حديث المبادرة مع موظف لكل العصور (3 - 3)

حديث المبادرة مع موظف لكل العصور (3 - 3)

21 نوفمبر 2018
+ الخط -
في ديسمبر من عام 2000 وبعد حوالي سنة على نشر الجزء الأول من حواري مع الدكتور مصطفى خليل رئيس الوزراء المصري في عهد السادات، ذهبت إليه لاستئناف حواري معه، لأطلب منه إلقاء المزيد من الضوء على تجربة التحول من الاتحاد الاشتراكي الذي كان في فترة ما أمينه العام، إلى الحزب الوطني الديمقراطي الذي استمر في حكم مصر طيلة عهد مبارك، وشغل الدكتور مصطفى لفترة طويلة منصب نائب رئيسه ورئيس لجنة الشئون الخارجية فيه.

كانت العلاقات المصرية الإسرائيلية "الرسمية" وقت إجراء الجزء الثاني من الحوار تشهد أسوأ حالاتها العلنية، حيث أعلنت مصر عن ضبط شبكة تجسس إسرائيلية، ثم أعلنت بعدها عن سحب سفيرها من إسرائيل، احتجاجاً على ممارسات إسرائيل الإجرامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي لم تتوقف يوماً، لكنها وصلت في تلك الفترة إلى مستوى غير مسبوق من العربدة، لتتفجر المشاعر الغاضبة في الشارع المصري بعد اقتحام المسجد الأقصى ومشهد قتل الشهيد محمد الدرة، وهو ما تسبب في إحراج نظام مبارك، ودفعه إلى قرار سحب السفير لفترة، استجابة للضغط الشعبي الذي تمثل في مظاهرات غير مسبوقة أخافت نظام مبارك، وحملات شعبية قوية لمقاومة التطبيع ومقاطعة البضائع الإسرائيلية، ومن أجل تخفيف الاحتقان الشعبي سمحت الدولة لأجهزة إعلامها الرسمية من صحف وقنوات بأن تشارك في الحملات الإعلامية المعادية لإسرائيل، وهو ما دفع أنصار التطبيع مع إسرائيل إلى التراجع عن مواقفهم علناً أو اختيار الصمت استجابة للضغط الشعبي العارم.

حين ذهبت إلى الدكتور مصطفى خليل، بدا لي في بداية الحوار كعادته منعزلاً تماماً عن الجو المحيط به، مصمماً على التعامل مع الأحداث الملتهبة ببرود شديد، لكنه بعد فترة من بدء الحديث لم يستطع مقاومة الاعتراف بخسارة رهانه الشخصي السابق على من كان يسميهم أنصار السلام في إسرائيل، وكان هذا نص ما دار من حوار بيني وبينه تعليقاً على ما كان يحدث وقتها، ثم استكمالاً لشهادته على تجربته كموظف كبير في خدمة أكثر من عهد، وأعتقد أن ما قاله مصطفى خليل في الحوار لا يعبر فقط عن شخصه، بل عن مجمل الرؤية الرسمية للدولة المصرية لكيفية التعامل مع إسرائيل ومع الشأن الفلسطيني، ومن هنا تأتي أهمية تأمل هذه الآراء وتحليلها، وهو ما سأتركه لك وأنت تقرأ:

- أعتقد أن أحداث الأسابيع الماضية غيرت كثيراً من التصورات حول جدوى العلاقات مع إسرائيل، وأثبتت فشل خيار التفاوض بين العرب وإسرائيل، بوصفك أحد مهندسي العلاقات المصرية الإسرائيلية، كيف ترى الوضع الآن؟
لا بد أن أتمسك بعملية السلام ولا أقول بوجود بديل لها، هناك بعض الكتّاب الآن يقولون إن الانتفاضة حاجة كويسة وأنها البديل لعملية السلام، يعني إذا كان في انتفاضة حصلت، فقد حصلت بسبب ما لا يقبله الفلسطينيون، وما يقبلونه أو لا يقبلونه هو في النهاية مسئولية المجلس الوطني الفلسطيني وياسر عرفات، والسياسة التي تسير عليها مصر هي عدم الضغط على عرفات، وعدم أخذ مواقف عنه، لكن مصر بثقلها تستطيع أن تساهم في إيجاد تفاهم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وما زلت أرى أنه لا يوجد بديل مطلقاً عن عملية السلام.

