أحلام الناي... الموسيقى لغة الإنسانية

أحلام الناي... الموسيقى لغة الإنسانية

07 ابريل 2018
+ الخط -
قد يخطر في بالنا الكثير من العوامل البيولوجية أو الدينية أو التراثية، عند الحديث عما هو مشترك بين جميع شعوب الأرض، إلا أننا غالباً ما نغفل عن واحد من أهم تلك العوامل ألا وهو الموسيقى، ولا أقصد هنا الغناء رغم دخوله في نطاق عالم الموسيقى، بل أعني الموسيقى التي تدمج فقط بين أدوات خشبية أو معدنية صنعتها أيدي الإنسان وبين روحه وأنفاسه التي تنفخ الحياه في تلك الأدوات الجامدة.

فالموسيقى الخالية من الكلمات تتحول إلى لغة انسيابية تخترق القلوب والأرواح وتنقلها إلى عوالم مختلفة لتلتقي بمثيلاتها في فضاء شاسع من الجمال والشفافية والحب، وفي غرفة مليئة بأشخاص من أعراق وأديان وألسن مختلفة نجدها تتلاحم في رقصة وجودية رقراقة بمجرد ملامسة أنامل العازف أو شفتيه آلته الموسيقية وبمجرد خروج تلك النغمات السحرية التي تأخذ المستمعين بعد تنويمهم مغناطيسياً إلى كونٍ موازٍ تختفي فيه الحدود والفوارق.

كنت دائماً أؤمن بدور الموسيقى في توحيد الشعوب وإلغاء الخلافات، ولكني اليوم تأكدت من حقيقة أثرها على النفس البشرية ودورها في الارتقاء بالإنسانية.

ولأول مرة قررت الكتابة عن شعوري بالموسيقى، رغم أني أقرّ وأعترف بأني جاهلة تماماً كل ما يتعلق بهذه اللغة الإنسانية، فلا أعرف أسماء الآلات ولا المقامات أو النغمات، لا أفهم شيئاً عن المصطلحات التي تحاول تفسير الموسيقى، إلا أني أعرف حقيقة شعوري إزاءها. لذا وبعد رحلة اليوم التي أخذني فيها الناي إلى عدة عوالم ملؤها الجمال من خلال عدد من المقطوعات الموسيقية، شعرت بضرورة البوح لتخليد هذه الرحلة في ذاكرتي ولتشجيع كل إنسان على منح نفسه جرعة شافية من هذه اللغة الكونية.

طوال ساعتين متواصلتين، جلست كالطفلة الهادئة مغمضة عينيّ، أنتقل بروحي ومخيلتي من عالم سحري إلى آخر بين مقطوعة موسيقية وأخرى، فتارة أكون جالسة بين حقول القمح الذهبية تاركة خيوط الشمس تلامس روحي، ثم أجد نفسي وقد انتقلت إلى شاطئ يافا الهادئ الرقراق، أجلس مقابل الميناء وأشمّ رائحة البحر التي تحمل أسرار قرون من تكوين الأرض والإنسان، ثم ينتقل عازف الناي إلى مقطوعة أخرى فأجد نفسي محلقة في السماء، فيقرر سيد الناي أن يعيدني إلى الأرض ويبكيني بمقطوعة جعلت دموعي تنهمر من دون إرادة مني.

وفي لحظة وصول النغمات إلى مرحلة الاحتراق، تشتعل أجنحتي وتتحول إلى رماد، وأثناء المقطوعة التالية ينمو من ذلك الرماد زوج جديد من الأجنحة أكبر وأجمل، وأرى من خلال النغمات الجديدة المليئة بالأمل أبواب تنفتح على حديقةٍ غنّاء كتلك التي نراها في قصص ألف ليلة وليلة، وهكذا استمر العازف الساحر بأخذي وبقية من في القاعة من عالم إلى آخر حتى وصلنا إلى نهاية الرحلة وقد وجدنا أنفسنا متخففين من أحمال الدنيا وأوهامها وصعابها، وجدنا أرواحنا تحلق وشفاهنا تبتسم ونتبادل تلك النظرات التي توحي لمن لم يشاركنا رحلتنا بوجود سر مشترك بيننا، سر جميل يفوق الوصف بالكلمات.

BD819782-9C47-4D0F-9BFC-A9D49732765A
نجوى أبو خاطر

حاصلة على شهادة البكالوريوس في الدراسات الإنكليزية وأعمل حاليا في مجال الترجمة. بدأت حياتي المهنية كناشطة شبابية ومتطوعة في مؤسسات ثقافية واجتماعية ثم عملت في مجال حقوق المرأة مع استمراريتي في مجال التطوع خاصة فيما يتعلق بدور الشباب في المجتمع.