بين تنظيم "الدولة" و"داعش"

بين تنظيم "الدولة" و"داعش"

26 فبراير 2015
عمل لـ(جمهور فرهدي)
+ الخط -

(1)

مؤلمة هي مشاهد حرق الإنسان حياً، كتلك التي طالعتنا للطيار الأردني، معاذ الكساسبة، المحروق على أيدي مجرمي تنظيم داعش. لم يكن حجم التعاطف مع الكساسبة مفاجئا، فهو واجب العروة الوثقى للإنسانية، المفاجئ هو حال أولئك الذين استهجنوا حرق الكساسبة، وقد أيدوا، من قبل ومن بعد، حرق كساسبة آخرين، بينما أشارت الأنباء، قبل أيام، إلى ارتفاع قتلى مجزرة استاد الدفاع الجوي في مصر إلى نحو ثلاثين قتيلا وعشرات المصابين. شباب من مشجعي نادي الزمالك، قيل لهم إن حضور مباراة ناديهم سيكون مجانيا، صدقوا، فلما ذهبوا مشجعين عادوا إلى أهلهم إما جثامين أو مصابين. حالة قريبة من سيارة ترحيلات أبو زعبل التي قضى فيها 37 شخصا نحبهم، بالغاز المسيل للدموع. برأت المحكمة المتهمين فيها، ومن أخذ حكما بالحبس كان مع وقف التنفيذ.

في أغسطس/آب 2013، نشرت إحدى الصحف المصرية مقطعا مصورا على موقعها الإلكتروني لجثث تفحمت في فض ميدان النهضة. نبهت الصحيفة، في عنوان الفيديو، إلى أنه يحوي مشاهد مؤذية للمشاعر، لكن كثيرا من المشاهدين، على ما يبدو، لم يكن متأذيا فدعوا للمزيد. أكبر مذابح العصر الحديث، وفق توصيف منظمة "هيومان رايتس ووتش"، لم تكن محل تحقيق، بل العكس اعتبر رئيس الوزراء السابق، حازم الببلاوي، أنها دليل على قوة حكومته في رده على شبهة أنها حكومة مرتعشة!

(2)

لم تكن زميلتي السورية تبالغ حين قالت إن مشهد حرق الكساسبة، ليس شيئا بجانب من نراه ورأيناه. ربما كانت تتذكر لحظتها مجازر الغوطة والبيضاء وريف درعا، التي نفذتها الدولة بعثية المنهج، قومية الشعار، أو ربما عادت بها الذاكرة لما قبل انتفاضة الحرية، أي عام 2008، حين فتح النظام النار على سجناء صيدانا، فقتل من قتل وأحرق جثثهم، وشوهدت ألسنة دخان حريقهم متصاعدة. أما في ليبيا عام 1996، فقد ارتكب نظام القذافي عملية قتل جماعي، في ما سميت بمجزرة سجن بوسليم، حين داهمت قوات خاصة السجن الواقع في ضواحي طرابلس، أطلقت النار فقتلت 1269 من سجناء الرأي ودفنتهم في باحة السجن. وإذا لم يحالفك الحظ بالاطلاع على جانب من هذه القصص المؤلمة، فقد حبانا الله بموقع الذاكرة الإلكترونية، يوتيوب، إذ بنقرة واحدة يمكنك الاطلاع على تاريخ حافل من جرائم أنظمة الاستبداد ضد سجناء رأي، صعقاً بالكهرباء أو اقتلاعاً للأظافر أو حرقاً للجلود بالأحماض، كان الهدف من بعضها إجبار المعتقلين على الركوع لصورة الزعيم.

(3)

الدولة قبل المجتمع هي أكبر أسباب المحنة العربية، لأنها ببساطة لا تقوم بوظيفة الدولة، فكيف سيقوم المجتمع بوظيفته؟ نشأت الدولة الحديثة لتحرير المجتمع، وحولتها أنظمة الاستبداد في نهاية المطاف إلى أهم آلات عبوديته. الفرد في الدولة الحديثة هو النواة الأولى للدولة، لكنه في أنظمة الاستبداد عبد لها، يعيش ذليلا في كنفها، أو مقتولا ككبش فداء لبقائها.

يقول الكاتب، أمين مهدي سليم، إنه التقى زميلا فلسطينياً من قادة العمل المسلح، فسأله على سبيل الفكاهة: "لو قدر لك الاعتقال، ففي أي الدول تحب أن تسجن؟". فأجاب صاحبه إجابة صادمة قائلاً: "سأختارسجون الكيان الصهيوني لأنه دولة"، وأضاف "إن العرب لم يعرفوا الدولة بعد. في إسرائيل أنت تعرف القانون الاستعماري الذي ستحاكم وفقه، وهو قانون عنصري، لكنه معلن ومعروف".

منتهى القول، في العالم العربي داعشان يقتلان، تنظيم "الدول" وتنظيم "داعش".


(مصر)

المساهمون