عن النكد الوراثي والسياسي اليويو وأرقام للتأمل

عن النكد الوراثي والسياسي اليويو وأرقام للتأمل

11 نوفمبر 2018
+ الخط -
- كشفت دراسة حديثة للأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة عن قدرة الأحداث المريعة "والظروف العصيبة التي تمر بها البلاد"، على إنتاج تأثيرات خطيرة يمكن أن تنتقل عبر الأجيال. وهو ما تم اكتشافه من خلال دراسة معدل أعمار أبناء الجنود في جيش الاتحاد الأمريكي الذين تعرضوا للسجن خلال الحرب الأهلية الأمريكية، بالتحديد في الفترة من 1863 إلى 1864، والذين عانوا من ظروف قاسية كسجناء، حيث كان الازدحام في السجون شديداً. وحدثت وفيات كثيرة لأسباب صحية، وكان لدى كل سجين من هؤلاء كم كبير من الصور المروعة التي ظلت تلاحقه طيلة حياته. لتكشف الدراسة أن أبناء هؤلاء الجنود كانوا أكثر عرضة للوفاة المبكرة من أبناء الجنود الذين لم يكونوا سجناء. مع أن الأبناء لم يتعرضوا لتلك الأهوال التي تعرض لها آباؤهم، بل ولدوا بعد انتهاء الحرب، وهو ما يعني أن ضغوط الحرب وتأثيراتها النكدة الحزينة كانت قادرة على الانتقال بشكل مؤثر عبر الأجيال. 

وبرغم أن من قاموا بعمل الدراسة وضعوا في اعتبارهم عوامل أخرى قد تؤثر على طول عمر الأبناء، مثل الوضع الاجتماعي والاقتصادي ونوعية زيجات الوالدين، إلا أنهم يعتقدون أن التأثير على طول العمر وارتفاع معدل الوفيات، يمكن أن تكون له أسباب وراثية، وارتباط وثيق بالطريقة التي تعمل بها الجينات أو تتوقف عن العمل، مما يضع الأمراض في حالة حركة عبر الزمن، فالضغوط التي تحدثها الحرب على الأعصاب والنفوس، والأضرار الصحية التي تنتج بسبب سوء التغذية خلال فترة الحرب، تؤثر على الخلايا وتقوم بعمل تغييرات في الجينات، وهو ما يساعد على تفسير أن الولايات الواقعة في جنوب الولايات المتحدة والتي عانت من نقص حاد في الغذاء أثناء وبعد الحرب الأهلية لديها نتائج صحية أسوأ اليوم، بعد مرور كل هذه السنوات على انتهاء الحرب الأهلية.


تنبهنا الكاتبة أولجا خازان، التي قامت بعرض الدراسة في مقال مطول لها بمجلة (أتلانتيك) الأمريكية إلى أن الدراسة اقتصرت على الإحصائيات المتعلقة بالمشاركين في الحرب الأهلية الأمريكية وأبنائهم، لكنها لم تقم بدراسة جيناتهم، ولذلك فإن متابعة الدراسة على أجيال أخرى من أحفاد المشاركين في الحرب الأهلية سيختبر نتائج الدراسة بشكل أفضل، وسيساعد على فهم أفضل للتأثيرات التي تحدثها الظروف السيئة على الجينات، لكنها أشارت إلى نتائج لعدة دراسات أجريت من قبل، حاولت فهم التأثير الذي يحدث على الجينات بسبب الظروف السيئة والصعبة، من بينها مثلاً دراسة أجريت على الفئران، اكتشفت أن الفئران التي تم ربط اقترابها المتكرر من ثمرة الكرز بصدمة كهربائية، ظهرت لاحقاً علامات القلق لدى صغارها وأبناء صغارها، بمجرد شمهم لرائحة الكرز، برغم عدم تعرضهم المباشر للصدمة الكهربائية المؤلمة. 

