أنور السادات يكتب: نحن والإخوان المسلمون

أنور السادات يكتب: نحن والإخوان المسلمون

22 اغسطس 2018
+ الخط -
تحت هذا العنوان وبتاريخ 19 يناير 1954 كتب أنور السادات عضو مجلس قيادة الثورة في مجلة التحرير التي كان يدير تحريرها قائلاً في مقاله: "إن بعض الحاقدين يتهمون قادة الثورة بتهمة التنكر لديننا، دين الإسلام المتغلغل في دمائنا المتأصل في أعماق نفوسنا وقلوبنا... ولهذا كنا أحرص الناس على بقاء جماعة الإخوان المسلمين لاعتقادنا أنها جماعة صالحة تدعو لدين الله، ولما رسمه الإسلام من أخلاق كريمة، وهي نفس المبادئ التي اعتنقناها عن إيمان ويقين، لا لأنها مبادئ الإخوان بل لأنها مبادئ الإسلام نفسه، فإذا جاء اليوم هذا النفر الذي أراد أن ينحرف بهذه الجماعة الصالحة عن أهدافها الصالحة، وزعم أننا نحارب الإسلام حين نحاربهم، فلن يجدوا من يصدق زعمهم".



وأضاف السادات في مقاله قائلاً: "إن جماعة الإخوان المسلمين جماعة سامية الأهداف نبيلة الأغراض، ولكنها ككل هيئة أو جماعة تضم بين صفوفها بعض من تنطوي نفوسهم على دَخَل... وقد ابتلي بمثل هؤلاء الإسلام في مستهل دعوته والرسول ابتلي بأمثالهم، ومن الواجب على كل مسلم أن يجنب المسلمين شر هذه الفتنة، وهذا ما فعلناه، لا لحماية أنفسنا بل لحماية الدعوة النبيلة ولحماية الإخوان المسلمين أنفسهم ممن فرضوا عليهم السمع والطاعة. هذا هو رأينا فليجادلنا فيه من يؤمن بقوله تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة".

بعد أسابيع من نشر مقال البكباشي المؤمن أنور السادات، وبالتحديد بتاريخ 9 فبراير/ شباط 1954 أوضحت مجلة (التحرير) الناطق الرسمي باسم ضباط يوليو، ما الذي كان يقصده السادات بحديثه الغامض، حين نشرت موضوعاً يتهم مرشد الإخوان حسن الهضيبي بأنه لم يكن عضواً في الإخوان وأنه لم يقل للإخوان ما دار بالضبط في لقائه بالملك فاروق، وأنه لم يفعل مثلما فعل مؤسس الجماعة ومرشدها العام الشيخ حسن البنا الذي رفض الملك فاروق لقاءه، وأن الهضيبي لم يكن صديقاً لحسن البنا ولا مستشاراً له كما يدّعي، وأن البنا كان يستشيره من باب استشارة العدو، مؤكدة أن الهضيبي يلاقي رفضاً داخل الجماعة، وأعضاؤها يريدون خلعه.



ولكي تؤكد مجلة ضباط يوليو على تفريقها بين البنا والهضيبي، نشرت في الأسبوع التالي مباشرة على غلافها صورة لجمال عبد الناصر وصلاح سالم وهما يزوران قبر الشيخ حسن البنا بصحبة شقيقه عبد الرحمن البنا الذي حرصت على وصفه بالأستاذ، وحمل الغلاف عنوان (لحظة خشوع على قبر البنا).

وفي داخل العدد نشرت المجلة على مساحة كبيرة صورة لعبد الناصر وهو يسير في سرادق الاحتفال بذكرى البنا وسط عدد كبير من أعضاء الجماعة وهم يرحبون به ويحتفون بقدومه إلى احتفالهم.



كما نشرت صورة له وهو يستمع باهتمام إلى الخطاب الذي ألقاه عبد الرحمن البنا في ذكرى أخيه، في حين وصفت المجلة كلمة عبد الناصر التي ألقاها في رثاء حسن البنا بأنها جاءت ترجمة صادقة لعواطفه "نحو الرجل الذي لم يكن يعمل لنفسه ولكن لدنياه"، كما أشارت إلى كلمة الصاغ صلاح سالم التي قال فيها إن "المعاني النبيلة التي خصها البكباشي جمال عبد الناصر بكلمته هي مبادئ الإسلام ومبادئ الثورة الرشيدة المصلحة".



