زهرة مارغريت للمرأة في عيدها

زهرة مارغريت للمرأة في عيدها

08 مارس 2024
+ الخط -

كنتُ في السابعةِ من عمري يوم منحتني خالتي حزمة من زهر المارغريت وطلبت مني توزيعها على جماهير النساء المحتفلة بيوم المرأة العالمي في بيتٍ واسعٍ لإحدى صديقات أمي وخالاتي.

 يومها، ورغم تعدّد الخطابات وكره الأطفال في عمري للخطابات الجدّية، فرحت كثيرًا وعشت حلمًا بأنّني سأكبر كامرأة، ليأتي يومٌ قريب ستُهدى إليّ فيه وردة. كما تخيّلت نفسي وأنا أحتفل بنفسي، وبالنساء اللواتي سبقنني وعرّفنني على معنى هذا اليوم وطقوسه، وتماديت في الحلم لأكتب في مخيلتي بعض العبارات الاحتفالية التي كانت يد النسيان الطفولية تنتزعها من شاشة رأسي لأستعيدها كلّ سنة جديدة، وبنفس الموعد، مع تبديل بعض العبارات، أو إضافة عبارات أخرى.

أن تنشأ النساء على الاحتفال بالمناسبات العامة، وخاصة يومهن (يوم المرأة)، هو قضية مهمة، قضية وليست مجرّد فعل متكرّر. أنا ممتنة لأنّي وجدت نفسي في بيئة تحتفل بالمناسبات، وخاصة ما يغفل عنها الغالبية، لتخزّنها في وجدان الأبناء والبنات كقضايا تستحق التذكّر، تستحق الاحتفال وتستحق العناد والمواظبة على تناول واقع النساء من زاوية جدية، استباقية ربّما، لكنها نوعية وبناءة فعلًا.

دربت أبنائي بعدها على الاحتفال بي في هذا اليوم من كلّ عام، كنت أعتز بكوني امرأة أكثر من اعتزازي بكوني أمًّا، فأن أكون امرأة هو الأصل والأمومة، قد تكون وقد لا تكون، سواء بخيار شخصي أو بمانع طبي أو مجتمعي.. لا فرق. المهم أنّه يمكننا اختيار الأمومة من عدمها، أو نقبل بفرض غياب الأمومة عنّا أو حرماننا منها لأسباب خارج إرادتنا، لكن من المستحيل أن نتجاوز الاحتفال بأنّنا نساء. 

أن أكون امرأة هو الأصل، وأما الأمومة قد تكون وقد لا تكون، سواء بخيار شخصي أو مانع طبي أو مجتمعي لا فرق

وكلّما زاد التمييز، أو كلّما تفنّنوا بفرض وممارسة أساليب جديدة متنوعة من العنف! برز انتماؤنا لكوننا نساء، وكأنّه جذوة أصيلة تستحق التجديد والتجذير، والاحتفال أيضاً.

وتعميم المظهر الاحتفالي على يوم الثامن من مارس هو أحد وجوه الحقيقة المعلنة والمُمارسة، إنّه يوم للتمعّن في مشاكل النساء، حضورهن، مواطن ضعفهن وقوة الأمر الواقع عبر فرض كلّ موانع التقدّم والحرية ضد خياراتهن، وفي شكل وطبيعة حيواتهن أيضًا.

 في كلّ عام يصيغ الأمين العام للأمم المتحدة شعار العام القادم من أجل الاحتفاء بالنساء وتثبيت حقوقهن ودعمهن من أجل حياة أكثر قيمة وعدالة. يتحوّل المظهر الاحتفالي لخطة عمل، هكذا ينبغي حتى لا تضيع الحقوق في زحمة المظاهر الآنية والمرتجلة أو العنيفة، من أجل وقف ختان الطفلات، من أجل لجم كلّ الدعوات لتجنيد النساء والطفلات. لا للعنف المقيم، والذي يتوالد ويلد عنفًا جديدًا يصيب الحلقات الأضعف، فتتحوّل النساء المعنّفات إلى مصدّرات للعنف تجاه أنفسهن وتجاه شريكاتهن أيضًا. لا للتعقيم أو الإجهاض القسري، فلنغيّر وجوه النساء من رهينات للألم إلى شريكات فاعلات في صياغة عالم أقل توّحشًا، وأقل قسوة، وأكثر تناغمًا وإنسانية. نعم لضمان خياراتهن في زواج متوازن وحلول آمنة وإرادية، معًا.

فلنغيّر وجوه النساء من رهينات للألم إلى شريكات فاعلات في صياغة عالمٍ أقلّ توّحشًا

 تتعدّد الرغبات والأمنيات، لكنها في العمق قضايا تشكل هُوية النساء لأجيالٍ قادمة، لنساء يجدن أنفسهن في صلب القضايا وينخرطن فيها لتصبح جزءًا من حيواتهن، ونساء وكأنّهن يعشن في عالمٍ آخر بلا حول أو قوة، مُستلبات وحزينات، نساء فاقدات للقوة، وبالحقيقة هنّ مسلوبات القوة والقرار.

أجيال لن تتوقف عن البناء على كلّ ما تم بناؤه، نساء سيُغلفن سطوة الأيام الراكدة والموحشة بحيوية الرغبة بالتغيير، مدعومات بالأمل والإرادة والتصميم العنيد.

تمر السنون ويتلو مارس أشهر وسنوات، ونبقى مغمورات ببلاغةِ زهرات المارغريت ونضارتها وقدرتها على الاستمرار والانتعاش. هي الحياة جديرة بأن تعاش، لكن بعزيمة وعناد وفرح وقوة، القوة شرط من شروط البقاء، قوة الحب والشراكة ونضارة الاحتفالات بأنفسنا، كنساء أولًا وأخيرًا.

 دمتم/ تن بجمالٍ وألقٍ وعنادٍ، وكلّ يوم امرأة وأنتم/ن بوافر الخير.

سلوى زكزك/ فيسبوك
سلوى زكزك
مدوّنة سورية تقيم في دمشق. تكتب مقالات وتحقيقات صحافية. وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية. تكتب في مواضيع النسوية والجندر وتهتم بقضايا العنف الاجتماعي.