من الدراسات المرتبطة بالموضوع أيضاً دراسة سابقة أجريت في هولندا، على الأشخاص الذين ولدوا خلال المجاعة الشديدة التي تعرضت لها هولندا في فصل الشتاء عام 1944، والتي كان البالغون يتناولون فيها ما بين 400 إلى 800 سعر حراري في اليوم، كشفت أن هؤلاء الأشخاص كانوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، مقارنة بالذين ولدوا في ظروف أكثر ازدهاراً، والغريب أن الأطفال الذين عانى أهاليهم من المجاعة أثناء وجودهم في الرحم كانوا فيما بعد أكثر عرضة للسمنة من غيرهم.

وفي السياق نفسه ولكن في وقت مختلف، أظهرت دراسة أجريت عام 2014 أن الأبناء الذكور لا الإناث، للآباء الذين بدأوا التدخين قبل سن الحادية عشر، الذي يبدأ فيه إنتاج الحيوانات المنوية، كانوا أكثر عرضة للسمنة من أولئك الذين بدأ آباؤهم التدخين في وقت لاحق، كانت حيواناتهم المنوية قد تشكلت فيه بالفعل. 

ترى دراسات أخرى أن القلق والتوتر الذين يحدثان بسبب العنصرية، يمكن أن يسببا تغيرات جينية مماثلة، فالأشخاص الذين عانوا من التمييز العنصري يحدث لديهم نوع من التغير في الجينات التي تؤثر على الفصام والاضطراب ثنائي القطب والربو، بشكل أكبر من الأشخاص الذين لم يتعرضوا للتوتر والقلق بسبب الممارسات العنصرية. هناك دراسة أجرتها راشيل يهودا مع عدد من زملائها في مستشفى (ماونت سيناري) في عام 2016 كشفت أن هناك تغيرات جينية حدثت لدى الناجين من الهولوكوست، تم انتقالها إلى أطفالهم، لكن الدراسة تم انتقادها لأنها أجريت على عينة صغيرة الحجم، ولم يتم إجراؤها على الاجيال الثالثة والرابعة من أحفاد الناجين من الهولوكوست ليتم التأكد من نتائجها بشكل أكبر. 

في الوقت نفسه تشير الكاتبة أولجا خازان إلى الارتباك الذي تحدثه قراءة دراسات سابقة وجدت أن الأوقات العصيبة التي يعيشها الأجداد قد تكون مفيدة للأجيال التالية لهم، حيث وجدت إحدى الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية قبل سن التاسعة، يتمتع أحفادهم بصحة نفسية أفضل، كما كشفت دراسة أجريت في السويد على الفترات التي حدث فيها أزمات في حصاد المحاصيل خلال القرن التاسع عشر، أن أحفاد الرجال الذين كانوا ينتمون إلى أسر كان بها حصاد وفير خلال فترة طفولتهم، ماتوا في سن أصغر من المتوقع، لكنها كشفت في الوقت نفسه حفيدات النساء اللواتي كن في الرحم خلال فترة المجاعة، عانين أيضاً من خطر الموت في سن مبكرة. في الوقت الذي تشير الدراسة التي أجريت على سجناء الحرب الأهلية وأولادهم أنه يمكن حماية الأبناء من تأثير الصدمات التي يتعرض لها آباؤهم، إذا حظيت أمهاتهم بتغذية جيدة خلال فترة الحمل. 

وحين سألت أولجا الباحث الرئيسي لدراسة الحرب الأهلية عما يمكن أن نفعله لتجنب الصدمات المؤلمة التي تعرض لها آباؤنا، خاصة إذا كنا لا نملك سجلات لما كانت أمهاتنا تتغذى عليه خلال فترة الحمل، قال لها "إننا لا زلنا نحتاج إلى أبحاث كثيرة لحسم إجابات على تلك الأسئلة"، لكنه أشار إلى أن الدراسة التي أثبتت وجود تأثير على طول العمر لدى أبناء من يتعرضون لظروف مروعة، كشفت أن ذلك يحدث في حالة الأبناء الذكور فقط وليس الإناث، وهو ما يجعله يعتقد أن التأثيرات الجينية تنتقل عبر الكرموزوم "واي" فقط، وهو ما جعل الكاتبة تعتبر أنها معفية من التعرض لتأثير الصدمات التي عانى منها أجدادها من اليهود، مع أن ذلك ليس رأي معالجها النفسي الذي يقول لها دائماً، إن ما تشعر به من اكتئاب ونكد أمر طبيعي، لأنه يجري في دمائها، قادماً من الظروف التي عاش فيها أجدادها. 