أما باقي القصة فلست بحاجة إلى تذكيركم به، فأنتم تعرفون كيف تعودت جماعة الإخوان على أخذ نفس "القَلَم على سَهوة"، من كل رئيس مؤمن يصلي خاشعاً بصحبة قادتها، ويستمع باهتمام إلى خطب رموزها.

إسرائيل سبب إنشاء إذاعة القرآن الكريم!
في تقرير مصور نشرته مجلة آخر ساعة عام 1963 عن الشيخ محمد خليل الحصري، أو "الصوت الذي يسمعه 750 مليون مسلم"، قال الشيخ الحصري إنه ولد في بلدة شبرا النملة مركز طنطا عام 1917، ودرس في كُتّابها ثم درس في معهد طنطا الديني من سن العاشرة، وكان محباً لعلم القراءات، وعندما بلغ الخامسة عشرة من العمر أذّن ذات مرة للصلاة فلاحظ والده إعجاب الناس بصوته فجعله يتفرغ تماماً للقراءة، وفي سنة 44 أتقن دراسة القراءات السبع وتقدم للإذاعة ولديه 26 سنة، لكنه أصيب باضطراب كبير أمام لجنة التحكيم، ولولا حكمة رئيس اللجنة لفشل في الامتحان. وبعد 4 سنوات من نجاحه المفاجئ الذي أعقبه اجتهاد مضاعف منه، عيّن قارئاً للمسجد الأحمدي بطنطا، ثم مفتشاً للقراء، وبعد وفاة الشيخ الصيفي قارئ المسجد الحسيني عام 1955 عيّن في مكانه، ووصلت بعدها القراءات التي تعلمها على يد شيخ المقارئ السابق علي الصباغ إلى عشر قراءات، ثم عيّن في عام 1961 شيخاً لعموم المقارئ بقرار جمهوري، وواصل تعلمه للقراءات حتى وصلت إلى 14 قراءة.



زار الشيخ الحصري بعدها الهند وباكستان مرافقاً للرئيس جمال عبد الناصر، وزار بلداناً إسلامية أخرى برفقة شيخ الأزهر محمود شلتوت، وحين سألته المجلة عن قصة المصحف المرتل، قال إن السبب الذي جعله يلجأ لتسجيل المصحف المرتل هو إسرائيل، لأنها حاولت في السنين الأخيرة أن تطبع نسخاً من القرآن بها كثير من الأخطاء بقصد تضليل المسلمين الذين لا يحفظون القرآن، خصوصاً في البلاد الأفريقية، وبالطبع لم تسأله المجلة عن مصدر معلوماته، ولا عن كيف سيدرك المسلمون الأفارقة الذين لا يجيدون اللغة العربية الفرق بين المصحف الحقيقي والمصحف المحرف، فأضاف قائلاً: "وعندما علم سيادة الرئيس عبد الناصر بذلك أمر بتسجيل المصحف مرتلاً وأن تخصص له إذاعة خاصة موجهة إلى هذه البلاد حتى لا يحدث أي تحريف في كلام الله، وعلى الفور تم اختياري لهذه المهمة بعد مسابقة وقمت بتسجيل القرآن الكريم بعد بروفات وإعادات استغرقت مني عاماً كاملاً".



لست متأكداً من دقة ما قاله الشيخ الحصري عن تحريف القرآن في دول لا تقرأ العربية، إذ كان الأوقع أن يتم ذلك التحريف في دول تقرأ العربية لكي يكون له جدوى، لكن إذا كنا سنصدق نظرية المؤامرة في موضوع كهذا، فهل سنتهم إسرائيل أيضاً بأنها كانت وراء امتلاء إذاعة القرآن الكريم ببرامج سقيمة يختلط فيها نفاق الحكام بالفتاوى التي تصيب الإنسان بالشلل، ببرامج الزعيق في مسامع طلائع الإيمان، بغلبة الخطاب الوعظي الممل، لتنحرف الإذاعة عن هدفها الأهم، وهو إذاعة أصوات أروع القراء وهم يتغنّون بالقرآن الكريم ويرتلونه ويجودونه، وهو ما جعل الكثير من أبناء الأجيال الجديدة للأسف يفقدون صلتهم بمدرسة التلاوة المصرية التي طالما تغنت بالقرآن الكريم، وشكّلت واحدة من أجمل مدارس قراءته في العالم.

