قطارُ موت القنيطرة

قطارُ موت القنيطرة

22 أكتوبر 2018
+ الخط -
يوم الثلاثاء المنصرم، التاريخ الذي كتب بمداد من الدم والحزن الذي خيّم علينَا جميعا، فقَدَ المغرب خيرة من الشباب والأطر، في حادث انحراف قطار عن سكته، متجه صوب مدينة القنيطرة في رحلة لم يكتب لها الاكتمال، حصدت الحادثة ستة أرواحٍ، تركت وراءَها مشاهد دراميَّة مفجعة، أمهات ثكلى، زوجات تئن تحت وطأة الصدمة، أصدقاء فقدوا أقربَ الأقرباء.. تغمدهم الله برحمته وألْهمَ ذويهم الصبر والعزاء.

قدّم المغاربة دروسا في الوطنية والإنسانية، وأبان الجميع عن حس عالٍ من التضامن والتآزر في الأوقات العصيبة، هناكَ من تبرع بدمه، وهناك من تبرعَ وضحّى بوقته وماله للوقوف بجانب من كان في مسيس الحاجة للمساعدة.

أما تجار المآسي والكوارث، و"الصّعالكة" الذين سارعوا إلى نهب أغراض الموتى والجرحى، فلا يستحقون الحديث عنهم وعليهم.


لنترك الحزن جانبا، ونبحث عن المسؤول الحقيقي وراء هذه الفاجعة التي تُضاف إلى فواجع أخرى غرق فيها الوطن، ولزمه الأسى، الزبون الوفي لمكتب السكك الحديدية، سيتنبأ بأن الكارثة ستقع يومًا ما، حجم الاستهتار بالأرواح والوقت، بات عادة تلازم المكتب ONCF الذي يراكمُ المليارات، أما نحن فنجني "مرض السكري والأعصاب".

لن يستقيل وزير النقل والتجهيز، رغم حوادث السير التي تحصد الأرواح، في مختلف الطرق وسيفتح التحقيق لجرّنا نحو النسيان، ولن يقدم المسؤول على رأس المكتب الوطني للسكك الحديدية استقالته، وسيفتح تحقيق انحناء للعاصفة أو يتم الزج بأصغر موظف في الكارثة، ولن يتم تعريضُ أي منهما للمساءلة والمحاسبة، لفشلهما الذريع في تسيير هذه المؤسسة التي تسيء بخدماتها لسمعة الوطن، شكاوى متتالية حول التأخر ورداءة الخدمات.

"سيداتي، سادتي؛ انتباه من فضلكم القطار القادم من.. والمتجه إلى.. سيتأخر عن موعده 50 دقيقة.. 40 دقيقة.. 25 دقيقة" اعتاد رواد محطة قطار أجمل بلد في العالم هذه اللّازمة، فالتأخر أضحى سنة مؤكدة، المثير للغرابة هو قدوم القطار في موعده، أما مدير مكتب السكك الحديديّة، فقد دسَّ رجليه ويديه ورأسه في الرمال، ومَنحَ لنا "النّخالْ".

إن ثمة سبباً يجعل المغاربة مصابين بالجنون والحمق، ويرغبون في هروب جماعي من البلادِ، هي وسائل النقل، التي لا تحترم آدميته؛ قطارات متهالكة، أشبه بمراحيض متنقلة، تتجول فيها رائحة البول بكل أريحية، أضف إلى ذلك غياب المكيفات، يقضي المسافر في الخطوط التي تظهر عليها معالم المستقبل، رحلة من العذاب تمتد لساعات، واقفا على رجليه.

وأخيرًا جَاء القطارُ، إن القطار المتوجه نحو مراكش سينطلق في الوقت المحدد له، نعتذر لكم على هذا الانطلاق المبكر للرحلة الخارج عن إرادتنا.
3B013BFE-CC0A-41A9-94BE-D9F8B505D40C
إسماعيل العماري

كاتب مهتم بقضايا التربية والتكوين.يقول: ولد الإنسان ليكتب ويعبر بحرية.