تعاضد مجتمعي أم ترقيع للبؤس؟

تعاضد مجتمعي أم ترقيع للبؤس؟

07 ابريل 2024
+ الخط -

اتصلت سيّدة بموظفٍ في إحدى الجمعيات الخيرية، وسألته عن ملابس للعيد لأطفالها. اعتذر الرجل، وقال بشكل حاسم: لا ملابس للتوزيع في هذا العيد.

غالبًا، يرتبط طقس شراء الملابس، وخاصة للأطفال بمواسم الأعياد، وبصورة أقل في بداية العام الدراسي، لكنه يختص بالزي المدرسي فقط. ولأنّ الأعياد ما زالت تُحافظ على تشارك النمط الاجتماعي والخيري في تفاصيلها، يبدو الاعتماد على الغير (القادر) هو الاعتماد الرئيسي في تأمين كساء العيد، وربّما كساء العام، ليس لأطفال العائلة فقط، بل من الممكن أن تساهم عائلة ممنوحة بإعادة إنتاج عملية التبادل، أي أن تمنح، إمّا لباس أطفالها، أو ما يفيض عنهم من الممنوح لأطفالٍ في ذاتِ الدائرة العائلية، وقد يتعداها إلى الجيران والأصدقاء، وربّما بعض المحتاجين غير القريبين، لكنهم موجودون دومًا في مدى الرؤية المباشر.

عماد، عامل فني مختص في الكهرباء، موظف في شركة خاصة، راتبه لا يكفي إلّا للحدِّ الأدنى من الغذاء، لكنه اعتاد طلب ملابس لأطفاله، وبشكل مباشر، وخاصة من زملاء العمل. يقول عماد، وكأنّه يلبس حينها شخصية القائد الاجتماعي المبادر والمرن: "يا شباب كل واحد فيكم عنده ولاد أكبر من أولادي يعطيني تيابهم". هكذا، بصريح العبارة. وربّما تجدر الإشارة إلى أنّ دعوات عماد المتكرّرة قبل الأعياد قد تحوّلت إلى طقسٍ تبادلي ما بين زملاء العمل، وكبادرةِ حسنِ نيةٍ، يُبادر هو أولًا لجلبِ بعض ملابسِ أبنائه التي باتت صغيرة أو غير صالحة لمنحها لأطفال زملاء آخرين.

وقد دعت الظروف الاقتصادية بالغة الصعوبة بعض العائلات، أو أهالي بناء واحد، أو عضوات جمعية نسائية ما، إلى إعلان النفير العام، بما معناه أنّ موسم جمع الملابس قد حان، وقد تطوّرت هذه الدعوات، لتأخذ سياقًا أكثر مهارةً ولباقةً ومشاركةً، بحيث بات الجميع، وبشكل تقريبي، يعرف عدد أطفال العائلات ومقاساتهم، وربّما أذواقهم، وهذا تكريس ماهر وأصيل لقيم التشارك المجتمعي وعدم هدر الموارد، وصولًا إلى حماية الكوكب من التلوّث ونقص المياه، والأهم من الإفلاس والغرق أكثر وأكثر في مستنقعات الفاقة الشديدة والهمجية التمييزية.

يتقاسم المانحون والممنوحون سعادةَ العطاء والأخذ في الوقت نفسه

يتبرّع صاحب معمل للجوارب بمئتي زوج من الجوارب في كلّ عيد. تقول مريم: أنا لا أشتري جوارب أبدًا. بالعكس، غالبًا ما أقوم بإعادةِ توزيع ما تملك أسرتي من جوارب لغيرنا! أمّا حنان فتقول: تخيّلوا، اتصل بي أحد الأشخاص بعد أن علم بأنّني أعمل كمعلمةِ رياضة في مدرسة ابتدائية، وقال لي فورا: أريد التبرّع بعشرين حذاء رياضيًا، وأرجو منك الموافقة على توزيعها للطلاب الأشدّ احتياجا، وكان كريمًا لدرجةِ أنّه طلب مني مسبقًا قائمة بمقاسات أقدام الأطفال وأذواقهم لضمان الاستفادة من الأحذية وتأمين سعادة الأطفال في الوقت ذاته.

يبدو هنا السؤال عن الغاية المقصودة من التبرّع بلا فائدة تُذكر، ويتقاسم المانحون والممنوحون سعادةَ العطاء والأخذ في الوقت نفسه، لكن سؤال الاحتياج الأكثر شمولية، ومن يساعد من، ومن يلبّي حاجة من، سؤال بلا فائدة أيضا! فقوة الاحتياج تتناسب طردًا مع رغبة الجميع بالمنح أو بالتبادل، كما تتسم بعض المبادرات بسمة إبداعية، مثل دعوات الأطفال إلى مراكز الألعاب لتسليتهم وإسعادهم، كما بادر البعض لمنحهم فرص اختيار أحذيتهم، أو ملابسهم، بأنفسهم. مثلًا، بادرت سيدة إلى شراء وحدات هاتف بكميةٍ كافية ومرضية لعدد من السيّدات الوحيدات، بهدف منحهن فرصة التواصل مع أبنائهن أو أقاربهن. كما بادر طبيب إلى تقديم كميات من الفيتامين (د) تتناسب، وبشكل طبي مدروس، مع حاجة عدد كبير من سيّدات قريته.

ربّما لا تستطيع كلّ المبادرات لي ذراع البؤس ووقفه أو الحد من سطوته حتى، لكنها ترتقي بالمبادرات المجتمعية لتتحوّل إلى قاعدةِ تماسكٍ اجتماعي وتَشارك نبيلٍ وفعّال.

سلوى زكزك/ فيسبوك
سلوى زكزك
مدوّنة سورية تقيم في دمشق. تكتب مقالات وتحقيقات صحافية. وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية. تكتب في مواضيع النسوية والجندر وتهتم بقضايا العنف الاجتماعي.