- لكن غالبية الإسرائيليين وبالإحصائيات الرسمية، يرون أن هناك بديلاً لعملية السلام، هو سحق الفلسطينيين، من ناحيتنا لماذا لا يكون مطروحاً حتى وقف التفاوض على الأقل باعتباره غير مجدي، ولو من باب الضغط على إسرائيل؟
لا بد من دراسة مزايا ومضار هذا التوقف، إذا كان التوقف يعني أن نلغي عملية السلام فهو غلط، لكن هناك حلاً آخر يتمثل في تعبير استخدمته وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت، وهي جاءت من كرة السلة إلى عالم السياسة، وهو ضرورة وجود time out أو وقت مستقطع، تتوقف فيه المباراة لعدة دقائق طبقاً لقانون اللعبة ثم عودة اللعبة أو المفاوضات، وهنا يمكن أن يحدث توقف لبعض الوقت في سير المفاوضات، وأركز على قوة مهمة هي الرأي العام العالمي الذي أشرح له ما هي الأوضاع القائمة وقمع إسرائيل للانتفاضة، وأن هدفي هو السلام.

مصطفى خليل مع سايروس فانس وموشي ديان مارس 1979 


- اتخذت مصر قراراً بسحب السفير المصري من إسرائيل، وتحمس البعض للقرار واعتبروا أنه يشكل بداية النهاية للعلاقات "الطبيعية" بين مصر وإسرائيل، بينما قلل البعض من أهميته ورأوه مجرد استدعاء للتشاور ووسيلة ضغط سياسي، كيف ترى هذا القرار؟
هو فعلاً ليس سحب بل استدعاء للتشاور، لكنه خطوة تثبت لإسرائيل الرسمية عدم موافقة مصر على ما يجري من أساليب لقمع الانتفاضة وتدخل الجيش الإسرائيلي، وضرورة جلوس الطرفين معاً، خاصة أن هناك ثوابت لدى الفلسطينيين، لا يمكن تجاوزها وهي خطوط حمراء، ونحن نرجو أن يتفهمها الإسرائيليون تماماً كما حدث في مفاوضات كامب ديفيد، عندما أعلنوا أن مستوطناتهم في سيناء باقية، لكن عندما حدث الاتفاق تضمن إزالة المستوطنات.

- لكن نحن نتحدث هنا عن ظروف مختلفة تماماً؟
ما أقوله هو أن الطرفين لا بد أن يصلوا إلى قناعة أنه لن يتمكن أي طرف من القضاء على الطرف الآخر، هذا هو ما آلت إليه الظروف، في المستقبل ستكون العلاقة بين الدولة الفلسطينية القادمة وإسرائيل مختلفة عن علاقاتها مع باقي الدولة المجاورة، لأن هناك حوالي 140 ألف عامل فلسطيني يذهبون يومياً للعمل في إسرائيل في قطاعي الزراعة والإنشاءات، وإغلاق هذا الباب سبّب خسارة كبيرة لدى الإسرائيليين، لأنه لا يستطيع الاستغناء عن العمالة الفلسطينية الماهرة، كذلك الجمارك على البضائع التي تذهب إلى المناطق الفلسطينية، أيضاً صناعات كثيرة من أراضي السلطة الفلسطينية، تغذي صناعات أخرى موجودة في إسرائيل وليس لها سوق في البلاد العربية، هذه كلها ظروف معقدة ولا بد للفلسطينيين من بحثها ليقرروا مستقبل العلاقات مع إسرائيل، لأنه لا محيد تحت أي ظرف عن السلام والكلام الذي كان يتردد عن إلقاء طرف في البحر وإخلاء الأرض منه لا مكان له الآن.

- لكن الواقع العملي المُعاش يصطدم بكل هذا الكلام، حتى أنه بعد ما كان يقال أن هناك سلاماً بارداً بين مصر وإسرائيل أصبح يتردد في الخطاب العربي والإسرائيلي الرسمي والإعلامي أن هناك حرباً باردة بين مصر وإسرائيل، مما يجعل حديثك هذا بعيداً عن الواقع؟
أنا لا أوافق على هذا الكلام، أولاً كلمة سلام بارد لسنا نحن الذين قلناها، الإسرائيليون هم الذين بدأوها، ولا توجد حرب باردة بين مصر وإسرائيل، بالنسبة للتطبيع، أنا أوكد وأنا كنت مسئولاً عن اتفاقيات التطبيع أن هذه الاتفاقيات لا يوجد فيها شيئ يمس سيادة مصر أو يضع على مصر أي نوع من الالتزامات تجاه إسرائيل، فأنا أتعامل معها كأي دولة أخرى، ولا أعطيها حاجات مخصوصة أبداً، ولعلمك لو كانت مصر خالفت مادة واحدة كانوا هيِّجوا الدنيا، لكن مصر لم تخرق أبداً اتفاقيات السلام أو التطبيع.

