صندوق العجب

صندوق العجب

29 مايو 2018
+ الخط -

لم تخيب قنوات القطب العمومي توقعات المشاهد المغربي، خلال شهر رمضان الكريم، حيث قدمت له وجبة من الأعمال الفنية التي استولت عليها الرداءة والإسفاف. نال إعلامنا حيزا كبيرا من السخط من طرف جمهور السوشال ميديا، حملوا مسؤولية ما يقع، للمشرفين على الشأنين الثقافي والإعلامي بالبلد.

إنها مهزلة إعلامية كاملة الأوصاف وجريمة مكتملة الأركان في حق الذوق العام، يراودك شعور بالنقمة والحسرة على ما وصل إليه إعلامنا المغربي الذي يمول من جيوب الفقراء المثقوبة أصلا، والذي يقدم لهم فنا لا يليق بهم.

تتناسل وتنبث الإشهارات من كل حدب و صوب، وتتحول قنواتنا المغربية العمومية، التي تتنافس على ضمان رمضان أحلى معها، بقدرة قادر إلى ما يشبه البازارات، حيث تتم مداهمة المشاهد بخطاب التوسل والترغيب بمختلف الطرق وضروب الإقناع، إلى درجة التخمة، حتى الخطاب الإشهاري لم يسلم من الرتابة أيضا، التي تطغى على مسلسلاتنا و أفلامنا.


ما دون فترة الأذان التي تجلب الأنظار والأسماعَ، لا شيءَ يعجب جمهور المشاهدين ويثيره ويستفز شهيته، مواضيع تنهلُ من واقعٍ غير واقعنا المغربي، السخرية من البدوي وتجسيد الصراع الأزلي والمتجاوز بين المرأة والرجل... ولغة تمتحُ من قاموس قريب من الانحطاط وبعيد من السمو والرقيّ.

هل الساحة الفنية فاقدة طاقات إبداعية، غير تلك التي نراها اليوم ورأيناها في ما مضى من الشهور والأعوام؟ وجوه راكمت الفشل عاما بعد عامٍ، كأنها "مكْتُوبة علينا"، نراها في "السيتكومات"، في الكاميرا الخفية، وفي أعمال سينمائية... حتى الملصقات الإشهارية التي تزين بها شوارعنا لم تسلم منهم. و نفس المنتجين والمخرجين نجدهم هنا وهناك، شيء مثير للريبة والشك، والصدفة بريئة من كل هذا.

إن بعض الأعمال الفنية التي تبث طيلة شهر رمضان مسيئة لأرشيفنا الفني المغربي؛ في المسرح و السينما...، الذي صنعه جيل الرواد من المبدعين الذي كان إرضاء الجمهور قبل إرضاء الجيب هو مسعاهم، و يأسرك الحنين إلى تلك الفترات الزاهية وينتابكَ الأسى حين نشاهدُ هذا المسوخ الذي يداهم بيوتنا.

غابت الجودة وحضر الابتذال، طريقة سخيفة في الإضحاك تتخذ من تشويه الملامح و"تِعواج الفم"، أعمال تنم عن خلل واضحٍ على مستوى الكتابة والإخراج والتصويرِ، استخفاف صريح بذكاء وعقل المشاهد.

إننا أمام منتج فني منافٍ لقيمنا وثقافتنا المغربية الفريدة، يستشف المتتبع، أن هناك سعياً للنزول بنا إلى القاعِ المزدحم، حيث التطبيع المباشر والصريح مع الجريمة والتعايش مع العنف وتجميل الانحراف... فمن له المصلحة في السعي نحو "تكليخنا"؟.

لنكن منصفين، حتى الرداءة الفنية التي تواجه بالشجب والاستنكار من لدن رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لها متابعوها ومحبوها، الدليل هو نسبة المشاهدات التي تحققها على منصة اليوتوب و التي تعد بالآلاف إن لم تكن بالملايين..
.
أعيدوا لنا إعلامنا.

3B013BFE-CC0A-41A9-94BE-D9F8B505D40C
إسماعيل العماري

كاتب مهتم بقضايا التربية والتكوين.يقول: ولد الإنسان ليكتب ويعبر بحرية.