كيف أعود للكتابة؟

كيف أعود للكتابة؟

19 مايو 2023
+ الخط -

منذ فترة وأنا أكتب وتُرفض مقالاتي ولا تُنشر، لا أستطيع التركيز على فكرة معينة، فيخرج المقال مفكّكاً غير مترابط. أكتب أحياناً وأمسح الكتابة أو أكتفي بها لنفسي، ولا أعرف كيف أجمع أفكاري مرّة أخرى، أو تأتي فكرة في رأسي لأكتب عنها، ثمّ لا أستطيع الكتابة حولها وأنساها.

وعلى الرغم من وجود فترات يكتب فيها قلمي باستفاضة، لا أعرف كيف أستعيد فيضه من جديد. أضف إلى ذلك فترة انتظار الردّ على قبول المقال، فترة تملأ صدرك بالشوق مثل البالون، ومع طول مدّة الانتظار يتلاشى حجم الفرحة ويتقلّص. 

يقال إنّ النشر في مدونة خاصة بك أفضل، وأقل تعقيداً، ولكن أنا من الكتّاب الذين لا يحبّون قراءة ما يكتبون عقب الانتهاء منه، وأفضل قراءته من قبل شخص آخر قبل نشره، لأني أعتقد أنه لا بدّ من رأي آخر قبل النشر. فلو فرضنا أنني صنعت لنفسي مدوّنتي الخاصة، فمن أين لي بمتطوّع متمكن يقرأ لي قبل النشر؟! ويستوعب انفعالاتي وترهاتي وأفكاري!

أحياناً أكتب وأكتب، فلا تتجاوز كلماتي أسطراً تُعدّ على الأصابع، بعد أن أكون اعتصرت لبابة وحشاشة الفؤاد والعقل والهوى.. وهنا يغلبني قلق عدد الأسطر والكلمات، إذ لا أحبّ كتابة فقرات طويلة خارجة عن النص، بل أفضّل الخروج بنص متكامل يثلج الصدر، لذا تُصارعني الرغبة في كتابة المقال أو القصة سريعاً والرغبة بنشرها. ثمّ لا أبالغ إن قلت إنّ لهفة انتظار ولادة النص كلهفة انتظار بزوغ فجر، حدث سعيد ترغب بمشاهدته حيّا أمام عينك. ولكن القلم توقف ولم تعد هناك رغبة في الكتابة، فماذا أفعل؟

كي يكون القلم فاعلاً، لا بدّ من معايشة أخبار العالم والاطلاع على نواحي الفكرة التي تريد الكتابة عنها

سابقاً، كنت أستحضر روح قلمي بسماع أغنية أو موسيقى أو مشهد تمثيلي، أما الآن فقد مللت من كلّ ذلك، فلم تعد هذه الطقوس تحثّ قلمي الذي أصبح يميل للرصانة والجدية أكثر. فماذا أفعل لك يا قلمي، وأنا لا أدري الطقوس التي عليّ استحضارها لك حتى تتدفق كلماتك؟!

في بعض المرّات يخرج النص ميّالا لأن يكون خاطرة أكثر منه مقالاً، وأنا لا أحبّ نشر الخواطر، فمن وجهة نظري أراها خاصة، ولا يجوز نشرها، ورفاهية لا أتمتع بها.

الخوف من نشر كلّ جديد يتملكني، لذا أكره أحيانا كتابتي على لوحة مفاتيح الحاسوب، والتي تستغرق مني وقتاً، يأخذ من مسؤولياتي وأعباء يومي الشيء الكثير. ربما عليّ النظر إلى الموضوع على أنه جزء من يومي، فأنا بلا كتابة روحي مبعثرة، وتظلّ تئن بالمخاض حتى يولد نص جديد: كيف سيكون وقعه على القارئ، وما هي الأفكار التي أبعث بها، وما هي رسالته والهدف منه؟

تشتّت القلم، ربما لسكون الحياة وركود أحداثها، وعدم متابعة أخبار العالم ومعرفة جديده والانحصار بتجارب اليوم العادية، والتي نادرا ما يجدّ عليها أيّ جديد. وكي يكون القلم فاعلاً، لا بدّ من معايشة أخبار العالم والاطلاع على نواحي الفكرة التي تريد الكتابة عنها، فدائماً هناك جديد، ودائما هناك شيء تريد الكتابة عنه.

أردت الكتابة دائماِ عن المرأة ومشاكلها والقوانين التي لا تأتي لها بالحقوق، وأنا أكتب دائما الفكرة التي تخطر في بالي، وعليّ البحث عن الجديد، والاطلاع على موضوع جديد، أبحث عن محاوره بجدية دونما تشتّت، وليأخذ وقته في التكوّن والكتابة.

من جهة أخرى، ربما حالة التبعثر هذه تنتابني لأنني أنتظر مجموعتي القصصية الأولى، انتظرتها سنين طويلة والأفكار تأخذني يمنةً وشمالا، سأحدثكم عنها فور صدورها، وسأكتب لكم عن تجربتي وما راودني من أفكار، سأتركها لحينها.

الكتابة تأخذ وقتاً وجهداً، ونحن في مجتمعاتنا نادراً ما نُعطي الكتّاب حقهم وريع جهدهم، ومن يستمر يستمر لمتعته الخاصة دون انتظار العائد الكبير. لذا علينا دعم الكاتب الذي تعجبنا كلماته حتى يستمر، ويستمر نتاجه وقوة وجوده. 

وأخيراً، لكلّ كاتب تتبعثر كلماته ويمرّ في حالة ركود فكري، أقول: عليك تجديد معلوماتك وتجربتك، فالكتابة كالدراسة لا تختلفان في شيء.

A70A6B05-880A-46F3-93C3-09859D5CFC65
إيناس عبد الفتاح
صيدلانية كاتبة مقالات وقصص على مواقع التواصل الاجتماعي، نرتقي بالفكر ونكتب لنصل إلى العقول وشيء من العاطفة