هل تجرؤ على نقد اليسار؟

هل تجرؤ على نقد اليسار؟

02 ابريل 2018
+ الخط -
عندما بدأت الحركات والأحزاب اليسارية بالتشكل والبزوغ في المنطقة العربية، كان الكثيرون ينظرون إليها كبديل حتمي لأنظمة الحكم الملكية أو العشائرية التي حكمت بلادنا لفترات طويلة وأوصلتها إلى الكثير من المطبات السياسية والحضارية، لذا دبت الحماسة في قلوب الكثيرين من مختلف الفئات المجتمعية خاصة فئة الشباب التي كانت محرومة لعقود من المشاركة السياسية والتعبير الحر في ظل حكم كبار العشائر والعائلات الملكية، فكان للخطاب اليساري صداه ووقعه في النفوس المتعطشة للتغيير والتقدم.

ومن هنا بدأ ربط اليسار بالتقدمية كمبدأ مناقض للتخلف والرجعية، حيث أخذت صورة اليساري تتشكل في الأذهان بهيئة المثقف الذي يحمل الكتب والصحف في كل مكان ويجلس مع الرفاق في أي مقهى شعبي بين العامة يحدثهم ويسمع منهم ويشجعهم على التعبير بحرية ويذكرهم بأن السلطة الحقيقية بيد الشعب، ثم يدأب هذا المثقف على تدوين الهموم والقضايا التي سمعها لكي ينشرها ويلوح بها في وجه الأنظمة المستبدة، مذكراً إياهم بمصدر القوة الحقيقي، فيبدأ الالتفاف الشعبي يزداد ويكبر حول هذا اليساري التقدمي المثقف، ويبدأ الاهتمام العالمي ينصب على منطقتنا التي تنتفض وتعلي الصوت من أجل التغيير.


كان هذا الأمل والرجاء، ولكن سرعان ما بدأت كذبة اليسار التقدمي بالتداعي والانهيار، وذلك قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وربما نتجت عما انتشر من أقاويل عن شراسة وعنجهية أنظمة الحكم اليسارية وتسخيرها لعامة الشعب من أجل خدمة ورفاهية الطبقة الحاكمة التي لا تتوانى عن التضحية بالآلاف من أبناء الشعب وأتباعها الأوفياء أيضاً من أجل تحقيق مصالحها الخاصة التي تدّعي أنها مصالح عامة.

وقد يكون لما انتشر من كتب عن اليسارية دور في تهييج الحوار حول ماهية هذه الأحزاب وحقيقتها وما إذا كانت شعاراتها مجرد خدعة صوتية، فعلى سبيل المثال نجد كتاب 1984 للروائي الإنكليزي جورج أورويل والذي يتحدث فيه عن إمبراطورية مستقبلية تمارس فيها الحكومة أبشع أنواع التلاعب والتحكم والإرهاب النفسي على شعبها، وتحارب بل تدمّر كل من يجرؤ على التفكير المستقل أو التشكيك بسلطة الأخ الأكبر.

إمبراطورية الرعب التي وصفها أورويل تشبه إلى حد كبير نظام الاتحاد السوفييتي وأنظمة الحكم اليسارية في كوريا الشمالية والبلدان العربية، فسلطة الأخ الأكبر التي يقابلها في واقعنا الزعيم والقائد، هي سلطة غير قابلة للنقد والتشكيك، وعامة الشعب ما هم إلا عمال مسخرون لبناء المجتمع ومد السلطة الحاكمة بالمزيد من القوة، أما عن الكتب، فهي أمر شيق للغاية لأنها حسب مبادئ شعارات اليسارية التقدمية، تعتبر أبرز معالم اليساري المثقف الواعي والحر، بينما في الرواية فقد كانت ممنوعة، وكل من يتهم بحيازة كتاب يعتبر مرتكباً لجريمة فكر من العيار الثقيل وعقابه الموت. في المقابل، نرى الأحزاب أو الأنظمة اليسارية تقتصر في قراءاتها على الكتب التي ألّفها يساريون أو تلك التي تتحدث عن عظمة وروعة الأنظمة اليسارية وضرورتها لإنقاذ البشرية.

أعتقد أن أزمة اليسار العربي تكمن في نقل التجربة بحرفيتها وتفاصيلها إلى المنطقة العربية دون الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الثقافية والجغرافية وغيرها، كما تم أخذ التجربة بجميع جوانبها بدلاً من انتقاء أفضل ما فيها وترك ما أثبت فشله، وقد سمعت يوما مقولة مضحكة تؤكد رأيي، حيث يقول بعض اليساريين العرب "إذا أمطرت في موسكو سيكون لزاماً علينا رفع المظلات في بلادنا العربية". كيف لهذه الأنظمة والأحزاب التي تدعي التقدمية والتحرر أن تكون على هذا القدر من التبعية العمياء؟

والأغرب من كل ذلك ما تفعله هذه الأنظمة والأحزاب اليسارية بأبنائها ممن يحاولون النهوض بأحزابهم وتصحيح مساراتها من خلال التزامهم بالمبادئ الأصلية التي طرحها منظروا اليسارية، فنرى أحزابهم تلفظهم أو ترفضهم، بل ويصل بها الأمر أحياناً إلى قتلهم إذا ما كان الأبناء متمسكين بمبادئهم ورافضين للفساد والديكتاتورية حتى لو كانت ترتدي ثوب الشعبوية، ومن الأمثلة التي تؤكد على ذلك ما حدث للمناضل اليساري الإيطالي أنطونيو غرامشي الذي مات تحت التعذيب عام 1937 بعد إعلان معارضته للمسار الفاشي الذي اتخذته الأنظمة اليسارية الكبرى في ذلك الوقت.

فماذا ننتظر من نظام ثوري الاسم، ديكتاتوري الفعل، عندما ينقلب ويأكل أبناءه في حال تعارضهم مع مساره أو تجرؤهم على نقده؟
BD819782-9C47-4D0F-9BFC-A9D49732765A
نجوى أبو خاطر

حاصلة على شهادة البكالوريوس في الدراسات الإنكليزية وأعمل حاليا في مجال الترجمة. بدأت حياتي المهنية كناشطة شبابية ومتطوعة في مؤسسات ثقافية واجتماعية ثم عملت في مجال حقوق المرأة مع استمراريتي في مجال التطوع خاصة فيما يتعلق بدور الشباب في المجتمع.