شدّوا بعضكم يا أهل فلسطين

شدّوا بعضكم يا أهل فلسطين

02 نوفمبر 2022
+ الخط -

انتشر أخيراً فيديو بعنوان "لحظة من مخيم"، للجدة الفلسطينية الحاجة حليمة حسين سليمان زايد، من قرية بيت إكسا، شمال غربي القدس المحتلة، وهي من مواليد 1938. في الفيديو، كانت الجدة تغني "شدّوا بعضكم يا أهل فلسطين"، لتصبح  الأكثر تداولاً على وسائل التواصل الاجتماعي، ولنكون أمام فيديو بقدر ما هو بسيط، بقدر ما هو جميل ودافئ أيضاً، الأمر الذي جعلنا نشعر بأنها جدّة الجميع، بدت لنا مثل زيتونة زُرعت في جبل المكبر، مرّت عليها أحداث النكبة عام 1948 والنكسة عام 1967، تجرّعتهما بمرارة وصمت، كما ذاقت من التهجير واللجوء كسائر اللاجئين والنازحين الفلسطينيين في تلك الأعوام. تُرى بعد هذا الجيل، من سيذكرنا بمرارة ما حدث في فلسطين غير الكتب؟

في هذا الفيديو، ذكرتنا الجدّة بمسؤوليتنا أمام الله وفلسطين (التي لن ترحل عن ذاكرتنا)، مسؤوليتنا أن نعلّم أبناءنا لوعة ما جرى لفلسطين، قضيتهم الأولى، وهم الذين لا يعلمون عن وجع القضية إلا أنّ المخيم موجود، وأنّ إسرائيل عدوّهم الأول. هم لا يعلمون الكثير عن وعد بلفور، ولا عن "الثلاثاء الحمراء"، ولا عن القضية الفلسطينية غير التواريخ. 

"شدّوا بعضكم"، رسالة بسيطة معناها كبير وعميق، أن نكون لبعضنا السند والقوة ونترك الخصام والخلاف، وأنا أرى أنها رسالة لكلّ من يؤمن بأنّ فلسطين قضيته الأولى، فبغير وحدة الصف لن تعود فلسطين وسيبقى الجرح موجوداً.

سأخبرك يا ستي أنني لن أنسى يوماً حقي في العودة، لا ينافسه انتمائي لوطني الأردن الذي احتضن أجدادي، وضمّد جرحاً نازفاً قدر المستطاع، يسعد دائماً بكلّ فرحة في طريق عودة فلسطين، وطني الذي كان وما زال، وسيظل لي السند والعون، وأشدو له كما أشدو لفلسطين موطني. ربما لا أعرف الكثير عن فلسطين، ولم أحظ يوماً بزيارتها، ولكن لي أرضاً هناك سنعود إليها يوماً، ومفتاح العودة ما زال معلّقاً في صدري.

أعادني صوتك يا جدتي لأغنيات جداتي في أعراس المخيمات، حيث لم تنس الجدات وجع التهجير وضيق المخيم بعد إبعادهن عن أراضيهن وبياراتهن الواسعة، لم يفتأن يغرّدن بأصواتهن عن حلم العودة، ووجع النكبة ومرارة التهجير وبشاعة العدو الإسرائيلي. صوتك يصدح وأصواتهن تشدو في ذاكرتي عن وجع فلسطين، وكأنهن يأبين الفرحة وفلسطين مكبّلة بالقيود، مهما طغى التطبيع يا ستي على وجه العالم، ومهما شاركت الدول والأمم في ذلك، يأتي صوتك وأصوات الجدّات يشدو، ليحطّم ذلك الثلج فينا، تدمع عيوننا وتجمعنا كلماتك وتعيد لنا الأمل، بأنّ أجراس العودة ذات يوم ستقرع.

"شدّوا بعضكم"... رسالة بسيطة لكلّ أم وأب ومعلم ومؤثر في فكر هذا المجتمع

"شدّوا بعضكم"، فيديو أثار الشجن، وجعل السيف يئن في غمده، ودفعنا للتفكير بكيفية تدوين ذاكرة الجدات، والمحافظة على إرثهن، بل علينا صنع مزار لذلك الإرث حتى يكبر في عقل الجيل القادم. كما أننا نحن كآباء وأمهات مشغولون دائماً بتأمين رفاهية أبنائنا، حتى أنّ الأب والأم لم يعد لديهما الوقت لتدريس الأبناء والبنات عن القضية الفلسطينية، كما لم تعد المناهج تتحدّث عنها بالشيء الكثير، لقد كُبلنا بالأوضاع الاقتصادية الصعبة، والنزاعات السياسية و...

"شدّوا بعضكم"، رسالة بسيطة لكلّ أم وأب ومعلم ومؤثر في فكر هذا المجتمع، علينا جعل قضايانا لا تنفصل ولا تتجزّأ عن قضيتنا الأولى، القضية التي لا يذكرنا بها إلا كلّ أسير أو شهيد، وحتى ذكراهم أصبحت تمرّ مرور الكرام ولا يُحكى عنها.

"شدّوا بعضكم"، فيديو قصير، لكنه صنع في قلوبنا أشياء كثيرة.

A70A6B05-880A-46F3-93C3-09859D5CFC65
إيناس عبد الفتاح
صيدلانية كاتبة مقالات وقصص على مواقع التواصل الاجتماعي، نرتقي بالفكر ونكتب لنصل إلى العقول وشيء من العاطفة