- لكن على المستوى الشعبي والنقابي والثقافي والفني ثبت تماماً استحالة وجود تطبيع مع إسرائيل، مشاعر الناس ترفضه مطلقاً ولذلك سيظل كل مطبع مع إسرائيل معزولاً؟
إذا كان هناك من يرى عدم وجود علاقات مع إسرائيل فهو حر، لا أحد يجبره على وجود علاقات مع إسرائيل، حتى قرار اتحاد الغرف التجارية بمنع التعامل مع إسرائيل لا يتناقض مع المعاهدة أو الاتفاقيات.

- وكيف تقيم مثل هذا القرار؟
أنا تقييمي يعتمد على الناحية العملية، ما هو حجم العلاقات الاقتصادية بيني وبين إسرائيل، وقت توقيع المعاهدة كان تخوف كل الناس أن إسرائيل ستهيمن على الاقتصاد المصري، وبعد 23 سنة أسأل: هل حدثت هيمنة؟ إطلاقاً لم يحدث.

- لكن الفضل في ذلك أولاً وأخيراً للشارع المصري نفسه ورفضه التعامل مع إسرائيل وهو الذي يرفض حتى الآن وجود علاقات مع إسرائيل؟
شوف كلنا متفقون على رفض تعامل إسرائيل مع الانتفاضة، لكن لا يعني ذلك أن الرأي العام المصري تمثله المظاهرات، يعني هل المظاهرات التي قامت تعبر عن الرأي العام المصري؟

- طبعا تعبر عن الرأي العام المصري، كيف يمكن أن تنكر حقيقة كهذه؟
لا، هناك مصالح لمصر لا بد أن تضعها في الاعتبار قبل أن تتخذ أي قرار، أولاً من يعبر عن الرأي العام هو صاحب القرار في الدولة، ثانياً لا بد أن أحترم توجه صاحب القرار في الدولة، وأعطيه كل الفرص التي بها يرسم سياسته، لا بد من أن أؤيد اتجاهه لكي يغلب المصلحة العامة.

- حتى لو تعارضت مع الرأي الشعبي؟
طبعاً.

- طيب بمنطق المصلحة، ألا ترى أن استمرار جهود مقاومة التطبيع المهني والشعبي والنقابي والفني في مصلحة مصر أم لا؟
لما تيجي من الناحية العملية ستجد أن قطع العلاقات التي بيننا وبين إسرائيل شعبياً لن تؤثر، لأن العلاقات كانت ضعيفة أساساً، ومن الناحية الاقتصادية التعاملات بسيطة وغير مؤثرة، ولذلك يجب أن يكون تركيزنا الرئيسي على التأُثير في الرأي العام الأمريكي والغربي بعدالة قضيتنا، هذا أجدى.

- طيب كيف تنظر إلى حملات مقاطعة السلع الإسرائيلية والأمريكية التي يستجاب لها بقوة في الشارع المصري؟
سيادة الرئيس تحدث عن الموقف من مقاطعة السلع الإسرائيلية، وأنا راض تماماً عما أعلنه في كلمته.

مصطفى خليل مع مبارك إبريل 1979 


- وماذا عن مقاطعة السلع الأمريكية؟
لا، لست معها، لأن الأقوى من ذلك هو التركيز على إيصال صورة الانتفاضة إلى الرأي العام الأمريكي والغربي، ويجب ألا تخطو أي خطوة يمكن أن يساء تفسيرها هناك، لكي لا أؤدي لإضرار بمصالحي.

- على المستوى الشخصي، هل تشتري سلعاً إسرائيلية أثناء ذهابك هناك؟
والله أنا شخصياً رحت إسرائيل كثيراً، عمري ما اشتريت حاجة من هناك، لأن كل ما أريد شراءه أجده في مصر، بصرف النظر عن فكرة المقاطعة، من الناحية العملية لا أشتري هذه البضائع.