هوس الانضباط
في نهاية عام 1978 وضمن سلسلة تقاليعه الأخلاقية مثل المطالبة بدولة العلم والإيمان والعودة إلى أخلاق القرية وتطبيق قانون العيب، أطلق الرئيس أنور السادات حملة تطالب بعودة الانضباط إلى الشارع المصري، فامتلأت الصحف والمجلات بتحقيقات ومقالات وأخبار وكاريكاتيرات تتحدث عن الانضباط وأهميته وتكشف غير المنضبطين، ممن يصح الهجوم عليهم طبعاً، وتجاوبت زوايا بريد القراء مع الحملة فامتلأت برسائل تعزف على نفس وتر الانضباط، كان من بينها مثلاً رسالة نشرت بتاريخ 26 يناير/ كانون الثاني 1979 في باب (بين المصور وقرائه) أرسلها محمد لطفي خلف مدير شكاوى الشركات سابقاً، بعنوان (الانضباط في المجمعات الاستهلاكية)، تهاجم المجمعات الاستهلاكية التي كانت هدفاً سهلاً للانتقاد من الصحافة والإعلام والسينما والمسرح، كأنها كانت تعمل كجزيرة منعزلة عن الدولة، كاشفاً في رسالته عن سير العمل في المجمعات الاستهلاكية من سيئ إلى أسوأ، لدرجة أن مجمعات النيل والأهرام والإسكندرية استوردت 900 طن دجاج من الدنمارك وطرحته للبيع، وأقبل عليه المستهلكون، غير أنهم اكتشفوا أنه لا ينضج، ثم كانت المفاجأة أن تاريخ صلاحيته انتهى، وبالطبع لم تنته الرسالة بالمطالبة بمحاكمة رئيس الوزراء ولا حتى وزير التموين، بل محاكمة كل موظف مهما كان مركزه ممن تسببوا في هذا الإهمال الشنيع.

في وسط سيل رسائل الانضباط التي امتلأ بها باب بريد القراء في مجلة (المصور)، كبرى المجلات المصرية المصورة وقتها، توقفت عند رسالة بعنوان (الانضباط مطلوب)، كانت عبارة عن زجل كتبه من أطلقت عليه المجلة (زجال الإسكندرية رمضان السيد عفيفي) والذي ركز هجومه على الباعة الجائلين الذين تحتفظ الطبقة الوسطى في مصر بكراهية تاريخية لهم تستحق الدراسة والتأمل، يقول الزجال السكندري في قصيدته العصماء:
"الانضباط في البلد خطوة حلوة وعال
وكل بياع فواكه ع الرصيف انشال
وارتحنا من شكلهم وارتحنا م النشال
دول كان وجودهم غلط ف البلد بصحيح
وكان كمان حسهم يدوش دماغنا يا خال
الانضباط في البلد أحسن طريق للنور
علم شبابنا الأدب والشعب بيه مسرور
من يوم ما قولتوا المحاكمة سجن 6 شهور
لأي واحد يعاكس بنت في الطرقات
الكل تاب وانكمش وفي الطريق حتزول".

يسهل بالطبع انتقاد مثل هذا الزجل التعيس، الذي لو طبقت على كاتبه قواعد الانضباط، لتم منعه من كتابة الزجل مدى الحياة، فضلاً عن العقوبات التي يجب أن توقع على كل من سمح بالنشر له، لكن المشكلة أن ما قرأته الآن ليس معبراً عن فرد، بل كان ولا يزال دستور حياة للملايين من عشاق الاستئساد على الفقراء والضعفاء، وتناسي القوانين واللوائح حين يخالفها الأغنياء والأقوياء، ومن يدري ربما لو كانت مهارات رمضان السيد عفيفي أفضل، لكانت أزجاله قد نشرت في صدر الصفحات الأولى مسبوقة بلقب (شاعر الشعب).

....

