هل عاد حق مصر التاريخي في المياه؟

هل عاد حق مصر التاريخي في المياه؟

28 ديسمبر 2015

السيسي والبشير وميريام يوقعون مذكرة التفاهم بالخرطوم (23 مارس/2015/الأناضول)

+ الخط -
هل فوجئت مصر بعودة نهر النيل إلى مجراه في منطقة بني شينقول الإثيوبية مرة أخرى، بعد أن غادره قسراً في 2013، نظرا لبدء الإنشاءات في مشروع سد النهضة، وساعتها لم يرحم الإعلام الرسمي المصري الرئيس المصري محمد مرسي من النقد واللوم اللاذع، باعتبار أن حادثة تغيير مجرى النهر إهانة لمصر، وأن مرسي لم يكن حازماً في التعامل مع الموقف، وأنه يتحمّل المسؤولية كاملةً عن هذا الحدث.
الآن، وقد عاد النيل إلى مجراه الطبيعي، يجوز السؤال: أين المتشدقون من الإعلاميين المصريين من الحدث؟ ولماذا لم يقدموا لومهم للسيسي باللهجة نفسها، خصوصاً وأن النيل قد عاد ليمر تحت جسم سد النهضة الإثيوبي الذي قارب على الانتهاء؟ ولماذا لم يتم اتهام السيسي بالضعف، وخارجيته بالفشل، ومفاوضيه بالتضليل؟
ويثير تصريح وزير الري المصري، حسام المغازي، العجب، وهو "يطمئن" الشعب أن النيل قد عاد إلى مجراه الذي ضيّعه مرسي. وهو الوزير الذي لم يكن يعرف عن سد النهضة إلا اسمه قبل توليه منصبه، قادما مع ثاني حكومة للسيسي، بعد فشل سلفه محمد عبد المطلب الذي أعلن من إثيوبيا أنه فشل في التوصل إلى آليات مع الجانب الإثيوبي، فكان أن تم تغييره بوزير قادم من هندسة الإسكندرية، لم تكن له علاقة بالسد أو المفاوضات من قريب أو بعيد، ولم يكن حتى استشارياً لقطاع حوض النيل أو وزير الري، ليثير اختياره نقاط عجب واستغراب كثيرة، ولتبدأ مصر دورة جديدة من المفاوضات مع إثيوبيا بوجه جديد، ومعه تابعه علاء ياسين مستشاراً له.
ويأتي ذكر الاسمين، هنا، لتأكيد أن اسمين آخرين بالتوازي يصرخان بصوت عالٍ منذ 2011 داخل مصر، محذرين من الأضرار الكارثية للسد الإثيوبي، أستاذ الموارد المائية والأراضي الدكتور نادر نور الدين، ووزير الري الأسبق وأستاذ هندسة الري في جامعة القاهرة الدكتور نصر علام، وعلى الرغم من ظهورهما شبه اليومي في وسائل الإعلام، محذرين من مسار التفاوض، إلا أن صوتيهما لم يسمعهما أحد في النظام المصري، ولم يصلا إلى الوزير أو المفاوض المصري.