- في عز المجازر الإسرائيلية الأخيرة نشرت لك إحدى الصحف صورة تجمعك مع السفير الإسرائيلي في إحدى الحفلات؟
(بعد تفكير قصير) مع السفير الإسرائيلي؟

- نعم، ألا ترى أن هذا لا يصح؟
شوف أنا شخصياً أعتقد أنه من الواجب عليّ لكي يكون لي رأي مؤثر فيما يحدث، لا بد أن أكون على صلة بالجانب الإسرائيلي لأفهم كيف يفكر وأخاطبه بالأسلوب الذي يجد قناعة لديه، هذا رأيي على المستوى الشخصي.

- لكن ما حدث مؤخراً كشف بوضوح أن العنف يسكن بنية العقل الإسرائيلي، وأن هناك استحالة لوجود علاقات طبيعية مع فكر عنصري استيطاني يحكم الإسرائيليين؟
شوف كل هذه التفسيرات ينقصها الإطلاع والمعرفة الصحيحة بما يجري داخل إسرائيل، وأنا لا أتصور أنني سأكون في وضع أفضل عندما أقطع كل الاتصالات التي بيني وبين القادة الإسرائيليين والسفير الإسرائيلي، بالعكس تماماً.

- اسمح لي تعليقاً على كلامك المستمر عن التصور العقلاني، لكن ماذا عن العاطفة والمشاعر الإنسانية والوطنية؟ أليس لها دور حتى في لحظات كهذه؟
على الجانب العاطفي أنا أؤيد المواقف الفلسطينية، وأتمنى أن تركز هذه المواقف على إقناع الرأي العام الغربي، وليس كما يقول ياسر عرفات أنه يستطيع أن يحرك الشارع العربي، لا، الشارع العربي في مصر وغيرها ليس هو الذي يضع سياسة الدولة.

- يعني أنت تنصح عرفات بألا يركز على الشارع العربي بل على الرأي العام الغربي؟
أعتقد إن دي نمرة واحد، ثانياً لا بد أن يحاولوا مع الإسرائيليين الوصول إلى حل للمشاكل الكبيرة في الوقت الحاضر.

- قضية القدس مثلاً كيف تتصور حلها؟
ما تم طرحه، والله أقدر أقول لك إن ده شأن فلسطيني، لكن ما قيل وتم طرحه هو إن إسرائيل تعرض عليهم أن في القدس الشرقية، الجزء الذي ما زال فيه فلسطينيون بصرف النظر عن عقائدهم يكون تحت رعاية فلسطينيين.

- لكن هذا لم يتم طرحه بشكل رسمي؟
على أية حال، هناك مشكلة أكبر في رأيي هو أنه منذ توقيع اتفاقية أوسلو، هناك عدد كبير من الاتفاقيات لم ينفذ حتى الآن، ورأيي أنه لا بد أن يتم تنفيذه أولاً، وذلك لكي يكسب الفلسطينيون مزيداً من الأراضي، ويتم تأجيل ما هو مختلف عليه.

- يعني في رأيك أن يتم تأجيل الحديث عن ملف القدس؟
لا، إذا كانت هناك موافقة من جانب إسرائيل على التنازل عن الجزء الغربي، وفي مقالات كثيرة كتبت في الصحافة الإسرائيلية عن هذا الوضع، وهذا يتوقف على سياسة الفلسطينيين.

- تتحدث في النهاية عن مقالات تخص أصحابها، لكن أيضاً القدس لا تخص الفلسطينيين وحدهم، بالمناسبة دعني أسألك ما الذي كان قد اقترحه السادات في مباحثات كامب ديفيد لحل مشكلة القدس؟
الرئيس السادات اقترح وجود مجلس محلي للقدس العربية ومجلس محلي للقدس الغربية، وبالمناسبة عندما تذهب على الطبيعة، تجد البلدين مختلفين كل الاختلاف ومنفصلين فعلا، حتى مع رفض وجود حواجز، الواقع أن الحواجز موجودة. في رأيي أن الفلسطينيين لا بد أن يركزوا أولاً على عودة الأراضي إليهم بالتدريج، خاصة والاتفاقيات معهم، لأن أهم حاجة في المفاوضات هي الأرض، مثلما حدث في مفاوضات مصر مع إسرائيل كان الأهم هو سيناء وليس أي شيء آخر. أنا رأيي أن الفلسطينيين لا بد أن يتجنبوا الأخطاء التي وقعوا فيها في الماضي بكل أسف، هناك قرارات فلسطينية لم تكن صائبة.