هل يعني ذلك أن معاناة أبناءنا وأحفادنا من النكد والاكتئاب ستكون حتمية، نحن الذين عشنا في هذه الأيام الخرائية الدامية، التي تزداد درجة قسوتها وصعوبتها من بلد عربي لآخر؟ ليس أمامنا إلا أن نبتهل إلى الله أن تثبت الدراسات العلمية المتلاحقة خطأ ذلك، وأن نحرص على توصية بناتنا وبناتهن من بعدهن بالتغذية الجيدة خلال فترة الحمل، طالما كن قادرات على ذلك، أو أن نحاول تخفيف شعورنا بالصدمة مما سيجري لأحفادنا، حين نتذكر أننا غالباً لن نكون أحياء حين يكبرون، ولذلك علينا أن نكتفي بالدعاء لهم بالسلامة والعافية، وأن تكون أيامنا أفضل من أيامنا، أو على الأقل أقل خرائية ودموية.   

ـ رصدت مجلة (هاربر) الأمريكية بعض التعبيرات التي أطلقها السيناتور الأمريكي ليندساي جراهام عضو الكونجرس الأمريكي عن ولاية جنوب كارولينا، بحق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال الفترة من 2015 إلى 2018، والتي تغيرت من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، دون أن يكلف ليندساي جراهام نفسه عناء تقديم تفسير لتغير مواقفه، أو لتطرفه في معارضة ترامب ثم تطرفه في تأييده، بشكل يجعله يستحق عن جدارة لقب (السياسي اليويو) طبقاً لتعبير عمنا أحمد فؤاد نجم، وهو ما ستلمسه في التعبيرات الآتية التي وصف بها ترامب والتي تم ترتيبها طبقاً لتاريخ إطلاقه لها: 

المحرض على العنصرية والمتطرف في كراهية الأجانب ـ شخصية العام بالنسبة لداعش ـ الموت المؤكد لعلاقة الحزب الجمهوري بالناخبين من أصل لاتيني ـ ضربة الموت لعلاقة الحزب الجمهوري بالنساء ـ أكبر أحمق في العالم ـ  معول الهدم والتدمير ـ تاجر الخوف ـ سياسي صاحب أفكار مرتبكة وغير مفهومة ـ سياسي لا يصلح حتى لتمثيل شركة بيع مراتب للأسرة ـ ممثل سيئ للحزب الجمهوري ـ رئيس ليس لديه مؤهلات الرئاسة ـ رئيس يتجاوز حدوده أحياناً ـ رجل فاقد للبصيرة ـ شخص مفعم بالأفكار ـ شخص جيد ـ شخص قوي ـ لاعب جولف يمتلك دقة في التصويب وذراعاً رياضية ـ رئيس يقوم بالأداء بشكل عظيم ـ أفضل أمل لتحقيق السلام منذ عقود ـ يحتمل أن يتلقى جائزة نوبل للسلام قريباً.

أرقام للتأمل: 

ـ في الفترة من 2016 إلى 2017، ارتفعت نسبة حوادث القرصنة في البحر الكاريبي إلى 163 في المائة.

ـ يبلغ عدد طوابق القصر الرئاسي الجديد في بوليفيا تسعة وعشرين طابقاً، ليكون ثالث أعلى بناية في عموم البلاد التي لا يوجد بها الكثير من العمارات العالية. 

ـ  25 في المائة هي نسبة الزيادة التي حصلت في إنفاق المستهلك الأمريكي على الموسيقى في الفترة من عام 2000 إلى العام 2017. 

ـ 65 في المائة هي نسبة العلاقات التي نشأت بين مثليين جنسياً عبر الإنترنت، بينما وصلت نفس النسبة بين غيرهم إلى 38 في المائة فقط. 

