يوم أن كل من سمع صوتها "أنّ وشكا"، ولذلك أسموها اختصارا (أنوشكا)، ولعلي لا أذكر أن أغنية لها نجحت على أيامنا، سوى أغنية وطنية بعنوان (بلاد طيبة) كانت تظهر فيها مع محمد منير "خلف خلاف" لسبب غير مفهوم، وقد كانت تلك الأغنية الوحيدة التي تكرر آنذاك قنوات التلفزيون الحكومي إذاعتها لمحمد منير، قبل أن ينال رضا مسئولي التلفزيون، بعد أن غنى أمام حسني مبارك وعلية القوم في افتتاح متحف النوبة.
يا ابنتي، اجعلي من أنوشكا ومن شابهها ممن تتفجر مواهبهم بعد طول انتظار، ومن يجدون طريقهم بعد طول تعثر، سبباً إضافياً لتذكيرك أن العبرة بالخواتيم، ولا تظني أن أباكِ يبالغ، حين يقول لكِ أنه لم يعد يستغرب نجاحاً على أحد طال فشله، من فرط ما رأى من تقلبات الزمان، حتى أنكِ لو جئتِ لي بسيرة ذكر مغني التسعينات دائم النشاز والتلزيق سامح يسري، والذي كتبتُ مرة أن اسمه الكامل ينبغي أن يكون: "سامح يسري يا رب لإنه خلَّف سامح وسابه يغني"، ولو أنكِ زعمتِ لي أنه سيصبح ممثلاً مدهشاً في مسلسل محمد ياسين القادم، لبسمل أبوكِ وحوقل وسبّح بحمد من يرزق الهاجع والناجع على صرصور ودنه، فهو وحده الذي يُحيي العظام وهي رميم".

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.