- مثل؟
سأعطي مثلاً بما عشته أنا شخصياً، ولا زالت أطرافه على قيد الحياة، وهو يخص علاقات الفلسطينيين بالولايات المتحدة، توسطت أنا من أجل هذه العلاقات، وأعطاني الرئيس الأمريكي جيمي كارتر أرقامه التليفونية الخاصة، وقال إنه لا يمانع في فتح حوار مع الفلسطينيين بشرط أن يبدأ من مستوى أدنى ثم يتدرج في الارتفاع، طبعاً كان هناك قانون يحظر على الأمريكان الاتصال بمنظمة التحرير، وفعلا طلبت سعيد كمال، وهو لا يزال موجوداً ويتذكر، وقلت له هذه فرصة أمامكم، طلب فرصة ليعرض الأمر على أبو عمار، قلت له طبيعي، لكن كارتر منتظر الرد خلال أسبوعين، ومر الأسبوعان دون رد، وفي الأسبوع الثالث جاءني سعيد كمال قائلاً إن أبو عمار يقول إنه لا بد أن يسافر هو للقاء بالأمريكان، قلت له لا، لإن الإدارة الأمريكية ليست في وضع يسمح لها باللقاء بعرفات، ومن الحكمة البدء بقيادة في المستوى الثالث، طلب فرصة للعرض على عرفات، وبعدها جاءني وطرح اسم وزير الخارجية الفلسطيني، قلت له ل، لكن هناك حل، إنت اللي تروح، طلب فرصة للاستئذان، وبعدها كان رد الفلسطينيين على سعيد كمال هو تجميد موقعه في القاهرة (يضحك) وانتهت العملية بهذا الفشل الكبير.

مصطفى خليل مع السادات وبطرس غالي 


- في رأيك الانفراد باتفاق أوسلو دون استشارة أي من الأطراف العربية، هل كان استمرار لهذه الأخطاء كما تصفها؟
أنا ضد استخدام مصطلح (اتفاق منفرد) بدءاً من اتفاقية الهدنة التي وقعت سنة 1949 بين حكومة إسرائيل وكل حكومة عربية على حدة، وأنا أرى أن الاتفاقيات الثنائية تخدم كل الأطراف، وبواقعية شديدة أقول هل في اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، كنت أقبل أن يوجد طرف عربي مواجه لإسرائيل، بينما أنا أتفاوض في أمور خاصة بمصر؟ لا طبعاً لان كل ما يخص مصر وسيادة مصر ومصلحتها أنا الذي أمثله فقط. وكذلك الفلسطينيون أنفسهم لم يكونوا ليقبلوا بتشكيل وفد يضم مصر وسوريا والأردن للتفاوض مع إسرائيل.

- لكن انفراد الفلسطينيين بالاتفاقيات السرية أضعف موقفهم كثيراً؟
هم يتحملون مواقفهم، وأنا هنا أتذكر أن القرار 242 الذي يقوم التفاوض عليه الآن كان هناك مشروع قرار مقدم من أمريكا اللاتينية، وكان أفضل من القرار 242، ليلة التصويت على هذا المشروع اجتمع ممثلو الدول العربية في الأمم المتحدة ورفضوه، وراجع هنا شهادة وزير الخارجية الأسبق محمود رياض، بعد ذلك عندما أتى اللورد كاريدان بمسودة مشروع القرار 242 قال لممثل العرب: يا تقبلوا المسودة يا ترفضوها زي ما هي دون تغيير حرف واحد، فوافقوا عليها رغم أنهم كان يمكن أن يوافقوا على ما هو أفضل.

- كلامك به رغبة معلنة في السعي لانعزال مصر عما يجري حولها، وهو ما نادى به البعض عندما ظهرت بعض التوترات في علاقة مصر بالسلطة الفلسطينية كاستمرار للنهج الذي كان موجودا في فترة الرئيس السادات وتجاوزته مصر منذ فترة؟
أنا عندما أحكِّم ضميري أرى أنني أقبل تماماً بالسياسة الرسمية التي يعلنها الرئيس مبارك، ويستحيل أن اضع عراقيل أمام هذه السياسة، بل مهمتي هي أن أؤيدها وأعمل على تطبيقها، وأنا أقبل هذه السياسة مائة في المائة دون تحفظ.

- أعود إلى الحل الذي كان قد طرحه الرئيس السادات فيما يخص القدس وشاركته فيه وقتها، وهو حل يجد من يتحمس له الآن لحل المشكلة، الا تراه حلاً يستحيل قبوله فلسطينياً؟
في رأيي إن إسرائيل نفسها لن تقبل به.