نجيب الريحاني كاره السينما
تحت عنوان (هذه الصورة تذكرني) نشرت مجلة (الكواكب) هذه السطور التي كتبها الممثل القدير استيفان روستي والتي روى فيها بعض ذكرياته عن صديقه نجيب الريحاني:

"كان الريحاني يحب المسرح ويتمنى لو عاش طوال حياته على خشبته لا يفارقها أبداً. ولقد اجتذبته السينما رغماً عنه، فقد مرت عليه بعض ظروف مادية جعلته يقبل العروض التي عرضت عليه ليعمل بالسينما وكلها كانت عروضاً مغرية. وهذه الصورة تمثل مشهداً من فيلم (صاحب السعادة كشكش بك) وقد كان لنجاح هذا الفيلم من الناحية المادية أكبر الأثر في تشجيع المنتجين على الاتفاق مع الريحاني، رغم أن أحد مهندسي الصوت صرح وقتها بأن صوت الريحاني لا يصلح للميكروفون السينمائي، وعندما سمع الريحاني هذا التصريح ذهب إلى مهندس الصوت وقبّله وهو يقول: لقد طمأنتني على مستقبلي كممثل مسرحي".



تكتسب الصورة أهمية إضافية من كونها إحدى الصور القليلة التي بقيت من هذا الفيلم المفقود، وهو ليس وحده على أية حال، فهناك مئات الأفلام التي أنتجت في هذه الفترة واختفت في ظروف ليست غامضة، لها علاقة بالإهمال واحتقار التراث في الوقت الذي لا يكف الجميع فيه عن التباكي عليه وعلى زمنه الجميل.

...

حدث في القاهرة
في صفحة الحوادث في جريدة الأهرام الصادرة بتاريخ 2 مايو/ أيار 1948 وتحت عنوان (من حوادث القاهرة) نُشرت الأخبار القصيرة التالية:

تنشل وهي معتقلة
اعتقل رجال البوليس أمس نشالة خطرة اسمها فتحية عباس حسين وقادوها إلى دار المحافظة للتحقيق معها، وفيما هي جالسة تنتظر دورها، مر شخص فنادته، وأخذت تتحدث إليه وتمكنت من نشل حافظة نقوده، وبعد انصرافه اكتشف الحادث، فأبلغه إلى اليوزباشي السيد السعيد، ولما فتشت الفتاة لم يعثر معها على شيء، ولكن بعض المسجونين قالوا إنهم رأوا الحافظة معها، فدعيت إحدى السيدات لتفتيشها فعثرت معها على الحافظة موضوعة في مكان خفي من جسمها.

من قضايا الشيوعية
أرجأت محكمة النقض والإبرام أمس الحكم في قضية الشيوعية المحكوم فيها ببراءة أحمد عصفور أفندي إلى جلسة 18 مايو القادم لعدم إتمام المداولة، وتنظر اليوم أمام حضرة قاضي الإحالة قضية الترويج للمبادئ الشيوعية المتهم فيها هنري كورييل وعشرون متهماً معه. 

عصابة للسرقة
علم اليوزباشي عبد الفتاح البحيري معاون المباحث في قسم الأزبكية أن إبراهيم كردي وسيد أبو فرخة قد كونا عصابة للسرقة من محال الأقمشة بشارع الفجالة فاعتقل أفراد هذه العصابة في أثناء محاولتهم السرقة من أحد المتاجر.

قضايا الصحف
أجّلت محكمة النقض والإبرام أمس إصدار أحكامها في القضايا الصحفية الخمس المحكوم فيها بالبراءة إلى جلسة 18 مايو الحالي بسبب عدم إتمام المداولة.

قنابل خطرة
قام اليوزباشي فريد عبد الشافي المعاون ببوليس عابدين بتفتيش مخازن مخلفات الجيش الكائن في منطقة أرض شريف باشا والمناطق المجاورة لها فعثر على ثلاث قنابل تبين أنها من النوع الإيطالي شديد الانفجار.

...

وختاماً مع الكاريكاتير:
في عدد صحيفة (الأهالي) الصادر بتاريخ 6 فبراير/ شباط 1985 أبدع الفنان العظيم حجازي هذا الكاريكاتير الذي لست بحاجة إلى تذكيرك إلى أي مدى لا يزال صالحاً للنشر.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.