ـ 14 في المائة هي نسبة المراهقين الأمريكيين الذين قالوا إن أهاليهم يقومون غالباً بالتركيز على هواتفهم المحمولة خلال المحادثات التي يجرونها معهم. أما نسبة الذين قالوا إن أهاليهم يقومون أحياناً بالتركيز على هواتفهم المحمولة خلال محادثاتهم معهم فقد وصلت إلى 37 في المائة. 

ـ 57 في المائة هي نسبة المراهقين الأمريكيين الذين قالوا إنهم قاموا بخطوات لتقليل استخدامهم لمواقع التواصل الاجتماعي. في حين بلغت نسبة المراهقين البريطانيين الذين قالوا إنهم لم يكونوا ليجدون مشكلة لو لم يتم اختراع "السوشيال ميديا" حوالي 62 في المائة. 

ـ 241 ألف وظيفة هي عدد الوظائف التي تمت خسارتها في الصحف الأمريكية منذ العام 2000.  

ـ بلغت خسائر المتاجر والمحلات من سرقات سلعها وبضائعها أثناء التسوق حوالي 17 بليون دولار أمريكي خلال عام واحد. 

ـ في الربيع الماضي أعلن مسؤلو الصحة العامة في الولايات المتحدة أن وباء الأفيون قتل 45 ألف أمريكي خلال عام واحد، مما يجعله موازياً لأرقام الضحايا التي خلفها مرض الإيدز في عز انتشاره كوباء في الثمانينات.

ـ قيادة شاحنات النقل الثقيل التي كانت دائماً تعتمد في أنحاء الولايات المتحدة على السائقين البيض كبار السن، تعاني من رقم قياسي في نقص عدد السائقين، حيث تحتاج إلى أكثر من 50 ألف سائق لتلبية احتياجات حركة النقل الثقيل، طبقاً لاتحاد سائقي النقل في أمريكا. 

ـ توجد حالياً ربع مليون كلمة على موقع Dictionary.com  حيث تتم إضافة ما بين 600 إلى 800 كلمة جديدة إلى الموقع كل عام. 

ـ أكبر عدد للفيلة في العالم يوجد في بوتسوانا، التي تمتلك ما يقرب من ثلث عدد الفيلة الموجود في قارة أفريقيا بأكملها. 

ـ بعض شواطئ أرخبيل جزر أوركني في اسكوتلندا، تعرضت للتآكل وفقدت من مساحتها حوالي 16 بوصة كل عام منذ عام 1970، وهو رقم كبير جداً إذا قارنته بأرقام التآكل السابقة، حيث لم تفقد تلك الشواطئ من مساحتها سوى ثمانية بوصات، في الفترة من 1890 إلى 1970. 

ـ 55 في المائة نسبة البرازيليين من أصول أفريقية أو أعراق مختلطة، في حين تبلغ نسبة الحيوانات المنوية المستوردة إلى بنوك الحيوانات المنوية في البرازيل من متبرعين بيض 95 في المائة، ومن متبرعين بأعين زرقاء نسبة 52 في المائة. 

ـ اقتربت الصين من تخطي الولايات المتحدة في الإنفاق على الأبحاث العلمية، وينتظر أن تنجح في ذلك مع نهاية هذا العام طبقاً لما نشرته صحيفة الواشنطن بوست. تنفق الولايات المتحدة على الأبحاث سنوياً مبلغ 500 بليون دولار، لكن الصين في طريقها لتخطي هذا الرقم بنسبة 16 في المائة كل عام، وهو ما يساعدها منذ الآن على اجتذاب العديد من العلماء الأجانب واستعادة العقول الصينية التي هاجرت من قبل إلى الولايات المتحدة.

ـ في عام 2017 كان يمكن أن يتعرض للقتل خلال عبور البحر المتوسط، واحد فقط من بين كل 42 مهاجراً يحاول العبور إلى أوروبا، في عام 2018 تغير الرقم بشكل ملفت ومؤسف، وأصبح من الممكن أن يتعرض للقتل خلال عبور المتوسط واحد من بين كل 18 مهاجر، في الوقت الذي لا زال فيه حكام الدول العربية المطلة على المتوسط يستخدمون اللاجئين كأوراق ضغط على الحكومات الأوروبية للسكوت على سياساتهم القمعية المنحطة.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.