- برغم أنه شديد التواضع والتفريط في الحق الفلسطيني؟
شوف القدس الشرقية كانت تقريباً عربية مائة في المائة، وبكل أسف تغيرت الحقائق على الواقع مع مرور الزمن، وبعد أن تم بيع الكثير من البيوت والأرضي في فترات سابقة، ونجح اليهود في شرائها، وأصبح تعداد اليهود داخل القدس الشرقية كبيراً ويفوق تعداد العرب، بالتالي المناطق التي احتفظ الفلسطينيون بها هي التي تعرض عليهم الآن، وهذا افضل بكثير. على أية حال هذا موضوع يخص الفلسطينيين ولديهم مفاوضون على قدر كبير من الدراية والخبرة، وحتى لو كان لدي حل فأنا أحتفظ به لنفسي.

- ألا تعتقد أن تجربة حزب الله البطولية في الجنوب اللبناني وتحريره للأرض اللبنانية بالمقاومة المسلحة، يعطي درساً أن المقاومة هي الطريقة الأفضل للتعامل مع إسرائيل؟
أنا في رأيي هناك اختلاف كبير جداً بين المشكلة اللبنانية والمشكلة الفلسطينية، على الأقل بسبب قرار 425 الذي أصدره مجلس الأمن والذي يقضي بانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي اللبنانية، ولبنان كان منذ ذلك الوقت مؤيداً بالقرارات الدولية.

- لكن المقاومة تمكنت من هزيمة إسرائيل بالعمليات العسكرية وليس استناداً على القرارات الدولية، وبشكل اعتبره العرب جميعاً هزيمة لإسرائيل؟
اعتبروه هزيمة لأن جيش انطوان لحد المؤيد لإسرائيل انتهى، وهو كان وصمة عار إن عرب لبنانيين يقبلوا الانضمام إلى جيش تحت قيادة إسرائيل بزعم حفظ الأمن، لكن على أي حال لا بد لمن يقيم الأوضاع أن يدرك الاختلاف بين لبنان والمشكلة الفلسطينية.

- ألا ترى أنه لم يعد هناك مجال للحديث عن ميل الشارع الإسرائيلي للسلام، بدليل أن الاستطلاعات تؤكد ميل أكثر من سبعين في المائة من الإسرائيليين للمزيد من العنف؟
ليه؟ أنا باقول نبحث ليه حصل ذلك؟ أنا أقرأ صحيفة (الجيروزاليم بوست) يومياً وأستطيع أن أؤكد أن الشارع الإسرائيلي اقتنع تماماً من خلال الدعاية والإعلام أن الحق تماماً في جانبه وليس مع الجانب الفلسطيني، ووصل إلى قناعة أن الانتفاضة خارج القانون ولا بد من قمعها، وستجد ذلك أيضا في الولايات المتحدة وإعلامها، وسبب ذلك اللوبي اليهودي وعدم قدرتنا على التعبير مواقفنا، وأنا كنت أتصور أننا مثلا حتى سنستطيع استغلال حادثة مثل زيارة شارون إلى المسجد الأقصى في حراسة الشرطة أو الجيش الإسرائيلي وسماح باراك له بالذهاب لكي يكسب انتخابياً، وكان لا بد أن يستغل الفلسطينيون هذا بشكل أفضل، كما كان يجب أن يستغلوا بشكل أفضل حقيقة ما حدث من عنف في فض التجمهر والاشتباكات، وأنه مسئولية اسرائيل وليس ياسر عرفات، لأن السلطة الأمنية توجد في يد إسرائيل طبقاً للاتفاقيات الموقعة، هذه الحقيقة مع الأسف لم تصل إلى الرأي العام الغربي.

- إذن فقد ثبت أن الرهان على وجود قوى سلام مؤثرة في الشارع الإسرائيلي هو رهان فاشل؟
(بعد صمت) من الواضح فعلاً أن الذين ينادون بالسلام في المجتمع الإسرائيلي الآن تأثيرهم قليل جداً، وهذا يبين نقطة أنادي بها باستمرار أننا يجب أن نستغل ما يحدث لكي نؤكد أنه ضد السلام وأنه مسئولية إسرائيل، أما الكلام عن المقاومة المسلحة والحرب كله كلام، ليس له معنى ولا يؤدي إلى شيئ في الواقع.