ومن تحليل الأحداث، يظهر واضحاً أن المفاوض المصري قرّر أن يمضي في طريقه، مهما حدث، حتى وإن ظل يدور في دائرة مفرغة من ماراثون المفاوضات التي تتبعها مفاوضات ثم مفاوضات أخرى، وصفها خبراء ومتابعون عرب وأجانب بأنها غير مجدية، وأنه لا يمكن الحديث عن دراسة آثار السد على مصر، بينما السد ينطلق مرتفعاً مقترباً من اكتمال مرحلته الأولى التي ستنطلق في 2017. وهنا، يكون السؤال إذا كان السد ماضياً في طريقه، فلماذا المفاوضات؟ وإذا كانت المفاوضات قد فشلت فلماذا الاستمرار بها؟ وما جدواها؟ 
بعد ست جولات انتهت مفاوضات سد النهضة في يونيو/حزيران 2013، ظهر بعدها التقرير الذي شاركت فيه دول أجنبية، ووجّه لإثيوبيا انتقادات، وحذر من أضرار بيئية على مصر والسودان، وطالب بتنفيذ توصيات ما سمي تقرير اللجنة الثلاثية، لكن ذلك لم ينفذ، وحدث اشتباك بين مصر وإثيوبيا ليأتي الانقلاب في مصر بعد التقرير بشهر، ولتبدأ مرحلة جديدة، وبوساطة سودانية، تم التوصل إلى مفاوضات جديدة، سميت مفاوضات اللجان الوطنية، لتستمر عامين آخرين في عشر جولات، لم تنتج إلا مبادرة وصفها بعضهم بأنها كارثية، ظهر فيها زعماء مصر والسودان وإثيوبيا في مشهد من التعاضد والاتحاد أشبه ما يكون بالفانتازيا التي لم تعط مصر شيئاً، وإنما من خلال خبراء قانون دوليين سحبت منها حقها في الإخطار المسبق والحق التاريخي في المياه لصالح إثيوبيا.
وعلى الرغم من فشل الجولات العشرة، فإن عبقرياً تفتق ذهنه عن قصة جديدة لاستمرار المسلسل التفاوضي العبثي، تحت مسمى جديد، هو اللجنة السداسية، فيما يبدو أنه إشارة إلى سداسيات الكرة أو غيرها من الألغاز التي لا يبدو أنها تقدم شيئاً، خصوصاً بعد أن أعلنت إثيوبيا أنها ماضية في مشروعها، وأن المفاوضات في وادٍ والإنشاءات على الأرض في وادٍ آخر.
وأذكر، على سبيل المثال، اسماً مصرياً وطنياً في فريق التفاوض، هو خبير السدود وأستاذ هندسة الري المصري، علاء الظواهري، الذي رأس اللجنة الفنية المصرية للتفاوض، وهو يعلم تماماً أن الأمور لا جدوى منها، بعد أن أعلن زميله الدكتور أحمد المفتي استقالته من هذه المهزلة مبكراً، وكان مفاوضاً في الوفد السوداني. ويبقى سؤال محيّر: إذا كان الجانب الإثيوبي لم يتحدث عن سنوات الملء والتشغيل وحجم خزان السد أو البحيرة خلفه وعملية التزامن في التشغيل مع السد العالي، فلماذا المضي في التفاوض بهذا الشكل؟
يبدو أن حق مصر التاريخي في المياه ربما ينتهي، وربما تفقد مصر حقها في أي مطالبات بمياه النيل، إذا وافق البرلمان المصري على مذكرة التفاهم التي وقعها الرئيسان المصري والسوداني، عبد الفتاح السيسي وعمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا، ميريام. وربما تجد مصر نفسها، حسب تصريحات إثيوبية، أمام عدة سدود، تسعى إثيوبيا إلى إنشائها على النيل الأزرق، للوصول إلى 40 ألف ميغاوات، لسد حاجاتها من الطاقة، وهذا ما يجعل بعضهم يقول إن من حق إثيوبيا أن تسعى إلى التنمية والهروب من الفقر، لكن قصة بحيرة توركانا في كينيا، والتي جفّت بسبب سدود جيب الثلاثة التي أنشئت على بحر أومو يجعل المشهد المستقبلي لمصر مخيفاً، إذا عاد الباحثون بالذاكرة إلى ما تم تقديمه من دراسات أميركية للسدود على النيل الأزرق في عام 1964، والتي قدرت بـ32 سداً، وربما المرعب ما سُرّب من معلوماتٍ، قالها سفير إثيوبي، إن بلاده لن تستشير أحداً في البحث عن تنمية شعبها، وضرب مثالاً واضحاً لمصر بأنها لم تستشر أحداً في اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، وبالتالي، ليس من حقها أن تطلب ذلك.
وتبقى مسألة تعتبر الأهم، وهي إذا كانت الأمور غامضة، ولم يتم الاتفاق على آلية تضبط المشروعات الإثيوبية على النيل الأزرق، وتحدد آلية العمل وحجم المشروعات الحالية والمستقبلية، والتي ربطتها اتفاقات الأنهار المتشاطئة بقيود وشروط، أهمها عدم الإضرار بدول المصبّ، وهي، في الحالة المصرية، مصر والسودان، فالسؤال: لماذا لم تلجأ مصر إلى القانون الدولي للحفاظ على حقها التاريخي؟ ولماذا المُضي في مفاوضاتٍ غير مجدية، على الرغم من استمرار إنشاءات سد النهضة بشكل متسارع، متجهاً نحو حجز 100 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق، والتي ربما لا يُعلم عدد سنوات تخزينها، لكن المعلوم والمؤكد للجميع أنها ستخصم من حصة مصر المائية المقدرة سنوياً بـ55 مليار متر مكعب؟

9AAEC8EE-479B-45BC-A11B-39BFDCB2C4AB
مصطفى عاشور

إعلامي وصحافي مصري متخصص في الزراعة والري