20 عاماً على غرق "كورسك" الروسية: ألغاز بلا أجوبة

12 اغسطس 2020
لقي جميع بحارة الغواصة "كورسك" مصرعهم (أولغا مالتسيفا/Getty)
+ الخط -

تحيي روسيا، اليوم الأربعاء، بمجموعة من الفعاليات، ذكرى مرور 20 عاماً على كارثة غرق الغواصة النووية "كورسك" في بحر بارنتس الشمالي في 12 أغسطس/آب 2000، وعلى متنها 118 بحاراً لقوا جميعاً مصرعهم، في أسوأ حادثة في تاريخ أسطول الغواصات الروسي، والتي شكّلت محطة فاصلة في تاريخ البلاد في بداية عهد الرئيس فلاديمير بوتين.

ووقعت الحادثة أثناء تدريبات لقوات أسطول الشمال الروسي، وتمّ فقدان الغواصة خلال أدائها قصفاً تدريبياً بالطوربيد (صواريخ تستخدم ضدّ الغواصات والسفن)، لتبدأ عمليات بحث مكثفة من الجو والبحر إلى أن تمّ العثور في صباح اليوم التالي على "كورسك" في قاع البحر على عمق 108 أمتار. وعلى مدى الأيام التالية للحادث، تابع الروس حابسين الأنفاس عبر شاشات التلفزة، تطورات عملية إغاثة طاقم الغواصة التي لم تتوج بالنجاح، ليتم التأكيد في 21 أغسطس/آب مقتل جميع أفراد الطاقم وإعلان اليوم التالي يوم حداد في عموم أنحاء روسيا. وبحسب الرواية الرسمية، فإنّ الحادثة ناجمة عن انفجار في موقع طوربيد تدريبي نتيجة لتسرب مزيج الهيدروجين عبر شروخ في هيكل الطوربيد، مما أسفر عن تدمير الجهاز الطوربيدي رقم 4 ورقم 2 المجاور، ثمّ الطوربيدات الأخرى.


وقعت الحادثة أثناء تدريبات لقوات أسطول الشمال الروسي

أسئلة كثيرة وُجهت إلى السلطات الروسية حول كيفية تعاطيها مع أزمة "كورسك"، بدءاً من مواصلة بوتين قضاء عطلته في منتجع سوتشي جنوب البلاد، وعزوفه عن العودة إلى موسكو لمتابعة الوضع إلا بعد مرور خمسة أيام، والتصريحات المتناقضة الصادرة عن قيادات الدولة في تلك الأيام العصيبة. أمّا ردّ بوتين على سؤال الإعلامي الأميركي، لاري كينغ، في حوار سابق مع قناة "سي أن أن" عما حدث للغواصة، بالقول "هي غرقت"، فلا يزال متداولاً مجازاً في وسائل الإعلام الروسية والأجنبية تعبيراً عن السخرية المُرّة إلى اليوم.

ولم تمرّ واقعة غرق "كورسك" من دون أن تترك آثاراً في المشهد السياسي والإعلامي والعلاقات داخل النخبة الروسية آنذاك، وكان من أبرزها التدهور النهائي للعلاقة بين بوتين والملياردير بوريس بيريزوفسكي، الذي كان في ذلك الوقت مالكاً لقناة "أو أر تي" ("الأولى" حالياً)، وواحداً من أكثر الشخصيات نفوذاً في البلاد في عهد الرئيس الأسبق بوريس يلتسين.

وتعقيباً على الواقعة، بثت قناة "أو أر تي" مطلع سبتمبر/أيلول 2000 حلقة خاصة من تقديم الإعلامي سيرغي دورينكو الذي استعرض لقطات تظهر سوء الظروف المعيشية لبحارة أسطول الشمال الروسي في مبانٍ متهالكة، وقسوة ظروف عملهم مثل قضاء شهرين أو ثلاثة متواصلة على متن الغواصات وتحمّلهم الأخطار النووية. كما كشف مقدم الحلقة عن أبرز التناقضات في تصريحات بوتين وسوء اطلاعه على ملابسات الفاجعة، خالصاً في ختام برنامجه إلى أنّ "السلطة لا تحترمنا جميعاً، ولذلك تكذب، والأهم هو أنّ السلطة تتعامل معنا بهذا الشكل، لمجرد أننا نسمح بذلك".

وإثر هذه الحلقة، تمّ تسريح دورينكو ووقف برنامجه، بينما قبل بيريزوفسكي تحت ضغوط من الكرملين ببيع "أو أر تي"، وغادر إلى لندن حيث أقام حتى وفاته في ظروف غامضة في عام 2013، وسط تشكيك معارفه في رواية الانتحار التي سادت بشأن الوفاة.


لا تزال مختلف الروايات ونظريات المؤامرة تخيّم على الواقعة

وبعد مرور 20 عاماً على حادثة "كورسك"، لا تزال مختلف الروايات ونظريات المؤامرة تخيّم على الواقعة ويتم تداولها سنوياً عشية ذكرى الحادثة. ومن بين هذه الروايات غير المؤكدة، إغراق "كورسك" بطلقة أو جراء اصطدام مع غواصة أميركية. مع ذلك، أكد رئيس نادي بحارة الغواصات في سانت بطرسبورغ، إيغور كوردين، للصحافيين عشية الذكرى الـ20 للحادثة، أنه لم تظهر خلال السنوات الماضية حقائق جديدة من شأنها تسليط الضوء على الأسباب الحقيقية لغرق "كورسك"، لافتاً إلى انعدام الأدلة على إغراقها بواسطة غواصة أجنبية، ومعتبراً في الوقت نفسه أنه لا يجوز استبعاد هذه الرواية تماماً.

وكان بوتين قد أرجع في حوار تلفزيوني في عام 2018، وقوع حادثة "كورسك" إلى الصعوبات الكبيرة في المجال الاقتصادي والاجتماعي والعسكري بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، معتبراً أنّ الفاجعة جاءت كـ"مظهر للوضع العام" بالجيش الروسي في ذلك الوقت. كما قال بوتين إنه كان تولى حينها زمام منصبه للتو، ولم يكن على علم بإجراء تدريبات واسعة النطاق في بحر بارنتس، مجدداً التأكيد على الرواية الرسمية لحدوث انفجار بقسم الطوربيدات.