- بالمناسبة في الفترة الماضية نشر تصريح منسوب للأستاذ محمد حسنين هيكل جاء فيه ما معناه أنه أصبح يتفهم الآن ما قام به الرئيس السادات عقب حرب أكتوبر تجاه إسرائيل وأمريكا، هل تابعت هذا التصريح وما تعليقك عليه؟
نعم قرأت ما نشر، والحقيقة أن الأستاذ هيكل كمفكر أولا وكصحفي ثانياً باستمرار يهمني أن أقرأ تصريحاته والمحاضرات التي يلقيها وأنا أهنئه على موقفه الأخير هذا لأنني كنت أحب أن أسمع هذا من شخصية مثل الأستاذ هيكل.

السادات والإخوان


- شهدت الانتخابات البرلمانية الأخيرة -التي أجريت عام 2000- عدداً من التطورات السياسية المهمة، من بينها تفوق ملحوظ لجماعة الإخوان المسلمين، وبدأ يتردد في الوسط السياسي بما فيه بعض الأوساط الإعلامية الرسمية الحديث عن إمكان السماح بحزب سياسي للإسلاميين، ما تعليقك على ذلك؟
أولاً جميع قيادات الإخوان الرسمية سقطت في الانتخابات، والسبعة عشر عضواً الذين نجحوا ترشحوا بصفتهم مستقلين، برغم أنهم يقولون أن لهم ميولاً أو أنهم داخل تنظيم الإخوان، لكن حتى الآن طالما الإخوان جماعة محظورة سياسياً لا يمكن أن يكون لهم حزب، وتاريخ الإخوان معروف، ووقت أن كان لهم نشاط سياسي علني، كانت لهم تنظيمات سرية وتنظيمات مسلحة واتجاه معروف باستخدام العنف، وأنا رأيي أن أي حزب سياسي لا بد أن يعمل علناً وبعيداً عن أي نشاط سري.

- لكنهم الآن يعلنون عن رغبتهم في العمل السياسي العلني؟
أنا رأيي أن هذا يمكن أن يصدقه شخص ليست له أية خبرة في الشئون السياسية المصرية على الإطلاق.

- لكن في فترة الرئيس السادات التي كنت من أبرز مسئوليها حدثت صفقة بينه وبين الإخوان والتيار الإسلامي عندما أخرجهم من المعتقلات وسمح لهم بالعمل العلني والصحفي، والتقى بمرشدهم عمر التلمساني واستخدمهم في ضرب التيار اليساري والناصر، كيف كان موقفك من ذلك؟
أولا أنا رأيي إن الإخوان لم يكونوا بهذه السذاجة بحيث يقبلون أن يستخدموا كمخلب قط لضرب اتجاه آخر، ولا أعتقد أن الرئيس السادات كان فكره السياسي أن هذا كلام يكن أن يتحقق، هو سمح لهم بنوع من الحركة لأنه كان يريد الجميع أن يعمل علناً، وعندما أفرج عنهم لا أتذكر على الإطلاق أنني سمعت منه أو دارت بيني وبيه مناقشة أفهم منها أنه كان يريد استخدام الإخوان للحد من نفوذ اليسار. السادات عمل هذا الكلام كجزء من سياسة اتبعها، عندما قال إن الأمريكان بيدهم 99 في المائة من أوراق اللعبة، واتخذ إجرائين مهمين، أولهما تغيير النظام السياسي من الاتحاد الإشتراكي إلى تعدد الأحزاب وتغيير النظام الاقتصادي باتباع سياسة الباب المفتوح، وطبقاً لتفكيره لم يكن يستطيع أن يكون في موقف معادٍ للأمريكان، ولكي يثبت لهم أنه خرج من طور الاعتقالات، أراد أن يوضح أنه حتى أشد أعدائه السياسيين وهم الإخوان أخرجهم من المعتقلات.

مصطفى خليل مع السادات في القدس 


- لكن محافظ أسيوط محمد عثمان إسماعيل قال في مذكراته التي نشرت مؤخراً إن السادات كان وراء دعم الجماعات الإسلامية في الجامعات لضرب النفوذ اليساري، هل كنت على علم بذلك كرئيس وزراء في نفس الفترة التي كان فيها محافظاً لأسيوط؟
ما أعلمه هو أن محافظ أسيوط كان لديه مشكلة في الجامعة خاصة باحتفالات المسيحيين بالكريسماس، عندما دخل بعض أفراد الجماعات الإسلامية إلى حجرات الاحتفالات ومزقوا صور السيد المسيح والسيدة مريم، وأنا طلبته وقلت له لا بد من تمكين الإخوة المسيحيين من الاحتفالات كما يريدون ولا بد من الحفاظ على الأمن.

