هفوات غسان كنفاني ومنطق النقد الهجين

هفوات غسان كنفاني ومنطق النقد الهجين

18 يوليو 2017
+ الخط -



قبل فترة، كتب نصري حجاج مقالاً في صحيفة "العربي الجديد" بعنوان "هفوة غسان كنفاني"، ينتقد فيه ببساطة ذكورية غسان كنفاني في مقطع أبي الخيزران، ووصف عجزه الجنسي، وقد كانت ذكورية واضحة وفجة بصراحة.

لماذا على العاجز سياسياً أن يكون عاجزاً جنسياً؟ إنه على ما يبدو، إضافة إلى ذكوريته، تصور بدائي ومكرر عن الجنس، يجعل منه ما يشبه الانتصار السياسي أو فتح العالم.

قبل أن أطلع على المقال، اطلعت على كثير مما كتب عنه. كتب الصحافي الفلسطيني سليم البيك أن المقال شخصي وحاقد على الجبهة الشعبية (عندي طموح جدي أن أفهم العلاقة). وذهب كثيرون إلى مذهب سليم البيك.
 
وكتبت سهام داوود أيضاً عن هفوة لغسان كنفاني في عائد إلى حيفا. إذا كانت سطوة الذكورة على الدلالات (التي كان غسان مهووساً بها) أغرت كنفاني في "رجال في الشمس"، فقد أغرته التنميطات الجاهزة عن فلسطينيي الداخل في عائد إلى حيفا أيضاً، حتى جعل الطفل الذي نسيه الأبوان يتنكر لهما وصار إسرائيلياً (هذا منطق منظمة التحرير الأبوي دائماً. فلسطينيو الداخل طفل تائه عن منظمة التحرير وضال عن طريقها. إنهم "شعبنا" في الداخل كما يقول أحد الزملاء). على أية حال، تلقت سهام داوود كثيراً من التعليقات الرافضة أيضاً.
 
بالنسبة لي، فإن المثالين المذكورين، قليل من كثير. وللأسف، لم نر أية كتابة نقدية واضحة حول نصوص كنفاني، إلا هوجمت. طيب يا جماعة، لنتفق: إذا كانت الوظيفة السياسية للنص أهم من الوظيفة الفنية، وإذا كان سمو الأولى سيمنع أي حديث أو نقد عن الثانية، فصدقوني لسنا بحاجة إلى أدب. أقسم بالله أن الخطابات السياسية والأغاني الشعبية تستطيع أن تخدم غرضكم أكثر بكثير مما يستطيع الأدب.
 
في التاكسي أمس، يتذمر السائق من الانحطاط الذي وصل إليه الفلسطينيون. يقول: الأقصى مغلق من 3 أيام والصبايا يخرجن حتى ساعات متأخرة من الليل. هكذا قال بالضبط. وهذا ما يفعله كثير من كتابنا ونقادنا.

تعودنا أن يكون منطقنا في النقد دائماً مشوهاً وهجيناً، نقدم نقداً وطنياً أو سياسياً بمنطق محافظ، ونقداً أدبياً بمنطق سياسي. عندما يجمع سائق التاكسي بين التواطؤ السياسي وخروج الصبايا حتى ساعات متأخرة، يفعل بالضبط، ما يفعله ناقد يمدح نصوص كنفاني لأنه شهيد، أو ينزعج من نقد نصوصه لنفس السبب، وبالضبط كما يفعل من يخرجون لتكسير بارات رام الله، لأن هناك مظاهرة.
 
إذا كان غسان كنفاني يقاتل لأجلنا فعلاً، فقد كان يقاتل من أجل حقنا في أن نقول عنه ذكوري، وحقنا في أن نقول إنه أخطأ وتورط في خطابات شعبية لا معنى لها، وحقنا في أن نكره البيانات السياسية والخطابة الفجة في أدبه.