وردة الجزائريّة: مسار أفق فني أصيل

في ذكرى وردة الجزائريّة... مسار أفق فني أصيل

20 يوليو 2020
رسمت وردة مسارًا لأفق فنيّ أصيل داخل النسيج الاجتماعي المغاربي (محمد لونس/Getty)
+ الخط -

يُؤكد المسار الغنائي للمُطربة وردة الجزائرية (2012-1939) التي حلت قبل أيام ذكرى ميلادها (22 يونيو/حزيران)، أنّ تاريخ الغناء العربيّ الحديث، ظلّ يحتكم في أساسه إلى لحظات تاريخية بعينها، تصنع مسار الفنّان، وهي في مُجملها لحظاتٌ مُرتبطة بسياقات سياسية واجتماعية محضة، تصوغ عوالم تجربته الغنائية من خلال الثورة على الأوضاع القائمة والدفاع عن حقوق المُستضعفين. إذْ أصبح الفنّان لسان حال مرحلته وأيقونة شعبية داخل بلده وباقي البلدان العربيّة ذات التأثير القومي، مثل التجارب الغنائية التي ترعرعت إبان الخمسينيات والستينيات، خلافاً للتجارب الأخرى التي تأسست فنياً وبزغت خلال السبعينيات.


السمة البارزة في المسار الغنائي لدى وردة الجزائرية (وردة فتوكي) هو أنّ تاريخ الغناء العربيّ، يحتفظ بميسم بديع عن هذه الفنّانة التي صارت خلال سبعينيات القرن الماضي صديقة الجماهير العربيّة. أولاً بسبب أغاني الثورة التي غنتها في عدد من الإذاعات السورية واللبنانية، أكسبتها محبة هذه الجماهير الهلامية العريضة، صانعة منها أيقونة غنائية جديدة ومُدافعة عن تحرير الشعوب من كنف الاستعمار. ثم بسبب الأغاني الرومانسية التي اشتُغِلَت مع أكبر المُلحنين المصريين في الفترة الحديثة، هذا إضافة إلى الأفلام السينمائية المصرية التي مثلت فيها مثل: "أميرة العرب" (1963)، "صوت الحب" (1973)، "حكايتي مع الزمان" (1974)، "آه يا ليل يازمن" (1977)، "ليه يا دنيا"( 1994).

رغم قلة هذه الأفلام مقارنة مع مُغنين آخرين، إلاّ أنها كانت مُؤثرة وكافية لإبراز عِشقها للفنّ السابع، مع العلم أنّ وجود وردة أو غيرها من المغنين والمغنيات داخل السينما المصرية، لم يكن يُمثّل موهبة مُزدوجة أو حتى مشروعاً فنياً مُتكاملاً، بقدر ما هو صورة أيقونية لفنّانة نجمة تحضر داخل فيلمٍ أو مسلسلٍ تلفزيوني. إذْ يدخل ذلك ضمن تقليد فنيّ، كان قد بدأ في مصر واكتسح الأرجاء منذ مطالع الثمانينيات. وهذا الأمر يتبدّى جيداً في أداء وردة داخل هذه الأفلام، الذي هو مجرد صورة وحوار تلقائي وميكانيكي، أيّ أنّ موهبتها على مستوى التمثيل، تبدو طبيعية ومُرتبكة أمام صوتها القويّ والرومانسي الحالم. ومع ذلك فأفلامها حققت انتشاراً واسعاً، بسبب تعطش الجماهير العربيّة إلى مُشاهدة مُطربتهم على عرش الصورة السينمائية. وبالتالي، فإن كلّ هذه الأشياء المُتمازجة بين تجربة الغناء الثوري والرومانسي والتمثيل السينمائي والتلفزيوني، عمل على مساعدة وتثمين مشروع وردة الغنائي على رسم أفقٍ فنيّ لمسارٍ أصيل داخل النسيج الاجتماعي المغاربي، يمنح جمالياته من موهبة الصوت الفطري والشجيّ، الذي ميّز وردة عن باقي المُغنيات الرائدات، وصَنَعَ لها صداقة دائمة مع الجماهير المغاربية.


مضت 8 سنوات على رحيل وردة الجزائرية، لكن مشروعها الغنائيّ، ما يزال حاضراً ومُميزاً ومُدافعاً عن نفسه أمام التحوّلات الفنية والتقنية، التي طاولت الأغنية العربيّة الحديثة في السنوات الماضية. إذْ بقيت تجربتها الرائدة، صامدة في وجه هذا الخراب الفني والمد الإيقاعي الصاخب على طول البلاد العربيّة والمُفتقر لكلّ أشكال الموهبة والإبداع.

المساهمون