- أعود لسؤالي: هل كنت تعلم بأن الرئيس السادات سمح لعثمان إسماعيل بأن يلعب سياسة مع الجماعات الإسلامية؟
لا، لا، ولو كنت أعلم رسمياً لكنت تدخلت ورفضت لأن آرائي واضحة جداً.

- ألا تشعر بالغضب كرئيس وزراء عندما تعلم أن رئيس الدولة يتخذ إجراءات خطيرة مثل هذه دون أن يحيطك علماً بها؟
لا، عمري ما زعلت، لأنني كنت أعرف جميع التحركات وتكون مثار مناقشة، لكن السلطات الممنوحة للرئيس تبيح له أن يتخذ القرار، وأنا بعد أن أقول رأيي إما القرار الذي يتخذ أقبله في ضميري أو أخرج، لأن الحكاية ليست حكاية مناصب.

- بوصفك رئيس لجنة مهمة في الحزب الوطني وأحد قياداته البارزة منذ إنشائه، كيف تقيم أداءه في الانتخابات الأخيرة والتي هناك ما يشبه الإجماع أنه تلقى هزيمة ساحقة فيها لمرشحيه الرسميين؟
تعليقي أنا ما حدث في الانتخابات الأخيرة لا بد أن يتم دراسته من جميع الأحزاب وليس الحزب الوطني فقط، خاصة أن هناك اعترافاً كاملاً بأن الانتخابات داخل غرف الإدلاء بالأصوات كانت نزيهة، والاعتراضات التي أثيرت كانت متعلقة بإجراءات حفظ الأمن خارج القاعات ومسائل متعلقة بالتأخير والكشوف، ولا بد من دراسة كل هذه الملاحظات، ولا بد من تقييم أداء جميع الأحزاب السياسية، ولا بد من بناء التنظيم الحزبي على الدوائر الانتخابية، وليس على التقسيمات الإدارية، وهذا ما تفعله الأحزاب السياسية في العالم المتقدم، وبالتالي ستكون معايير انتخاب المرشحين غير مرتبطة بالمجاملات والخدمات فقط، ولا بد من حل مشكلة القدرة المالية للأحزاب لكي تستطيع الوجود بشكل أفضل في الشارع، كذلك لا بد من تقوية مستوى المحليات لأن كثيراً من المناقشات التي تدور في مجلس الشعب كان يمكن أن يتم حلها في المحليات، وأن يكون مجلس الشعب مقتصراً على المستوى القومي. على أية حال أعتقد أن الحزب الوطني تحديداً لم يكن في مأزق، لأن المستقلين الذين نجحوا هم فعلاً من أعضائه، لكن الحزب نفسه في حاجة إلى تطوير في الاتجاه الذي ذكرته، لأن التطور سنة الحياة.

- أبرز ما توصف به هو أنك رجل لكل العصور، لأنك من القلائل الذين نجحوا في التعامل مع العهود المختلفة منذ ما بعد الثورة وبسياساتها المختلفة، ما تعليقك على ذلك؟
أنا ليست لي قوة أن أرشح نفسي في أي منصب، الرئيس الموجود هو الذي كان يختارني، عندما اختارني السادات لمهمة رئيس الوزراء، كان جميع من يمكن أن يرشحهم للمنصب موجودين، وأنا الذي رفضت قبل ذلك، ولو كنت أريد المنصب لما وافقت في تلك الفترة الحاسمة، عمري ما سعيت لمنصب على وجه الإطلاق.

- هل قلت كل ما لديك حول ما عاصرته خلال الفترة العريضة التي عشتها، وهل تفكر في أن تنشر شهادتك الكاملة في مذكراتك؟
لا أنا لم أكتب مذكراتي وليست مهمتي أن أكتب مذكرات، بالعكس هذا تعاملي أن أحاول بقدر الإمكان أن يكون هناك مناقشة وتبادل للآراء واختلاف ولا اتطاول على أحد يقول رأيه.

- لكن هل قلت فيما أجريته من حوارات، كل أو أغلب ما عشته وشاهدته؟
(مبتسماً بتحفظ) لا، طبعًا هناك تفاصيل كثيرة الواحدة لا يتعرض لها، وباستمرار أقول لنفسي أن الشخص الذي يشغل منصبًا عامًا لابد أن يتحمل أمورًا كثيرة ويتركها تمر دون أن يتوقف عندها.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.