المرأة العربية ومثالية المؤثرات

المرأة العربية ومثالية المؤثرات

28 ديسمبر 2022
+ الخط -

تتقلب الحياة ولا شيء فيها مثالي، بالرغم من الصورة المثالية الكاملة التي نرسمها، الصورة المثالية التي تغزو العالمين الافتراضي والواقعي، الصورة التي ترفض الألم والنقص، الرفض والكره، الصورة التي ترهقنا ونكملها بأشياء بعيدة عن جوهر الحياة وقيمتها، إننا ننشد المثالية في كل شيء، وليس عيباً في ذلك طالما أنه في حدود الوعي والمعقول، ولكن عندما تصبح المثالية هوساً ومطلباً أساسياً إذا لم يتحقق، صاحب ذلك السخط والغضب، فهنا الطامة الكبرى.

المثالية عند المرأة العربية في الآونة الأخيرة أصبحت مطلباً أساسياً في كثير من الحالات يصاحبه هوس تزيد منه مواقع التواصل الاجتماعي، فالمرأة التي تقلّب في صفحات هذه المواقع تشاهد الكثير من المؤثرات اللواتي يعرضن حياة كاملة مثالية وكأنها في الجنة، تتابع المرأة هذه الحياة وهي مبهورة بالكمال والمثالية التي تشاهدها، متناسية أو لا تعي أنّ المؤثرة تصور الفيديو في مدة زمنية معينة وتحرص خلال هذا الوقت على حشد كل إمكاناتها حتى يظهر الفيديو بأجمل صورة وخصوصاً العلاقة الرومانسية والحب والدفء بين الأزواج.

قد تكون هذه المؤثرة على نزاع وخصام مع زوجها وأبنائها ولكنهم جميعاً متفقون على هدف واحد هو جمع أكبر عدد من المشاهدات والإعجابات

وقد تكون هذه المؤثرة على نزاع وخصام مع زوجها وأبنائها ولكنهم جميعاً متفقون على هدف واحد هو جمع أكبر عدد من المشاهدات والإعجابات، ومنهم من يروج لشائعة وخبر مفبرك عن حياته الشخصية بين فترة وأخرى حتى تزيد متابعته عبر محركات البحث. أتفق معكن لا شيء أجمل من حياة امرأة تملك زوجاً محباً وأبناء رائعين وبيتاً جميلاً يتوفر فيه كل ما تحلم به وأصدقاء حاضرين دائماً في جميع نزهاتها التي تذهب فيها إلى السوق. وكأن معها ميزانية مفتوحة تشتري كل ما تشتهي وتتمنى، لكن استيقظن، هذه ليست حياة حقيقية!

بعض النساء يعرفن أن ذلك غير حقيقي وليس كما يعرض ولكنها ضائعة تائهة بلا هدف يشغل حياتها وفكرها، ومعظم ما تفعله ليس أكثر من متابعة المؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحاول ملء حياتها ووقت فراغها بمتابعتهن حتى يتسلل الملل والسخط إلى نفسيتها تدريجياً. فأين هي من وسائل الرفاهية التي تشاهدها، هذه العقلية تمتد إلى واقع الكثير من النساء، فتنظر إلى حياة النساء حولها وما تشاهده مثالياً وكاملاً عند غيرها، يصبح هدفاً ومسعى لها، وإذا لم تحصل عليه أحزنها.

الحب المثالي عند المرأة، رجل رومانسي ثري متفهم يوفر كل سبل الراحة والسعادة. لا تحمل المرأة في هذه العلاقة أي مسؤولية، سوى كونها معشوقة، قد يتحقق ذلك! ولكن أدنى مسؤولياتك حتى تحافظي على هذا العاشق هو الوعي، لا يوجد في الحياة رجل أمير سندريلا ينقذك من بحر الظلمات ولا يوجد "السوبر هيرو"، لا يوجد مخلوق على هذه المعمورة لا يتحمل مسؤولية يتعب في سبيلها.

إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي تؤثر سلباً على وعيك ورضاك أو تلفت نظرك للأشياء التي تنقصك فاعتزليها وابتعدي عنها، ولو لفترات، اشغلي نفسك بهدف تحقيقينه، تابعي من يؤثر فيك إيجاباً، ويساعدك بإشغال نفسك واستثمار وقتك، لا تكوني فريسة سهلة للمؤثرات السطحيات، لا تتركي نفسك متابعة لهن طيلة الوقت، فأنت مصدر لجمع أكبر عدد من المشاهدات وحصد أكثر إعجابات، بعضهم مستعد لفعل أي شيء بلا قيم ولا مبدأ حتى يجني أكبر قدر من الأموال، كوني واعية.

الكثير من الدراسات التي ظهرت مؤخراً وبعضها مثبت علمياً تفيد بالتأثير السلبي لمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي مدة تزيد عن ثلاث ساعات يومياً ودورها في رفع معدلات الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق والتوتر، كما توجد دراسة تتحدث عن دورها في احترام الذات.

ريم امرأة أربعينية تتحدث عن تجربتها قائلة: "كنت أتابع إحدى المؤثرات يومياً عندما أستيقظ صباحاً، كنت في البداية أشعر بالنشاط وأقوم بواجباتي المنزلية بسعادة، بعد ذلك صرت أشغل وقتي بفيديوهاتها ثم فيديوهات صديقاتها، فكل واحدة منهن لها قناة ويقدمن محتوى متشابهاً، بدأ الملل يتسلل إلي وصرت أنتبه أكثر للأشياء الناقصة في حياتي وأكثر ما كان يتعبني هو روتين حياتي اليومي فانقطعت عن متابعتها فترة من الزمن ومتابعة الفيديوهات المشابهة لها، وعندما عدت وجدت أنها أصبحت تقدم فيديوهات فارغة "أي كلام" حتى تصنع محتوى يضمن بقاء قناتها نشطة ولم يعد ذلك المحتوى القيم الذي كنت أتابعه في البداية، ثم اكتشفت أنها وصديقاتها ومعارفهن هن من يحركن القناة ويتفاعلن مع بعضهن البعض، فألغيت المتابعة ولم أعد أتابع أحداً لأكثر من ربع ساعة يومياً".

كوني واعية واشغلي وقتك ولا تكوني أداة في يد أحد حتى لو كان مؤثراً على صفحات التواصل الاجتماعي.

A70A6B05-880A-46F3-93C3-09859D5CFC65
إيناس عبد الفتاح
صيدلانية كاتبة مقالات وقصص على مواقع التواصل الاجتماعي، نرتقي بالفكر ونكتب لنصل إلى العقول وشيء من العاطفة